مهيب.. في مقر المطرانية.. وهو قصر مشيد.. يحتويه ثوب قشيب .. هو علم مصر الوطن الحبيب.. وفي مظهر مبهر.. متميز في الاستقبال البشوش الودود.. مع كمال التنظيم والترتيب.. تجسدت في ابهي صورها عبقرية المكان والزمان والانسان.. في منتدي مجلل بأكاليل المهابة والوقار والمودة والاحسان..وما أن اعطي نيافة الانبا مرقس اشارة البدء حتي انطلقت اهازيح وترانيم الحب والعشق والوفاء والعرفان.. لمصر المحروسة.. ام الدنيا وسيدة الاوطان.. واذ ظللت سنين عددا ارجو واتمني.. بل وأحلم ان تنظم في مصر حوارات وطنية.. تتناول كل القضايا والمشاكل القومية.. في إطار من الصراحة.. والوضوح.. والشفافية والموضوعية.. ادركت آنذاك ان هذا الحلم .. قد آذن بالوجود علي ساحة الحياة المصرية.. وهاكم.. بشارته وبدايته.. واقعا حيا في رحاب المطرانية التي رأيت فيها - حقا- مناره.. من منارات التنوير.. تشع علي مصر وما حولها السماحة والمحبة.. والوطنية الحقة.. والفكر الديني، الصحيح المستنير.. وحين بدأ الحوار.. في ادب جم ووقار يبعثان علي الزهو والفخار.. ويستلفتان كل الانظار.. وفي اطار من المصارحة والمكاشفة.. دون تعتيم أو تأويل.. او إخفاء واسرار.. وبين يدي حشد كبير من المواطنين.. ومن القيادات الشعبية والبرلمانية والتنفيذية.. وممثلي الاعلام ورجال الدين.. من الدعاة والمشايخ والقسيسين.. طرحت اول قضية .. وهي المتعلقة بدور العبادة.. خاصة ما يتعلق »ببناء الكنائس«.. وتساءل أحد الحاضرين لماذا بناء الكنيسة بالذات لايتم الا بقرار جمهوري..؟! وكانت اجابتي الفورية فيما يشبه الطرفة الاخوية: ان صدور قرار جمهوري ببناء كنيسة هو تشريف للكنيسة وتقدير لمكانتها.. ثم كان في بيان القاضي الفاضل عدلي حسين محافظ القليوبية.. والدكتور مصطفي الفقي من ان قانون دور العبادة يجري اعداده بحرص ودقة كاملين.. وتولي القيادة السياسية عناية به ليصدر كافيا شافيا ميسرا لبناء دور العبادة بعامة.. والكنائس بخاصة.. وبهذا الجواب قرت العيون وانشرحت الصدور.. وبعد ذلك اثيرت قضية التوتر الذي طرأ في بقعة ما من ارض الوطن بين بعض من المسلمين واخوانهم الاقباط بعد الحادث الاجرامي الذي وقع مؤخرا.. وان البعض من هنا أو هناك.. بسوء سلوكياتهم ورديء احاديثهم وكتاباتهم.. يفتعلون الفتنة افتعالا.. او يزيدون نارها اشتعالا.. كما ان مناهج التعليم تتجاهل الثقافة الدينية المسيحية ولاتعتني بها مثل التربية الدينية الاسلامية.. فقلت ان هذا وغيره من الاعمال السيئة المستنكرة والسلوكيات السلبية المستهجنة انما هي نتاج الامية الدينية وغياب التربية الاسلامية والمسيحية.. والقيم الوطنية والاخلاقية.. مع ان شعب مصر منذ فجر التاريخ.. يعيش نسيجا واحدا متماسكا.. تسوده المحبة والمودة والوئام.. في ظلال الديانتين السماويتين المسيحية والاسلام.. الا انه في آخر الزمان طرأ علينا مالم يكن متوقعا ولم يكن في الحسبان.. وهو ان كثيرا من النشء والشباب- مسيحيون ومسلمون- قد ركنوا إلي التدين الشكلي المغلوط والممسوخ .. وابتعدوا عن الجوهر واللباب.. جهلوا ان المسيحية والاسلام.. دينان متواصلان متكاملان غايتهما طاعة الله.. ووسيلتهما المحبة والرحمة مع الايمان .. وان المسلم لايصح اسلامه