غسلت الآلهة يديها وعجنت طينا بصقت فيه وصنعت منه بطلا هو «أنكيدو» المارد، الذى يغطى الشعر جسمه، رآه أحد الرعاة فارتاع وذهب لأبيه يقص عليه ما شهده، فنصحه أبوه بأن يروى الأمر إلى «جلجامش»، وألمح إليه بطريقة اصطياده عن طريق امرأة، عاد الصياد وبصحبته «البغى» التى تجردت من ثيابها لتغوى «أنكيدو»، وقع المارد فى حبائلها، فكتبت أول سطر من نهايته.. قاتل «جلجامش» ثم صارا أصدقاء حتى لقى حتفه فى ريعان الشباب بعد أن حكمت عليه الآلهة بالموت، مرت الدنيا أمام ناظريه وهو يغالب سكرات الموت بعد أن انتزعته العاهرة من الحياة البرية إلى مصيره. هذه إحدى قصص الملحمة البابلية «جلجامش»، دفعنى إلى تذكرها وعكة صحية ألمت بى، فتسببت فى ولادة فكرة رغم أنفى، فالفراش فى الشتاء مع «ريموت كونترول» كافيان لتحويلك إلى إنسان آلى لا يفكر ولا يقرأ، فقط تأكل وتسمن وتسمع وتشاهد، ولكن تخلصت من مشاعر الدجاجة لأدخل فى أتون عذابات الغيظ والتوتر وضرب الدماغ فى الحيط من هول ما أراه وأسمعه. وانتزعنى «أنكيدو» بفطرته البرية التى أنهتها لعوب، من فراشى وريموت كونترولى، لأراه مثل كثيرين منا، ساقتهم أيديهم إلى فضائيات الرياضة المصرية، لتنتزع منهم أفضل ما عندهم، براءتهم وفهمهم وإداركهم وحدسهم وذكاءهم وأخلاقهم، ليحل محلها غضبهم وتعصبهم وغباؤهم وسطحيتهم ودونيتهم وتزيّدهم و... والكثير من مهلكات زمان مدحت شلبى وأعوانه. لم يختلف جمهور الرياضة على الفضائيات عن «أنكيدو» كثيرا، فغواية برامجها لا تضاهى ما فعلته اللعوب فى أسطورة «جلجامش» بالمارد، فهم يتجردون يوميا من أخلاقيات تحض عليها الرياضة، ليغازلوا الجمهور بمفاتن الغضب والتعصب، لترى النتائج كافية لقتل الفضيلة والمهنية فى مقابل نشر أوهام الكراهية والفرقة. انحطاط برامج الرياضة على الفضائيات المصرية وتعبيرها عن ألوان الفانلات دون تحرى الموضوعية واجتناب الشبهات ليس إلا عرضاً لأمراض الصحافة الرياضية.. فالصحافة الرياضية لم تكن مهنية فى الأساس، فورث الإعلام الرياضى أسوأ ما فيها.. فالاجتراء على الأشخاص والمعارك الشخصية والهوى وسقف الحرية غير المحدود كانت سمات لصحافة رياضية نشأت فى ظل صحافة حكومية لا تسمح بالحرية سوى على صفحات الرياضة، وسارت الأمور على هذه الوتيرة، وانتقل المحررون إلى الفضائيات لنجنى الثمار فى موقعة الجزائر. أحد مقدمى البرامج، الذى ينتمى للأسف إلى فئة الصحفيين، يبعث بأحد مراسليه لشخصية كروية لاتختلف عنه كثيرا، ليقوم بتسجيل حوار معه بكاميرا أخفاها فى حقيبته دون علمه ليذيعه على الهواء مباشرة فى انتهاك صارخ لكل قواعد المهنية والأخلاق، وبدم بارد وبتحدٍ ممجوج، يطلب المواجهة على الهواء بجرأة عدو وليس مقدم برامج مهمته الوحيدة هى تقديم المعرفة والتسلية للجماهير. ممارسات الإعلام الرياضى تحتاج إلى التقويم بمدونة سلوك يمكن الاتفاق عليها، بمعرفة رؤساء القنوات الخاصة دون اللجوء إلى وزارة الإعلام التى تبحث عن التعتيم والتقييد والتضييق من بوابة الرياضة، لتعود الشاشات إلى رشدها، ويغطى الجمهور عورة برامجها. تذكروا «أنكيدو» حتى لا تنتهوا إلى نهايته وتفقدوا فضيلتكم بحديث المصاطب الرياضية على النايل سات، وتوجهوا بالريموت كونترول إلى شقيق سورى يمتع الملايين يوميا على فضائية عربية بحديث محترم لا يخرج عن السياق، خال من التعصب و«كوليسترول» فضائياتنا، فخلق لنفسه الشعبية وقبلها التقدير، إنه «مصطفى الأغا».. تحية له ولكل الإعلاميين المحترمين الذين يخاطبون عقولنا قبل قلوبنا.