لقضاء إجازة قصيرة في الساحل الشمالي الشرقي، عبرت الطريق من الاسماعيلية الي العريش، كنت قد انقطعت عن هذا العبور أكثر من عشر سنوات. لذلك، كنت حريصا علي إمعان النظر طول الطريق، حتي أري إذا كان جد جديد عما شاهدته قبل عشر سنوات، لكن للأسف، إصبت بإحباط مرير. فكل شيء كما كان. صحاري مجدبة، تعلوها بين الحين والآخر نبتات خضراء برية. وعلي مسافات متباعدة، تري العين مجموعة من البيوت الصغيرة، حولها بضع نخيلات. وبعض الزرع الفقير. ويثور في داخلي السؤال الحائر: لماذا لم تمس يد الحضارة أرض سيناء الغالية؟ هذا الطريق »الدولي«. الذي يربط الواديبسيناء، لماذا ظل مقفرا هكذا طول هذا الزمن؟.. حتي النقط والأكمنة الأمنية علي بوابات البلدات، بائسة.. والمجندون القابعون خلف حواجزها، منظرهم يثير الرثاء! في أثناء عبورنا، كانت في الجوار صدامات.. ومؤتمرات يكرر فيها شيوخ القبائل مطلبهم بضرورة تنمية وسط وشمال سيناء. وهو المطلب الذي ننادي به جميعا منذ سنوات طويلة.. ولا يتحقق! ما الذي يغل يد حكوماتنا عن تنفيذ المشروع القومي لتنمية وتعمير سيناء المقر منذ عام 4991، والذي يفترض أن يكتمل تنفيذه عام 7102، أي بعد سبع سنوات.. بينما لم ينجز منه إلا القليل، في 61 سنة؟ وما الذي يمنع الحكومة من الاستفادة بخبرة قائد نجح نجاحا باهرا في تدشين علاقة ممتازة بين أجهزة الدولة وسكان سيناء الأصليين بخصوصيتهم المحلية، هو اللواء منير شاش، خاصة وأنه بعد تركه المحافظة، عين مستشارا لرئيس الوزراء لشئون تنمية سيناء. وهو قرار لم يفعل. لكنه لم يلغ أيضا..؟ علي أن أخطر ما قد يحدث، هو أن تتم أعمال تنمية بعيدة عن، ومتناقضة مع استراتيجية تعمير سيناء، وجوهرها، وهو تعميرها بالبشر، قبل الحجر والشجر، هذا الجوهر الذي يتحقق بانتقال ثلاثة ملايين مواطن من الوادي المكتظ، لينضموا الي اخوتهم السكان الأصليين -وليس علي حسابهم- ليكونوا معا، بكل محبة واحترام، مجتمع التنمية والنهوض. فحتي الآن، طرح رسميا مشروعان يتعلقان بأراضي ترعة السلام: الأول طرحه وزير الري: الاعتماد علي القطاع الخاص، في تنفيذ المآخذ من الترعة الرئيسية، لتغذية الترع الفرعية بالمياه، واستكمال عمليات الاستصلاح في بقية زمام الترعة، وهي معظم الأراضي. علي أن يمنح المستثمرون، مقابل ما أنفقوه، أراضي، بحق الانتفاع. ولهم حق التصرف فيها، بشروط توردها الكراسات. والثاني. هو إعلان وزير الزراعة - عن طرح 54 ألف فدان، للشركات لإقامة مجتمعات زراعية صناعية. المشروعان يثيران قضيتين: الأولي: انه معروف للكافة أن كل أرض سيناء، كما أرض مطروح والبحيرة والفيوم وغيرها من الأراضي الصحراوية، ملك للقبائل التي تعيش عليها. لذلك، فأي مشتر لجزء منها. يدفع مرة للاصلاح الزراعي أو المحافظة، ويدفع مرة أخري لشيخ العرب واضع اليد، فكيف ستحل الدولة هذه المسألة؟ بنزع الملكية، وتعميق الصراع مع »البدو«.. أم ماذا؟ القضية الثانية، أن كلا المشروعين يضعان الأرض في يد الأغنياء، صحيح أنهم سيشغلون أيدي عاملة. لكن شتان ما بين عمالة أجيرة، وبين ملايين تتملك الأرض وترتبط حياتها بها وتدافع عنها بأرواحها. لابد من مناقشة مجتمعية.. حتي لا ينسف هدف تعمير سيناء.. بالبشر.. قبل الحجر والشجر.