انتهت الرحلة وعاد الأمير المصري العاشق إلي مصر بصحبة معلمه »آي« الذي أخذ علي عاتقه إقناع الفرعون بالموافقة علي زواج الأمير والأميرة إبنة ملك »ميتاني«.. ولكن الفرعون قرر ان يتزوجها هو!! السبت: كان »امنحتب الرابع« الإبن الوحيد الذي أنجبه فرعون مصر »أمنحتب الثالث من زوجته« »تي« التي استطاعت بذكائها، وقوة شخصيتها، أن تمتلك قلب الفرعون، وتصبح »الزوجة الملكية المعظمة«، صاحبة النفوذ القوي في إطار البلاط الملكي.. وكان »إبن الفرعون« في صباه شغوفا بركوب الخيل، والصيد، والقيام برحلات طويلة الأمد، إلي المناطق والبلاد البعيدة.. وكانت أمه »تي« قد عهدت به وهو في الخامسة من عمره الي »آي«، أحد مستشاري الفرعون المخلصين، ليقوم بتربيته وتعليمه، وإعداده ليكون فرعونا بعد أبيه.. وعندما الأمير بلغ الثالثة عشرة من عمره اصطحبه معلمه »آي« في رحلة الي مملكة »ميتاني« التي أقامها الهكسوس في سوريا بعد طردهم من مصر. كان وصول الأمير ابن فرعون مصر، الي مملكة »ميتاني« حدثا مهما، ولذلك خرج ملكها »توسراتا« علي رأس مجموعة من رجاله وحراسه للترحيب بالضيف الكبير واستضافه في قصره.. وفي المساء أقام له حفل استقبال رائعا، حضره عدد كبير من كبار رجال المملكة وزوجاتهم، وفي مقدمتهم ابنته الجميلة الأميرة »تادوخيبا« التي لم تكن قد تجاوزت الثانية عشرة.. وكانت تعقص شعرها في خصلات مجعدة، وتضع علي رأسها تاجا مرصعا بالأحجار الكريمة ذات اللون الأحمر، وترتدي ثوبا أبيض اللون، مصنوعا من قماش خفيف، ذي فتحة صدر مستديرة تزينها نقوش من الزهور المطرزة بالخيوط الذهبية المرصعة بالأحجار الكريمة.. فجذبت انتباه الأمير الشاب بمظهرها الأنيق وقسمات وجهها الرقيقة، وقوامها الرشيق. تكرر اللقاء بين الأمير والأميرة في الأيام التالية، وأعرب كل منهما للآخر عن إعجابه.. وكان الملك »توسراتا« والمستشار »آي« قد اتفقا علي ضرورة احلال السلام والمودة بين »مصر« ومملكة »ميتاني«، ومحو كل آثار الكراهية التي يكنها المصريون للهكسوس، وإقامة علاقات تعاون وصداقة بين البلدين.. ولذلك فقد قررا الاستفادة من التقارب الذي حدث بين الأمير المصري، والأميرة الميتانية، واتفقا علي أن يكون زواجهما بداية، تعقبها زيجات أخري بين أفراد الشعبين لدعم وتقوية العلاقات بينهما. انتهت الرحلة، وعاد الأمير العاشق إلي مصر بصحبة معلمه »آي« الذي أخذ علي عاتقه اقناع الفرعون بالموافقة علي زواج الأمير من الأميرة، الميتانية.. وبعد عدة أيام مثل بين يدي الفرعون ليقدم له تقريره عن الرحلة التي قام بها برفقة الأمير الي مملكة »ميتاني«.. وبدأ التقرير بالحديث عن الاستقبال الحافل الذي لقيه الأمير من قبل الملك »توسراتا« وكبار رجال حاشيته.. والحفاوة التي أبداها نحوه الشعب الميتاني، أينما ذهب.. ثم راح بعد ذلك يتحدث عن الأميرة »تادوخيبا« ابنة الملك، وأخذ يمتدح ذكاءها، وجمالها، ورقتها.. وكان الفرعون يستمع الي حديث »آي« بإهتمام بالغ، مما شجعه علي الاسهاب في الاشادة بأناقة الأميرة، ورشاقتها، وأنوثتها، وفجأة استوقفه الفرعون، وأمره بالاستعداد للعودة إلي »ميتاني« لابلاغ ملكها رغبة الفرعون في الزواج من ابنته »تادوخيبا«، وأن يحدد المهر الذي يريده لإرساله إليه.. وقع الأمر الفرعوني علي »آي« كالصاعقة، ولم يكن في وسعه سوي الطاعة.. وفي صباح اليوم التالي شد الرحال إلي »ميتاني« .. وعندما وصل إليها وأبلغ ملكها برغبة الفرعون، فوجيء بترحيبه الشديد بشرط الحصول علي قدر كبير من الذهب والهدايا النفيسة.. فكان له ما أراد.. تادوخيبا في مصر امتلأ قلب الفرعون »امنحتب