تحظي مملكة البحرين خلال الأعوام القليلة الماضية بنهضة واسعة النطاق وفي مقدمتها المشروعات الثقافية والفنية وحماية الاثار وإعداد البيوت الاثرية بعد ترميمها كمقار للانشطة الفنية والثقافية، والمتحف الوطني يعد مركزاً جاذباً لفئات كثيرة من المجتمع، وأتيحت الفرصة لي لزيارة المملكة بدعوة من الصديق الشيخ راشد بن خليفة الخليفة.. وخصت الزيارة مشاهدة معرضه الاخير الذي جمع عدة مراحل فنية متتابعة وكانت مناسبة هامة لزيارة عدة معارض جماعية وفردية بصحبة الفنان راشد بن خليفة وكانت مقابلة بعض الفنانين قد استدعت من الذاكرة تاريخ مشاركات معظم هؤلاء الفنانين في دورات بينالي القاهرة الدولي الذي احتضن ابداعات فناني الدول العربية الشقيقة، الفنان راشد عاشق للسماء والصحراء برمالها الذهبية ولامواج البحر التي تناسب علي الشاطئ كأنها تروي عطش الرمال. والاشجار والنباتات والزهور والإنسان.. كلها مفردات وعناصر تعيش في فضاءات لوحاته الفنية، الموهبة والإبداع الفني والفكري يسكنون الفنان منذ الصغر والتألق ازدهر منذ أربعة عقود تميزت بتوهج الموهبة والتي كشفت عن هوية إطارها مصداقية الإبداع الفني الذي يعتمد علي ركائز عدة منها المرجعيات الطبيعية والثقافية البصرية، والفنان تكمن فيه قدرات التحدي وخلق التوازن بين عمله كوكيل أول لوزارة الداخلية وكفنان مبدع متميز ومتفرد.. هذا التناقض الواضح بين الوظيفة والفن لم يؤثر علي انتاجه الفني بل بالعكس فالفنان غزير الإنتاج الفني، الفنان راشد نموذج للفنان المفكر ويعتبر في مقدمة الفنانين بالبحرين ومن الفنانين العرب الذين يتميزون بوحدة الرؤية وثباتها كون تجربة لها خصوصية في النشأة والتنامي والبحث في جوهر الاشياء من خلال ثقافة بصرية وحسية نادراً تواجدها أو توافرها في فنان، وأعمال التي ارتبطت بالطبيعة وفضائيات الصحراء ودفء السماء بلونها الازرق كأنه إنعكاس لوهج الرمال وبريقها الذهبي يمتلك الفنان طاقة تعبيرية وحسا بصريا منقطع النظير. بالاضافة الي لمسات الفرشاة المتراكمة طبقة تلي الطبقة بإيقاع جمالي إنساني الدلالة، كثير من الفنانين لا يعتدون بالمرجعيات كمراحل بناء وتراكم متصل. وأيضاً لا تنتمي أعمالهم الي ما يسمي حلقات التتابع والتواصل، والفنان راشد بني تجريدية أعماله الجديدة علي تجارب غنية وثرية وفق طبيعة وقانون النمو المطرد، عكس الفنانين الذين يبتعدون عن تأصيل الإبداع الفني، تتجلي اللمسات الضوئية علي حواف الجبال وكأنها شهب تكمن فيها بل تسكنها الروح، فإحكام الفنان وقدراته العالية علي مستوي الاداء المدفوع من الطاقة الداخلية الشعورية، فعندما نتأمل الجبال وانبثاق نباتات الصحراء وبعض الاشجار نشعر بسحر حركة اللون في صعوده في مناطق الظل وزهوه في احتضان أشعة الشمس وانعكاس هذه المفردات علي سطح تجمع مائي بمثابة نبض القلب الذي يضخ الحياة في هذا الفضاء اللا نهائي، والشيخ راشد الفنان لم تمنعه العادات والتقاليد في فهم رسم الأشخاص والجسد، فقد حظت إحدي مراحله الأولي بالتعمق في رسم المرأة ذات الأزياء التقليدية والتي تطورت فيما بعد باختزال الفنان للتفاصيل ومحاولة الكشف عن عمق جمال الروح ونبضها، والمعرض مقام ببعض قاعات المتحف الوطني وتميز العرض بإبداع آخر وهو تجهيز المكان باللون الاسود مع تنظيم وترتيب الأعمال وفق المرحلتين الأخيرتين.. فالعرض علي مستوي العرض المتحفي بإطاره المعاصر، ونهر الفن يكتفي بالبدايات الاصيلة التي تميزت بالجدية والجسارة وشجاعة المبادرة وهذا تجلي في مرحلة المناظر وأيضاً في رسم الجسد، والأخيرة تذكرنا بالفنان العالمي فرانشيسكو جوبا.