»اذكروا محاسن موتاكم«. معني جميل ، يعودنا علي احترام الموت، والترحم علي الميت، ويصبر أهل الفقيد علي رحيل من أحبوه، وعاشوا معه، وحظوا بمحبته وعطفه ورعايته وعنايته. ولكن: كم عدد الذين يحترمون هذه النصيحة الجميلة التي حرص معلمونا في حصص الدين بالمدارس الإبتدائية وما بعدها علي تكرارها علي أسماع تلاميذهم كي لا ينساها أحدهم عندما يكبر، ويعي، ويصبح قادراً علي تقييم ما يراه ويسمعه من: أفعال، وأقوال، أصحابه ومعارفه.. بما يعرفه ويختزنه من أقوال ونصائح، وتعاليم دينية، وعلمية، وحضارية، وإنسانية. فإذا حضر مجلساً يُغتاب فيه الموتي، نجده يسارع بمداخلتهم وقطع حديث النميمة ويذكرهم بالقول الحكيم، الجميل: ».. اذكروا محاسن موتاكم«. البعض يتعفف بالفعل عن تجريح ذكري رحيل أحدهم، مهما كان مسيئاً في حياته لهذا البعض الذين كانوا يواجهون تصرفاته الخاطئة وجهاً لوجه، أما بعد أن رحل علي دنياهم فلا حاجة لأحدهم بالإساءة إليه واغتيابه بعد أن مات وشبع موتاً. وفي المقابل .. هناك البعض الآخر الذي سمع النصيحة الحكيمة، والقول الجميل »اذكروا محاسن موتاكم« آلاف المرات لكنه لا يتذكر حرفاً منها عندما تحين لحظات متعته ونشوته لإطلاق لسانه سبّاً، وشتماً، وتجريحاً، وافتراءً علي من تغيب لسوء حظه عن الجلسة لموته وتشييع جنازته ليلقي ربه. هذه التناقضات، والمفارقات، تابعتها وطبقتها علي ما سمعته، وقرأته، وشاهدته عبر أجهزة الإعلام حزناً، أو تشفياً.. حسرة، أو غلاً.. دموعاً أو طرباًً.. عزاء ومواساة، أو حقداً وكراهية.. فور الإعلان عن وفاة المفكر الإسلامي والمثقف المصري الكبير الأستاذ الدكتور: نصر حامد أبو زيد الذي غُيّب عن دنيانا أمس الأول عن عمر لم يتجاوز السابعة والستين، رغم أنه عاش، وتعايش، وصبر، وعاني، وتحمل.. ما كان يحتاج إلي ضعف هذا العمر! أول القصيدة كانت هزلاً.. و لا أقول »كفراً« حتي لا أكون مثل هؤلاء الذين اتهموا المفكر الإسلامي الكبير د. نصر حامد أبو زيد بالكفر، وسحبوه إلي ساحة القضاء ليحاكم، ويصدر حكم بإدانته وتفريقه عن زوجته! أقول إن أول القصيدة لما بعد الوفاة كانت هزلاً عندما شُيعت الجنازة في غياب أي مسئول حكومي كبر أم صغر كأن د.نصر حامد أبو زيد ليس رمزاً مصرياً في الثقافة، والعلم، والفكر؟! أو كأن الراحل القدير لم يكن - كما وصفه زملاؤه وتلاميذه - »بطل التمرد، والنضال الفكري، والحرية حتي الموت«؟! لا أعرف سر، أو مبرر، غياب هؤلاء المسئولين الحكوميين، خاصة أولئك الذين يندر أن تخلو »أجندة« واحد منهم من مشاركة واحدة، يومية علي الأقل في تشييع جنازة، أو تقديم العزاء في وفاة هذا، أو ذاك.. من أناس أخف وصف لهم حتي لا أرتكب خطيئة: اغتياب الموتي أنهم جميعهم يقلون علماً، وفكراً، وثقافة، وجرأة، وشجاعة، واعتزازاً بالنفس والعقل .. عن الراحل الكبير الأستاذ الدكتور نصر حامد أبوزيد! أتساءل فقط من باب العلم بالشيء لا أكثر ولا أقل عن سبب مقاطعة المسئولين للجنازة، رغم أن هذه »المقاطعة الرسمية« لن تزيد من شأن الراحل الفقيد، كما لن تقلل منه. إذا كان الغياب راجعاً إلي خوف مسئولي الفكر والثقافة وحرية الإبداع من انتقام المتزمتين، والسلفيين، الرافضين لفكر وثقافة وإبداع د. نصر حامد أبو زيد، فهذا عذر يمكن لأسباب إنسانية بحتة قبوله، بحجة أن الخوف صفة من صفات »البني آدميين« وليس من اللائق انتزاع هذه الصفة التي يستحيل علي البعض التخلص منها من بعض المتغيبين عن أداء واجب العزاء في وفاة الفقيد. أما إذا كان سبب الغياب راجعاً إلي أن مسئولي الفكر والثقافة في بلادنا يؤيدون اتهام د. نصرحامد أبوزيد بالكفر، و حرق كتبه، وحظر محاضراته، واستمرار غيبته وهجرته شأنهم في ذلك شأن الذين تربصوا بالرجل واتهموه بمنتهي البساطة بالكفر، والإلحاد، والتطاول علي القرآن الكريم.. وإن حاول بعضهم بعد سنوات أن ينفي تورطه في توجيه هذا الاتهام الخطير لشخص د. أبو زيد، وإنما كان نقده منصباً فقط علي أبحاثه، وكتبه! فعلاً.. عداكم العيب يا أساتذة، لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة. .. وأواصل غداً. إبراهيم سعده [email protected]