الثالث« بالبهجة والسرور، عندما علم أن موكب العروس علي وشك الوصول الي »طيبة«.. ووفقا للتقاليد المتبعة، وضع علي رأسه تاجا أزرق اللون، وأشرف بنفسه علي عملية التضحية بأحد الثيران من أجل الإله »آمون«، وبدأت الراقصات تؤدين حركاتهن الايقاعية حول المذبح المطلخ بالدماء.. وتم حمل الفرعون فوق محفة خاصة حتي ضفة النيل عند الغروب، حيث كانت الشمس تعكس أشعتها الذهبية فوق سطح النهر الداكن اللون.. وكانت سفينة الأميرة تنساب علي صفحة المياه.. ومن خلال الجماهير التي تجمعت علي ضفتي النهر، والملاحين العاملين علي السفن المحملة بأنواع الفاكهة الواردة من سوريا، انطلقت صيحات الفرح والبهجة لتملأ أرجاء المكان.. وهبطت الأميرة الجميلة من مركبها والتقت بالفرعون الذي كان يصطحب معه الملكة »تي« .. وسرعان ما تلامس الملك والأميرة بطرفي انفيهما في قبلة حب حارة، وفقا للتقاليد المصرية القديمة، ثم توجه الجميع الي القصر الملكي في موكب كبير يتقدمه أحد الكهنة، وهو يرتل بعض التراتيل من أجل إلاله »رع« بمصاحبة الأغاني التي كان ينشدها الموسيقيون، وعازفو المزاهر والصاجات. شعرت »تادوخيبا« بالاعجاب والانبهار لما تراه في مصر، من ثراء فائق.. ومنذ الوهلة الأولي، أدركت بذكائها ان الملكة »تي« هي التي تحكم مصر وتدير دفتها فأخذت تتقرب إليها وتظهر نحوها كل الود.. وعندما أرخي الليل سدوله، وبدأت الخادمات في إشعال مصابيح الزيت، وأخذت الراقصات الجميلات العاريات تماما إلا من سلسلة ذهبية رفيعة تحيط بالخصر، وأخري حول الكاحل، يرقصن ويتمايلن.. وها هي »تادوخيبا« بعد ذلك، تجد نفسها منفردة أمام زوجها الجديد، الذي عرف رغم الأمراض التي يعاني منها، كيف يثبت فحولته اثباتا لا شك فيه. وفي الصباح استيقظت العروس علي أنغام الموسيقي التي كانت تعزفها بعض الموسيقيات اللاتي اختارهن الفرعون للقيام بذلك.. وقامت احدي الخادمات بنثر العطور الذكية حولها.. وأزاحت الملاءة البيضاء التي كانت تغطي بها جسدها العاري، فتثاءبت بكل قوتها، ثم اتجهت الي حوض الاستحمام المصنوع من المرمر الأزرق اللون، وجلست فيه، واشارت للخادمات اللاتي يحملن الجرار الذهبية المملوءة بالماء، لكي يسكبن الماء فوق جسدها. ومكثت »تادوخيبا« في حمامها بعض الوقت قبل ان تستسلم لعملية التدليك التي قامت بها بعض الوصيفات، ثم سكبت الخادمات الماء المعطر في الحوض لتنعم ببرودته ورائحته.. وهنا دخلت احدي الخادمات واخبرتها بأن »آي« بالباب، ويطلب الاذن بالمثول أمامها.. فنهضت، وارتدت بعض الثياب، واتجهت الي حجرتها، وأذنت للرجل بالدخول.. انحني »آي« امام »تادوخيبا« وقال لها انه يريد ان يعترف لها بأنه اخطأ في حقها،ويريد منها السماح.. ثم التفت الي الخادمات وطلب منهن مغادرة الحجرة.. وقال لتادوخيبا بلغتها الأصلية، التي كان يجيدها انه اخطأ بالتحدث عنها مع الفرعون، وكان السبب في زواجه منها، رغم انه يعرف بحب الأمير لها ورغبته في الزواج منها، وبأنها تبادل الأمير الحب.. وأنه حاول ان يجعل الفرعون يتراجع، ولكنه لم يفلح!! ونظرت »تادوخيبا« إلي الرجل بعينيها اللامعتين المشعتين ذكاء، واخبرته أنها كانت تعرف كل التفاصيل، ثم طلبت منه أن يهون علي نفسه، فإن كل نساء الدنيا يتمنين الزواج من »الفرعون« الذي لن يعيش طويلا، كما ان والدها كان في حاجة ماسة للذهب الذي تملك مصر منه الكثير.. وان ولاءها لايزال لأبيها ملك »ميتاني« وشعبه.. فتضرج وجه المستشار »آي« بحمرة الخجل، واصابه الارتباك.. وأخذ يتمتم بكلمات الاعتذار.. وانصرف.. إحياء الحب القديم! مضت ثلاث سنوات، مات بعدها »امنحتب