الإيمان بحق المواطنة هو الإيمان بحق شركائنا في الوطن من غير المسلمين, فيكون لهم مالنا من الحقوق, وعليهم ما علينا من الواجبات. فالإسلام منذ بدأ كانت تربطه بغير المسلمين خاصة المسيحيين منهم. صلات تواد وتراحم, حسن جوار وطيب معاملة, ذلك لأنهم حقا وصدقا شركاء في الوطن الواحد, ونبيهم عيسي عليه السلام بشر بمجئ محمد صلي الله عليه وسلم, والاثنان جاهدا من أجل أنسنة الإنسان, وازدهار الحياة, وتحقيق السلام.. أو كما يعبر المفكر الإسلامي الراحل خالد محمد خالد في كتابه, معا علي الطريق محمد والمسيح قائلا: إنه فوق أرض فلسطين شهد التاريخ إنسانا شامخ النفس, مستقيم الضمير بلغ الانسان في تقديره الغاية, التي جعلته ينعت نفسه بابن الإنسان.. ومن بعده بستمائة عام تأخذ الأرض زينتها لتستقبل إنسانا آخر هو محمد عليه الصلاة و السلام, حتي ما يكاد يسألونه عن أفضل الأعمال وأبقاها, حتي يجيب تحقيق السلام وأن تعيشوا عباد الله إخوانا... حقا وصدقا.. فللاثنين عيسي ومحمد مبادئ وقيم ومثل.. لا تتأتي إلا ممن أوتي أخلاق الأنبياء, ولذلك رأينا عيسي عليه السلام يبشر بمقدم أخيه محمد عليه الصلاة والسلام, كما رأينا محمدا صلي الله عليه وسلم يأتي برسالة من جملة ما فيها تثبيت المسيحية كدين والاعتراف بالمسيح عيسي عليه السلام كنبي, ويقرأ علي المسلمين كتابا مبينا يطوي فيما يطوي آيات بينات, أحاط بها الإسلام مريم عليها السلام وعيسي عليه السلام بالتكريم, بينما يفتري قتلة افتراء نزهها الله عنه في القرآن واعتبرها قديسة لها كرامتها وإجلالها. وبينما ينكر اليهود عيسي عليه السلام ونبوته إذ بالقرآن يعترف بها ويؤكدها. وبأنه عبد الله ورسوله بنص الآية الكريمة من سورة مريم: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا, وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ذلك عيسي بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون... فإذا كان هذا هو موقف القرآن الكريم من السيد المسيح وأمه عليهما السلام ورسالته فلابد أن يلقي تقديرا من العقيدة الإسلامية, وأن تلقي المسيحية من نبي الإسلام صلي الله عليه وسلم ورعاية في أحاديثه تمتد إلي خلفائه والتابعين من بعده إلي ما شاء الله, رعاية تتمثل في العدل والمساواة والبر وحسن المعاملة. فالنبي صلي الله عليه وسلم يوصي بالذميين في قوله: من قذف ذميا حد له يوم القيامة بسياط من نار وينبه قائلا: من ظلم معاهدا أو كلا أو انتقص أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيام وقوله عليه الصلاة والسلام: من آذي ذميا فقد أذاني انظر وتأمل ذلك ثم تأمل وصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلي عمرو بن العاص حين ولاه أمر مصر قائلا: إن معك أهل الذمة والعهد فاحذر يا عمرو وأن يكون رسول الله خصمك أو حين أراد الصلاة وهو في داخل كنيسة القيامة في بيت المقدس فيقول للبطريرك: أريد الصلاة فيرد عليه البطريرك: في موضعك فيمتنع عمر ويصلي خارج الكنيسة. ولما قضي صلاته يقول للبطريرك الذي كان مندهشا: لو صليت داخل الكنيسة لأخذها عني المسلمون وقالوا هنا صلي عمر. وهناك شواهد للعهود والمواثيق التي أبرمت في صدر الإسلام, وهناك أيضا قواعد ترعي حقوق غير المسلمين داخل دولة الإسلام, تجعل للإسلام إيجابية لا تتحقق لغيره من الأديان كما يقول الدكتور محمد ضياء الدين الريس بكتابه النظريات السياسية الإسلامية ومن هذه القواعد العدل الذي أمر به الإسلام لأهل الذمة تقرر بأن كفالتهم واجبة علي الدولة مثل المسلمين سواء بسواء وحريتهم في العبادة مكفولة واعتقادهم مكفول فلا إكراه في الدين علي أساس أن الاسلام دين التسامح ورفض كل صور التعصب. كذلك في المساواة بين المسلمين والمسيحيين نجد صورا باهرة لتعامل الإسلام مع غير المسلمين يسجلها الدكتور عبد الحميد متولي بكتابه مبادئ نظام الحكم في الاسلام حيث يكفل للمسيحيين حريتهم الشخصية, وحرية إبداء آرائهم وحرية عقيدتهم وإقامة شعائرهم الدينية كما يكفل حماية أموالهم ونفوسهم وأعراضهم ونشاطهم الاقتصادي, ويؤمنهم ضد العوز. هذه أخلاقيات الإسلام الحقيقية ممثلة فيما جاء في الكتاب والسنة واجتهادات رجاله المتقدمين ترجمت الي قواعد تشريعات وضعها النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته منذ خمسة عشر قرنا في المجتمع الإسلامي ولم توضع بسبب فتنة طائفية أو بدعة سياسية.