استعير عنوان هذا المقال من عنوان كتاب هنري كسينجر world restored والي استعاد فيه دبلوماسية ما بعد الحرب النابليونية و حيث صاغ دبلوماسيون عظام من امثال بسمارك وميترنيخ و كاسترله نظاما The conc ert of Europe ضمن لأوروبا قرابة مائة عام من السلام.. أما عالمي المستعاد فهو عملي في بلدان أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفيتي 1963-1974 وهي الخبرة التي بدأت في براج عاصمة تشيكوسلوفاكيا في اوائل الستينيات و كانت في هذا الوقت من اكثر دول اوروبا الشرقية ولاء للاتحاد السوفيتي و تطبيقا لايدولوجيته ونظامه السياسي و الاقتصادي. غير انه رغم قبضة النظام في تشيكوسلوفاكيا في هذا الوقت الا ان هذا لم يمنع من ظهور حركات احتجاجية و معارضة قادها كتاب ومثقفون .. و في تتبعي لهذه الحركة كنت اشعر ان شيئا ما يتبلور و هو ما جري في اوائل عام 1968 عندما رضخ النظام لضغط هذه الحركة و تخلي رئيس الجمهورية وسكرتير اول الحزب عن مناصبهم و تولي شخصية جديدة هي الكسندر دوبتشيك وجاء ببرنامج لخصه في "اشتراكية ذات وجه انساني" غير انه يبدو ان الاتحاد السوفيتي لم يرض عن هذا البرنامج و تطبيقاته التي بدأت واعتبرها تهديدا للنظام الاشتراكي الامر الذي دفعه هو و عدد من البلدان الاشتراكية الي غزو تشيكوسلوفاكيا في أغسطس عام 1968.. و اذكر انه عندما عدت للقاهرة كتبت دراسة عما اصبح يسمي "بالأزمة التشيكوسلوفاكية" ناقشت الأوضاع في تشيكوسلوفاكيا منذ ان بدأت تتطور في اوائل الستينات و دوافع السوفيت من الغزو و انعاكساته الدولية.. و قد فهمت ان هذه الدراسة وصلت الي الرئيس عبد الناصر الذي عبر عن رضاه عنها رغم ما كانت تتضمنه من نقد لسياسات السوفيت في التحكم في بلدان اوروبا الشرقية.. وتذكرت هذا كله و انا اقف مؤخرا و بعد 45 عاما تحت تمثال الامير التشيكي فاتسلاف الذي يتوسط ميدانه و حيث حرق طالب الفلسفة التشيكي نفسه احتجاجا علي الغزو السوفيتي. بعد مرور هذه الحقبة وجدت الطبيعة السخية الفاتنة مازالت كما كانت منذ قرون و كذلك الاثار و الرموز التاريخية مثل القلعة " The Castle" التي بدأ بناؤها في القرن التاسع و استكملتها الاسرات التي توالت علي البلاد و كوبري تشارلز " Charles bridge" الذي بني في القرن الثالث عشر وكان اول كوبري في اوروبا و علي مقربة منه جامعة تشارلز, و بقيت براج كما كانت المدينة الذهبية The golden city باعتبار الآلاف من قبابها الذهبية, أما ما تغير فهو وجه الحياة في كل تفاصيله بفعل التحولات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية التي تعرضت لها تشيكوسلوفاكيا في اواخر الثمانينيات هي و بلدان شرق اوروبا علي اثر سقوط النظم الاشتراكية فيها. الشيء الذي افتقدته خلال زيارتي لبراج هو الخدمات الثقافية الرخيصة التي كانت متاحة في العهد الاشتراكي, و التي مكنتني انذاك من ان اكون مكتبة من مئات الاعمال الموسيقية لموسيقيين كبار مثل التشيكي انطون دفورجاك و فردريك سمتنا و البولنديين فرانزليست و شوبان و المجري بيلا بارتوك فضلا عن الموسيقيين الروس العظام: تشايكوفسكي و رحمانينوف وريمسكي كورسيكوف و غيرهم.. و قد شملت زيارتي الاخيرة زيارة المجر ، وكنت خلال سنوات عملي في الستينيات أتردد عليها والمس آثار ووقع النظام الحاكم عليها وخاصة بعد الغزو السوفيتي عام 1956 والاطاحة بالزعيم المجري جومولكا الذي أراد أن يدخل إصلاحات علي النظام الاقتصادي والاجتماعي. كاتب المقال: سفير سابق