عاش غلغامش (كلكامش) Gilgames حسب لوائح الأُسر الملكية السومرية في المرحلة الواقعة بين 2750 إلى2350 ق.م، وكان ملكاً للمدينة/الدولة المزدوجة أوروك - كولاّب Uruk-Kullab الواقعة في وادي الرافدين على الضفة الشرقية للفرات، وقد تشكلت حول شخصهباقة من الحكايات البطولية والأسطورية التي تسرد أخبار أعماله الخارقة وتوقه إلى الحياةالخالدة، محاولاً تجنب المصير البائس المحتوم للبشر الفانين. ثمة عدد من الإبداعات الشعرية المغرقة فيالقدم تتناول موضوعاتها شخصية غلغامش وأعماله، كُتب أقدمها باللغة السومرية، تلتهامن ثم أخرى باللغة الأكّدية، فالحثية، فالحورية، إلاّ أنه لم يتبق من بعضها عبر العصورسوى شذراتٍ أو كسور رُقم. وبجمع وإعادة صياغة مختلف الروايات ظهرت أول ملحمة ضخمة فيالأدب العالمي في أرض بابل وباللغة الأكدية. وكان ظهورها نحو نهاية الألف الثانية قبلالميلاد في شكلها النهائي المكتمل، على اثني عشر لوحاً أو رُقماً، وهي الصيغة التياستخرجها الآثاريون من مكتبة قصر الملك آشور بانيبال Assurbanipal في مدينةنينوى. ويمكن تتبع تاريخ مادة الملحمة كالآتي: 1- مجموعة غلغامش السومرية: لم تصل مجموعةالحكايات السومرية إلى صيغة ملحمةٍ مكتملة فنياً ومضمونياً، بل تشكل معاً حلقة أعمالشعرية حول شخصية محددة، هي غلغامش. يعود تاريخ هذه المجموعة إلى مرحلة حكم الأسرة الثالثةبين 2110 و2003 ق.م. أما النصوص المتوافرة منها حالياً في متاحف العالم في شذرات مختلفةالطول فتعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وتتألف هذه المجموعة من: أ - «غلغامش وأغّا Agga ملك كيش KiŠ» التي تروي خبر حصار أغّا لمدينة أوروك وتصدي الشابغلغامش له بالاعتماد على الشباب، بعد أن خذله شيوخ المدينة وجنحوا إلى الاستسلام. ومنالأحداث يظهر إنكيدو Enkidu بوصفه عبداً قوياً ووفياً لغلغامش.لكن المفاجأة تكمن في عفو غلغامش عن الغازي، فيهبه الحياة. ب - «غلغامش وحواوا Huwawa»:التي تروي قصة خروج غلغامش وإنكيدو إلى غابة الأرز (عند حدود نهر دجلة مع سورية حالياً)للقضاء على الجبار الشرير حواوا، ابتغاء المجد الذي سيخلد اسمه، وعندما ينجح غلغامشفي إخضاعه وتقييده، يبتهل حواوا إلى إله الشمس أوتو Utu فيقطع إنكيدورأسه، مما يؤدي إلى لعن أوتو لهما معاً. ج - «غلغامش وإنكيدو وثور السماء»: بعدأن تمكن الاختصاصيون بالأسلوب المقارِن من ردم ثغرات النص الكثيرة، صارت الصيغة كالآتي:عندما تطاول غلغامش على إنّانا Innana (عشتار) إلهة أوروك، بأن ازدرى حبها وسخر من غوايتهاورفض هداياها، غضبت من غطرسة البشر وطلبت من رب الأرباب أن يعطيها الثور السماوي كيتعاقب به غلغامش ومملكته. وعندما أبدى الرب تمنعاً هددته ببعث الأموات من العالم السفلي،فرضخ. لكن غلغامش وإنكيدو تمكنا من قتل الثور. د - «غلغامش وإنكيدو والعالم السفلي»:تروي القصيدة حكاية إنقاذ غلغامش شجرة «الحَلوب Halub» من الأفعى والنسروعفريتة القفار، لصالح إنّانا، التي صنعت من خشبها كرسي عرش وسريراً لها، وطبلاً مععصاة مكافأة لغلغامش. يُسر غلغامش بالهدية ويأخذ بضرب الطبل الفريد ليلاً ونهاراً،مما يقضّ مضاجع سكان المملكة، فتبتهل العذارى إلى الآلهة لتخلصهن من هذا العذاب، فيسقطالطبل وعصاه في فتحة أرضية تؤدي إلى العالم السفلي، وعندما يندب غلغامش خسارته يتطوعإنكيدو بالهبوط إلى العالم السفلي لإحضار الطبل وعصاه، لكنه لا يتقيد بتعليمات غلغامش،بل يسلك سلوكاً مناقضاً لها، مما يؤدي إلى بقائه هناك. وهنا يتقدم إله الحكمة لمساعدةغلغامش الحزين ولإنقاذ إنكيدو، وينجح. ه - «موت غلغامش»: إن نص هذه القصيدة مشوَّهإلى حد يستحيل معه إعادة بنائه، إلا أن مدخل القصيدة يوحي بمضمونها: «لقد شاء رب الأربابإنليل الجبار أن يصير غلغامش ملكاً، لكنه لم يشأ له أن يعيش حياة أبدية». و - «موت إنكيدو»: على الرغم من الثغراتالعديدة في هذه القصيدة، يُفهم من شذراتها المتبقية أن الآلهة قد حكمت على إنكيدو بالموتلقتله حواوا ولمشاركته في قتل الثور السماوي، ولا يستطيع غلغامش الفاني أن يقدم لهأي مساعدة تحول دون ذلك، مما سبب له حزناً عميقاً وكرهاً للموت المقيت.