الثالث«.. »الفرعون«.. »حورس«.. »ملك مصر العليا والسفلي« .. »ابن رع« .. »سيد طيبة« .. وبعد دفنه بمقبرته في وادي الملوك، مكثت »تادوخيبا« في هدوء تام طوال فترة الحداد.. وبعد انتهائها قررت ان تقطع كل الأواصر التي تربطها بأصولها الميتانية، والتي تذكّر بإنتسابها الي الهكسوس.. وتخلصت من اسم »تادوخيبا«، واطلقت علي نفسها اسم »نفرتيتي«.. وبدأت تتودد الي »امنحتب الرابع« الذي اصبح فرعونا بعد وفاة أبيه، لاحياء الحب القديم الذي تعرف أنه كان يكنه لها.. وبعد أقل من عام تم زواجهما، وأصبحت »الزوجة الملكية المعظمة« صاحبة الأمر والنهي.. وقبل مضي سنة علي الزواج رزقا بطفلة أسمياها »مريت آتون«، وبعدها طفلة ثانية أسمياها »ماكت آتون« ثم ثالثة اسمياها »عنخ آتون«.. وعهدت بمهمة تربية البنات الثلاث الي زوجة »آي« الذي أصبح أهم مستشاري القصر. كان الفرعون »امنحتب الرابع« مولعا بالحدائق الغناء والبساتين الجميلة، وكان يفضل تأمل الطبيعة علي السياسة ومشاكلها.. ولذا فقد استطاعت »نفرتيتي« اقناعه بأن يترك لها أمور السياسة.. ورويدا رويدا اكتسبت الخبرة التي رسخت أقدامها في ادارة شئون الدولة.. ثم تمكنت من اقناعه بالاهتمام بعبادة الإله الواحد »آتون«.. وعندما اعلن كهنة »آمون« غضبهم لانصراف الفرعون عن عبادة إلههم، تصدت لهم الملكة بمنتهي الحسم وطلبت منهم ازالة كل تماثيل »آمون«، ومحو اسمه من فوق جدران المعابد، وان يتحولوا الي عبادة الإله الواحد »آتون« وحذرتهم من عدم طاعة الأوامر »!!« وتمكنت بعد ذلك من اقناع »امنحتب الرابع« بتغيير اسمه الي »اخن آتون«!! وتقول عالمة المصريات الفرنسية »فيولين فانويك«، في كتابها الذي صدر في باريس تحت عنوان »غرام الفراعنة« وقامت بترجمته الي العربية الأديبة الكبيرة الراحلة فاطمة عبدالله محمود.. أن طموح »نفرتيتي« لم يكن ليتوقف عند حد.. وكان أكثر ما يخيفها أن تفقد سلطانها ونفوذها اذا مات »اخن آتون« الذي كان يشكو من عدة أمراض ويضيع منها عرش مصر، لأنها لم تنجب ولدا، خاصة وان المستشار »آي« الذي يؤمن بالإله »آمون« قد تمرد عليها، وكذلك القائد العسكري »حورمحب«. وقد هداها تفكيرها إلي تزويج ابنتها من الشاب الصغير »توت عنخ آتون« الذي انجبه »اخناتون« من احدي زوجاته اللاتي يعشن في قصر الحريم، لأنه الولد الذي سوف يرث العرش بعد وفاة ابيه، وعندئذ سيكون في وسعها السيطرة علي حكم مصر، مادام الجالسان علي العرش سيكونان طفلين يافعين.. ولكن سرعان ما تبينت انها كانت واهمة لأن »آي« المستشار الملكي القوي، و»حور محب« القائد العسكري الطموح، شجعا الملك الشاب علي تغيير اسمه الي »توت عنخ آمون«، والانتقال مع زوجته الي »منف«.. وطلبا منه اعادة بناء الصروح والمعابد من أجل الإله »آمون« .. وبعد ثلاث سنوات، من اقامة الملك الشاب في منف، انتقل الي »طيبة« ليقيم برفقة زوجته في قصر جده »امنحتب الثالث«.. وتوفيت »نفرتيتي« أو الأميرة »تادوخيبا« إبنة »توسراتا« ملك »ميتاني«.. التي جاءت من سوريا الي مصر لكي تتزوج من الفرعون المسن المريض وتصبح ملكة ليحصل أبوها علي ما يريده من الذهب.. ثم تزوجت من ابنه بعد وفاته.. ثم قررت السيطرة علي الحفيد لكي تبقي حاكمة وملكة علي مصر.. لكن القدر شاء أن ترحل عن الدنيا وهي لا تزال في الثامنة والثلاثين من عمرها.. وبعدها مات »توت عنخ آمون« ليتولي »آي« حكم مصر لمدة أربع سنوات، وبعد وفاته جلس »حور محب« علي عرش مصر لمدة ثلاثين عاما، وأخذ علي عاتقه خلالها محو أي أثر يشير الي الإله آتون، وقام بتدمير كل الصروح والتماثيل والمعابد التي قامت نفرتيتي بتشييدها!!