»السقف الزجاجي« أو »الحاجز الزجاجي« هو مفهوم له علاقة بعمليات التفاوض الإداري والسياسي والاجتماعي ومفردتا هذا المصطلح تتيحان لنا فهما أوليا للمعني الحرفي المقصود تمهيدا لفهم الاستعارة المتضمنة بالمصطلح.. وللتوضيح نذكر حادثة معروفة لأحد وزراء الخارجية العرب كان يسير علي قدميه بالسرعة المعتادة نحو مبني كان يقصده للزيارة لأول مرة، وكان الباب زجاجيا ويقع وسط حائط كبير كله من الزجاج، ولكن بسبب الاعتناء الفائق بمظهر المبني، كان تنظيف وتلميع الزجاج »عشرة علي عشرة«.. لدرجة انه عندما أخطأ الوزير الباب وكان أسرع من مرافقيه في الوفد، ارتطم سيادته بعنف في الزجاج وكسرت نظارته وأصيب وكان ذلك حادثا مؤسفا، وأتذكر عندما قرأت هذا الخبر، وجدته يتكرر مع الأسف حيث تعرفت علي حادث مماثل تماما عندما اصطدم أحد أعضاء النادي الأهلي بزجاج المبني الاجتماعي بفرع النادي في مدينة نصر. أيضا بسبب نظافته التي لم يتبين معها العضو أن هناك زجاجا وأصيب في وجهه كذلك اصابة مزعجة وعند احتجاجه لدي إدارة النادي حينذاك سارعت الإدارة بوضع مجموعة من »أصاري الزرع« أمام الزجاج حتي لا يصطدم عضو آخر بذلك »الحاجز الزجاجي« الذي يكاد أن يكون غير مرئي من شدة نظافته.. الفكرة هنا عن وجود »حاجز لا نراه بسهولة.. وبالتالي فإن مفهوم« »السقف الزجاجي« هو وجود حاجز غير مرئي ولكن نكتشفه عادة عند الارتطام به والسقف الزجاجي يعني في مصطلحات التفاوض وإدارة الأزمات ذلك الحاجز الذي لا نراه عادة ويمنع الصعود أو الترقي أو الدخول في جماعة أو مجموعة ما سواء كانت مهنية أو اجتماعية أو علمية إلي آخره وأن هناك من وضع هذا السقف الزجاجي مع سبق الاصرار، ففي الحديث اجتماعيا أتذكر حديثا للدكتور سيف عبدالفتاح بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية حين ذكر قصة طالب متفوق من طلابه دخل امتحان الخارجية ونجح نجاحا متميزا في اختبارات الالتحاق بالسلك الدبلوماسي التحريرية ولكن عند المقابلة الشفهية تم رفض طلبه للالتحاق بالسلك الدبلوماسي ووجد ان العبارة »الرافضة« هي »انه غير لائق اجتماعيا«، مع الأسف كل الأسف انتحر هذا الطالب.. ولكن في هذه القصة مثال لما أقصده بمفهوم »السقف الزجاجي« الذي تيقن من وجوده ذلك الطالب ولكن بعد الارتطام العنيف به والذي أوصله إلي نهاية مأساوية مؤسفة وكان عليه ان يقاومها ويتحمل الارتطام لأن ليس هناك شيئ يستحق هذا التأثر البالغ من تأثيرات »السقف الزجاجي« الذي ينبغي التعامل معه. ان هناك أمثلة عديدة أخري لا يتسع المقال لسردها عن »طبيعة السقف الزجاجي« وتأثيراته، وهناك كتابات عديدة عن المرأة في كثير من دول العالم حيث تعاني من وجود حاجز »السقف الزجاجي« في محاولتها للصعود إلي مستويات الإدارة العليا، وهنا تقول لورا تيسون عميدة كلية الاقتصاد بجامعة لندن، إن هناك 03٪ من المديرين في بريطانيا من النساء، ولكنهم لا يتخطين مستوي الإدارة المتوسطة (أي أن هناك سقفا زجاجيا يتمثل في حواجز متعددة تحول بينهن وبين الصعود السهل للإدارات العليا). وطبقا للBBC أن هناك 57٪ من النساء يعملن في القطاعات التي تدفع مرتبات أقل وأن أقل من 01٪ من الوظائف العليا تحصل عليها المرأة في انجلترا طبقا لاستطلاع تم اجراؤه علي مائة شركة، كما ان النساء اللاتي يصلن إلي سن المعاش يتقاضين ما يقرب من نصف معاش الرجال هذا بسبب العديد من أنماط التفاعل المقولبة STERROTYPE عن وضع المرأة العاملة وسماتها علي مستوي العالم، من هنا جاءت فكرة إنشاء شبكات تحالف في قطاعات العمل المختلفة حيث بدأت حملات علي مستوي العالم لتغيير هذه الصور النمطية وذلك من خلال تمكين المرأة لكي تعبر ذلك »السقف الزجاجي« من خلال التفاوض الاجتماعي والسياسي والإداري، ويظل من المهم أن نتحدث في مقال آخر عن السياق السياسي وأمثلة من خلاله عن تأثيرات »السقف الزجاجي« للرجال والنساء والشباب في بلادنا وبالمقارنة عبر الثقافات والنظم السياسية عبر العالم ولهذا سياق تفصيلي آخر والله ولي التوفيق وهو وحده المستعان.