في ظل سطوة وجبروت السموات المفتوحة، في ظل الاعلام الفضائي والاليكتروني المتعجل، في ظل جمهورية الفيس بوك، ومملكة تويتر، وغيرها من المنتديات والتجمعات الاليكترونية الاجتماعية، لابد ان يختلط الحابل بالنابل، وتمتزج الاكاذيب بنصف الحقيقة، وتضيع الموضوعية والشفافية والحيادية بفعل الانجراف العاطفي، أو الاعتقاد الايديلوجي والديني، أو الانتماء الطائفي والقبلي، الامر الذي خرج بحرية الرأي والتعبير من اطار الطبيعي والقانوني إلي ما يشبه الفوضي التي تدمر حقوق الآخرين.. الامثلة علي ذلك كثيرة جدا لا تسمح المساحة باستعراضها كلها او حتي جزء من بعضها، وان كان آخرها تلك الضجة المفتعلة حول ما يسمي بمنع فيروز من الغناء، صحيح ان فيروزلها مكانة خاصة ورفيعة في قلوب كل محبيها في الوطن العربي، ومنطقي وطبيعي ان تكون هناك وقفات تضامنية أو احتجاجية تعاطفا مع فيروز عندما يمنعها احد من الغناء، لكن هوجة الاعلام الفضائي والاليكتروني خلطت في هذه القضية بين فيروز الفنانة، وفيروز الوريثة مع ابنتها وابنها لتراث عاصي الرحباني المشترك مع شقيقه الراحل منصور. فيروز الفنانة علي العين والرأس، لا احد يملك أو يجرؤ ان يمنعها من الغناء، طالما ان هذا الامر لا يجور علي حقوق الاخرين من ورثة ابناء منصور الذين صمتوا طويلا امام ما يقال وينشر ويوزع من غضب وسباب واتهامات علي كافة مواقع الاعلام الفضائي والاليكتروني، وعندما فاض الكيل بهم خرجوا عن الصمت الاخلاقي ببيان يوضح نصف الحقيقة المختفي، بل كل الحقيقة التي طمسها طحن الالة الاعلامية التي لم تنتج اي طحين يفيد الناس، بل انتجت حالة من الزيف والتزييف، لو كانت الالة الاعلامية الفضائية والاليكترونية التزمت بالحيادية والموضوعية من البداية لفهم الناس ان تلك الوقفات والاحتجاجات لن تصلح اي شيء في النزاع القائم، لأن ورثة منصور لم يمنعوا فيروز من الغناء، بل طالبوا بحقوقهم الشرعية التي كفلها لهم قانون الملكية الفكرية وقانون حق المؤلف،وبنود هذا القانون تنص بكل صراحة ووضوح علي موافقة ورثة المبدعين الذين شاركوا في بناء عمل فني واحد قبل اعادة تقديمه والحصول من وراء ذلك علي الحق المادي الذي يتم الاتفاق عليه، وورثة ابناء منصور يقولون في بيانهم ان ورثة عمهم عاصي ومن بينهم فيروز تريد اعادة استغلال الاغاني التي ابدعها منصور دون العودة لورثته أو سداد أي مردود مادي يتأتي من أداء هذه الأغاني، واتهموا في البيان ريما ابنة عمهم بمحاولة إلغاء دور والدهم في العمل المشترك للأخوين رحباني. المشكلة اذن ليست كما قيل واشيع بأن هناك حكما او قرارا بمنع فيروز من الغناء، المشكلة عائلية وقانونية بالاساس، ولن يحلها تلك الوقفات التي يستثمرها هواة الشهرة، أو من لايعرفون خلفيات الموضوع، لان المشكلة ليست بين فيروز وأولاد منصور، بل بين ورثة عاصي ومنهم نهاد حداد التي هي فيروزوأبناؤها، وورثة منصور، وفي هذا الموضوع يجب الفصل بين فيروز الفنانة ونهاد حداد الزوجة والوريثة، وعلي الجميع التوقف عن تضخيم الامور، كلنا نحب فيروز والتعاطف معها لا يجب ان يتجاوز القانون وما ينص عليه، أو ما يحفظه من حقوق لكافة الاطراف. طحن بلا طحين.. وتلك سمة ما يفرزه الاعلام الفضائي والاليكتروني عندما يقلب الحقائق ويخلط الاوراق.