الدول الصناعية بلا استثناء تعاني كثيراً من المنافسة غير المتكافئة التي تمارسها الصين ضدها في أسواق دول قارات الدنيا الخمس. ما من دولة كبري، أو حتي عظمي، يمكنها أن تتجاهل كم الأسواق التجارية المحلية قبل الخارجية التي كادت أن تكتفي بعرض المنتجات المستوردة الصينية بعد أن عجزت باقي المنتجات الأخري عن منافستها: إنتاجاً، و وفراً، و أسعاراً. المنافسة الرهيبة للمنتجات الصينية لا تهدد المنتجات المعتادة في معظم دول العالم، وإنما الجديد حالياً أن التهديد الصيني وصل بالفعل إلي منتجات بعينها كانت جودتها، وبراعتها، ومبتكراتها، تكاد تكون مقصورة علي دولة أو دولتين احتكرتا إنتاج تلك المنتجات علي مستوي الكرة الأرضية، مما يجعلهما: »خارج نطاق المنافسة«. الدولة الشيوعية العظمي: »الصين الشعبية« لم تتعملق في يوم وليلة. وإنما عاني شعبها الكبير من الحرمان، والجوع، والمرض خلال عقود عديدة ماضية، إلي أن عثروا علي طريقهم الصحيح الذي أوصلهم في النهاية إلي ما هم عليه الآن من: ثراء، و عطاء، وتفوق، و وفرة في أي شيء وكل شيء.. لتتبوأ الصين الرأسمالية دون التخلي عن شيوعيتها إسماً المركز الأول في مجالات يصعب حصرها، وكانت حتي زمن قريب محصورة، ومقصورة، علي بضع دول غربية! الطاقة الإنتاجية الرهيبة، غير المسبوقة، جعلت من الصين رمزاً لما في استطاعة وقدرات شعب من الشعوب أن يخططه، وينفذه، وينتجه، ويسبق به كل شعوب دول العالم قاطبة! ولأن حرية التجارة، وحرية انتقال رؤوس الأموال، من أولويات النظام الرأسمالي الحاكم حالياً بعد انهيار النظام الاشتراكي، الشيوعي، الذي كان منافساً لبضعة عقود من القرن الماضي فلم يكن في استطاعة الدول الصناعية الغربية الكبري أن تحظر استيراد المنتجات الصينية أو غيرها، خاصة مع اطمئنان الغرب إلي استحالة نجاح دول نامية، و مصانع متواضعة لشعوب متأخرة، في منافسة التفوق النوعي الغربي: الأمريكي والأوروبي. ثقة الغرب في ذاته طمأنته علي حاضر ومستقبل منتجاته في مواجهة »الزحف الأصفر« الآخذ في اختراق الأسواق الأوروبية والأمريكية بعد أن أغرق أسواق القارات الأخري. كما أن اعتزاز الغرب بقدراته الخلاقة في تطبيق سياسة »الاحتواء« شجعته علي تحويل »الاغراق الأصفر« من خطر داهم علي صناعاتها، إلي دعم هائل لهذه الصناعات. إن الصين بطاقتها البشرية الفلكية، وساعات العمل اليومي المفتوحة قادرة علي إنتاج كل ما يحتاج الغرب إنتاجه من مبتكرات، وسلع، كافية لاحتياجاته المحلية، ولاحتياجات أسواقه الخارجية. وليس مهماً أن المنتجات الغربية ستختم بوصمة: »صنع في الصين«، وإنما المهم أن المستهلك لن يجد فرقاً في الصناعتين، من جهة، والتكلفة الإنتاجية ستكون ، من جهة أخري، أقل .. مما يقلل بالتالي من أسعار البيع للمستهلك. و رحبت الصين بهذا الاقتراح الذي تلقته من كبريات المصانع والشركات الغربية العالمية: من أوروبية وأمريكية. وسرعان ما قامت الصين بما طلبه الغربيون منها. وبسرعة البرق أيضاً انتشرت البضائع التي تعوّد الأمريكيون والأوروبيون عليها، من إنتاج مصانع بلادهم، وهي نفسها اليوم، وغداً، وإن قيل إنها: »صنعت في الصين« ، أو »صنعت في هونج كونج« ، أو صنعت في »شانغهاي«.. و غيرها من القلاع الصناعية في بلد المليار ونصف المليار صيني. لم يتأثر البيع ولا الشراء بتغيير الصانع، بل علي العكس إزدادت الحركة التجارية بعد انخفاض التكلفة، وخفض الأسعار. ما حدث في الولاياتالمتحدة حدث ويحدث مثله في أوروبا. منتجات ابتكرتها العقلية والذوق الغربي، وقام الصينيون بتصنيعها وتصديرها بنفس الصفات والمواصفات والأشكال والألوان والأوزان التي حددها واشترطها الممول والمستورد في الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. والزحف الأصفر علي الغرب لم يكن سهلاً. فالمنتج الصيني الذي سمعنا عنه لأول مرة يشتهر بأوصاف عديدة، منها الجيد و منها أيضاً غير الجيد. فالغش مثلاً يعد من معالم المنتجات الصناعية الصينية سواء قبل الشيوعية، أو خلال عقودها، أو حتي بعد انصهارها في بوتقة الرأسمالية في أرقي صورها، وأشرس تطبيقاتها! .. وللحديث بقية.