بفؤاد فتي سيَّر أجناد الأمة عثمان.. أرسل أجناد النجدة تحمل ألوية المجد ورايات العزة وهو الشيخ الفاني. فكأنك ياعثمان قد استجمعت بزنديك معاصم كل الشبان. أحكم عثمان القبضة في البر.. ولكن البحر يواصل مازال الغارة بعد الغارة.. تزحمه أشرعة الرومان.. فغزا البحر. و كان المركب صعبا دون البدو الرحّل.. لكن عثمان اقتحم صعوبته حتي ذلت.. حتي صار الأزرق كالأصفر.. والموج كما الكثبان. وتقدمت الجند الي الهند.. إلي السند.. الي الصين.. الي أبواب القسطنطينية.. وتخوم الأندلس.. وأرض الحبشة والسودان. قام بأعباء خلافته كاملة حتي حفظ علي أرض الإسلام الوحدة والمنعة. والقوة والعزة والسلطان. فتنفست الأمصار الصعداء.. وقرت آمنة كل عيون الشطآن. ومضي الإسلام من اليوم الحسن الي اليوم الأحسن.. قافلةً حاملة الاء الخير.. يسوق هوادجها فوق النوق المختالة عثمان.. ويغنيها بحداء من كلمات الله القدسية. فينوِّر ليل بواديها.. ويذكِّرها بحديث رسول الله.. فتذكر حاديها ويهيج بأعماق طواياها التحنان. ماكان غويا عثمان.. ولا أمويّ الأهواء.. يكِّرس للأمويين الدنيا والدين يورِّطه في المسألة - كما زعموا بالباطل - مروان. كان كريم الكف مع العامة والخاصة.. وذوي القربي والغرباء.. قريش وشعوب الأمصار جميعا. فهو عليهم أجمعهم راع مسئول يقضي بالسنة بعد الفرقان. ما كان ضعيفا عثمان.. فقد ردَ عن الأشجار الإسلامية ريح البغي المتربصة بها.. وحماها من شرِّ أعاصير العدوان. ما كنت ضعيفا ياعثمان.. سماحتك هي القوة في غير غرورٍ. وهي النقش الحلو علي واجهة القصر متين البنيان.. وهي السطح الهادئ لمحيط محتشد بالجيشان. كنت مثالا إنسانيا يندر أن نلقاه سوي بين صحابة سيد خلق الله حياءً كحياء العذراء المقصورة.. ونبالة وجه لا تتوفر إلا للأمراء.. ورقة حاشيةٍ واشيةٍ بضمير حان.. وأريحية نفسٍ.. ووداعة قلبٍ.. وثقافة ذهن.. وسلوك.. ولسان.. وذكاء فذ.. كان النسَّاب الثقة.. وكان دليل أدلاء قوافل ليل الصحراء العربية.. كان الرحَّال العارف ما يخفي بين شعاب تهامة أو نجد من وديان. كان جميل الخلقة والخلق.. نسيبا وحسيباً.. وصالا للرحم.. ووقافا مع هنَّات النفس.. وتواباً لله كثيرا.. يسأله العفو.. ويرجوه الغفران. من ينكر ياعثمان عليك الفضل.. فهل يذكر يوم (تبوك).. بهذا اليوم تكفل ذو النورين بثلث النفقات لتجهيز الجيش الإسلامي.. وكم أنفق عثمان. أنفق - في مرضاة الله وفي حب رسول الله - الأموال الهائلة.. وبعض المال لبعض الناس كئوس من خمر. وعبيد وقيان. كان يُتم القرآن جميعا في صلوات الليل.. ويسبح بين نجوم الآيات.. وأقمار السور.. محاطاً بالقدسيِّ من الألحان. كانت تتبعه أسراب عصافير الجنة.. تلقط من كفيه حبوب النور المقشور.. فتنقسم كمثل شعاٍع يتخلل بلور المنشور إلي أطياف الألوان. من ينكر ياعثمان عليك الفضل؟! وأنت نسيب رسول الله.. وصاحبه.. وسفير الإسلام.. وكاتبه.. والذائد عن حوض الأمة.. والمتعرض وحدك للغمة.. لم تسأل أحداً أن يدفع عنك بلاء المحنة.. وبلاء المحنة فتَّان فتَّان. قلت لمن أنكر فضلك في حزم: لا أخلع.. ما عشت. قميصٍا قمصنيه الله.. وما أكثر ما تُلبسنا الدنيا من قمصان. ما أكثر ما يلتبس علينا الحق.. ونلبس أثوابا أبلاها جسد الشيطان. من ينكر ياعثمان عليك الفضل كمن ينكر عن قرص الشمس النور.. ومن ينكر ياعثمان عليك النورين سوي أعمي القلب ضرير الوجدان. ما أضوأ قنديلك ياعثمان.. فيه من القبس النبوي سراجان.. فيه ضياء من أهل سماء الله.. وفيه ضياء من أهل الأرض.. كأن لقنديلك - يتدلَّي من سقف الأفق الأسني - مرآة في أحداق الناس وأمواه الغدران.