ولايكتمل ايمانه الا اذا آمن بالسيد المسيح وبالانجيل ايمانه بسيدنا محمد وبالقرآن.. وان رسول الاسلام هو اخ للسيد المسيح عليهما الصلاة والسلام.. ذلك قوله فيما معناه: »أنا اولي الناس بعيسي ابن مريم في الدنيا والاخرة«.. وقوله: »انا اولي الناس بعيسي.. لانه ليس بيني وبينه نبي.. والانبياء اخوه لعلات.. امهاتهم شتي ودينهم واحد«.. واقباط مصر مع مواطنهم المسلمين هم اهل ذمة.. اي اصحاب امان وضمان وعهد.. وهم جميعا سواء.. لهم مالهم وعليهم ما عليهم..ولقد حذر نبي الاسلام اتباعة من ايذاء اخيه عيسي.. وانذر من يفعل ذلك بالويل والثبور وعظائم الامور.. في قوله: »من آذي ذميا فقد آذاني ومن آذاني آذي الله« بل واعلن اختصامه يوم القيامة.. ومن يؤذي في الدنيا ذميا مجرد ايذاء.. وذلك قوله »من آذي ذميا فانا خصمه ومن كنت خصمة خصمته يوم القيامة.. بل انه كذلك قد توعد بالعقاب الأليم من يسبب او يقذف جاره المسيحي.. في قوله: »من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار«. ثم ان جوهر المسيحية وحقيقتها ..هما.. هما.. ذات جوهر وحقيقة الاسلام.. جوهر هما وحقيقتهما.. المحبة والرحمة والسلام.. فاذا كان السيد المسيح يقول »طوبي لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون« فان اخاه محمدا »عليهما الصلاة والسلام«.. يعلن بدوره انه ليس بمؤمن من لايحب غيره: »لايؤمن احدكم حتي يحب لاخيه مايحب لنفسه« وان »الرحماء يرحمهم الرحمن« وانه هو نفسه.. هو »الرحمة المهداة« وان السلام ثمرة الحب.. هو تأشيرة الدخول إلي الجنة.. فيما قرره الحديث الشريف: »لن تدخلوا الجنة حتي تؤمنوا.. ولن تؤمنوا حتي تحابوا.. افلا ادلكم علي شيء اذا فعلتموه تحاببتم.. افشوا السلام بينكم«. أرأيتم ياسادتي.. كيف ان الاسلام والمسيحية.. يتماثلان بل ويتفقان تماما في الدعوة إلي المحبة والرحمة والسلام.. الا ان الامية الدينية.. والجهل المطبق بحقيقة للاسلام والمسيحية..قد اسلما كثيرا من العوام.. كثيرا من الجهال.. ومرضي العقول والافهام.. اسلماهم إلي غياهب التطرف والقسوة.. والانحراف والاثم والاجرام.. ولو ان مؤسساتنا التعليمية، والاعلامية، والثقافية، والدينية، ادت واجبها في تربية النشء.. وفي ترقية الوجدان.. لو انها اهتمت بالتربية الدينية والخلقية واظهرت جوهر المسيحية وحقيقة الاسلام.. وامتثالا لاحكام الدستور الذي امر بذلك في مواده 9،21، 91 التي الزمت المجتمع والدولة معا.. بالتربية الدينية والخلقية في مستواهما الرفيع، لو ان تلك المؤسسات.. ادت واجبها الدستوري.. الوطني والاخلاقي.. لبقيت مصر.. كما هو شأنها في كل عهد وعصر.. واحة للامن والسلام والايمان.. اهلهم في نسيجهم الواحد القوي المتين.. هم مطمئنون آمنون.. »لاخوف عليهم ولاهم يحزنون«. هذا هو قدر يسير مما دار في هذا الحوار الوطني النموذجي.. الفريد الذي ما كان له ان يتم الا في مناخ الحرية وفي ظلال الحكم الرشيد.. وما كان له ان يؤتي ثماره الا مع النسيج الوطني المتين القوي.. لشعب مصر الكنانة الابي الزكي.. الذي يستعصي اختراقه.. علي كل شيطان حاقد عنيد.. لان مصر تأوي مع عناية السماء- إلي ركن شديد وان في ذلك لذكري لمن كان له قلب او القي السمع وهو شهيد. والحديث موصول.