بالأمس القريب اجتمعت المجموعة الاقتصادية لإقرار اللمسات النهائية على اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد. المسوّدة المتداولة مازالت تفتقر إلى الضبطين اللغوى والنحوى، ولكنها تغطى بشكل مقبول مختلف الجوانب التنفيذية للقانون. تتطرق إلى آلية عمل مكاتب الاعتماد، وإصدار الشهادات والتراخيص، ومحفزات الاستثمار، وخرائطه التى يتم تحديثها بصفة دورية للتواكب مع متطلبات التنمية المستدامة. تتناول المسئولية المجتمعية للشركات والهيكل التنظيمى للمؤسسات القائمة على دعم وتحفيز الاستثمار، كما تتضمّن فى بابها الخامس والأخير آلية أحسبها أهم من كل ما سبق، وهى آلية الرقابة اللاحقة والحوكمة الرشيدة للإطار العام الذى سوف يحكم الاستثمار تحت مظلة القانون الجديد ولائحته التنفيذية. لا أستبعد أن تظهر عقبات كثيرة عند التطبيق، مرجعها تعدد القرارات الإدارية وتضاربها بالجهات المختلفة المعنية بشأن الاستثمار. الموظف الحكومى الذى لا تربطه أى صلة بالقانون أو حتى بالدستور سوف يكون منشغلاً بتطبيق القرار رقم كذا للسيد رئيس قطاع كذا بالهيئة أو الوزارة التى يعمل بها، فإذا لم يعدّل القرار بسرعة ليتماشى مع القانون الجديد ولائحته التنفيذية فسوف يتوقف الموظّف عن تطبيق القانون تماماً وينتصر للقرار الداخلى والمكاتبة الرسمية التى تكلفه بتصرّف معيّن معرباً للمستثمر عن جهله التام بالقانون دون تردد. الضوابط الرقابية وضوابط إدارة المخاطر المؤسسية للرقابة على تنفيذ القانون ستكون حاسمة فى هذا السياق. أزمة الاستثمار فى مصر دائماً ما كانت أزمة مناخ عام، سياق أمنى وترهّل بيروقراطى مؤسسى، وفساد إدارى، وهى أزمات شديدة الصلة بدور وزارة التخطيط والإصلاح الإدارى أكثر من صلتها بوزارة الاستثمار أو باللجنة التشريعية لمجلس النواب. الاشتباك مع تلك الحقائق هو المخرج الوحيد من عنق الزجاجة، هذا الاشتباك كان ليخرجنا من عثرتنا الاستثمارية حتى فى ظل القانون رقم 8، لكن صدور القانون الجديد بعد أن لخّص الكثيرون أزمة الاقتصاد فى عدم صدوره كان مطلوباً على وجه السرعة لتحقيق الاستقرار التشريعى. الاستقرار التشريعى فى تنظيم الاستثمار وسوق المال لا يقل أهمية عن الاستقرار السياسى والمؤسسى، والإبقاء على التشريع –المعيب نسبياً- لفترة زمنية طويلة أفضل من التغيير المستمر للتشريعات لتواكب أفكار خاصة بقيادات بعينها. فى ظل هذا السياق، توجّست خيفة من تصريح نائب هيئة رقابية مهمة يضطلع مؤقتاً بمهام رئيس الهيئة، أكد فيه أن الهيئة «الرقابية» سوف تهتم بالجانب الرقابى الذى أهملته طويلاً! ولست أعلم شكل الاهتمام المطلوب، وقد كانت الهيئة تجرى باستمرار تعديلات لائحية وتقترح تعديلات تشريعية تساعدها على أداء دورها «الرقابى» طوال سنوات. الشق الترويجى للهيئة الرقابية مهم ومطلوب، لكن الجانب الرقابى هو صلب الاهتمام، وما أخشاه من التركيز على أداء هذا الدور هو الإفراط فى وضع قيود رقابية وتنظيمية تشل حركة السوق. يرى المحللون، أن أبرز نجاحات الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على المستوى الاقتصادى -إن لم يكن نجاحه الوحيد- هو تحفيز وول ستريت بخفض التكاليف الرقابية والتنظيمية التى قدّرها البعض بنحو 890 مليار دولار خلال سنوات حكم الرئيس أوبام، وبالطبع التحفيز الضريبى للشركات كان له أثره فى طفرات سوق الأوراق المالية. التكاليف الرقابية والتنظيمية غير المباشرة كبيرة جداً فى مصر، والقضاء على تلك التكاليف لا يعنى الترخّص أو التساهل فى الجانب الرقابى، لكن يعنى تطوير آليات ذكية تكافئ النزاهة، وتعلى من قيمة الاستثمار المسئول. أنتظر بشغف صدور اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار، لا لأننى أعتقد ان أزمة الاستثمار تكمن فى التشريع، لكن طمعاً فى استقرار الضجيج المحيط بقانون الاستثمار واعتباره مفتاح الخيرات والاستثمارات من داخل البلاد وخارجها، إن استقر هذا الضجيج سيكون ممكناً التشخيص الصحيح لأزمة ضعف الاستثمارات، وسيكون متاحاً إصدار رؤية استثمارية متكاملة تحدد أولويات الاستثمار وتمييز المال المستثمر فى مشروعات صديقة للبيئة وخالقة لفرص العمل ومصدّرة للمنتجات غير الخام والتى تحمل قيمة مضافة. أنتظر تعاوناً جاداً بين وزارتى التخطيط والاستثمار فى مجال الإصلاح المؤسسى الداعم لمناخ الاستثمار، وأراهن على مرور مسودة لائحة القانون على مختلف الأطراف المعنية، وصدورها عن المجموعة الاقتصادية تحقيقاً للشمول والتوافق والعمل المشترك.