انتخابات الشيوخ 2025.. المصريون في اليونان ولبنان وعمان يواصلون الإدلاء بأصواتهم    وصول وحدة التغييز العائمة "إينرجيوس فورس" إلى ميناء العقبة بالأردن    سعر البلطي واللوت اليوم السبت 2 أغسطس في مطروح    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في الانضمام للبرنامج التدريبي المجاني    نائب قائد القوات البرية الإيرانية: قواتنا على أهبة الاستعداد لحماية حدودنا    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    نجم الأرجنتين يعلق على مزاملة ميسي في إنتر ميامي    السيطرة على حريق اندلع ببرج سكني في محافظة السويس    محمد حماقي وليلة غناء مصرية مميزة على المسرح الجنوبي في جرش    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    «التضامن» تقر قيد 3 جمعيات في محافظتي الإسكندرية والمنيا    استشهاد 22 فلسطينيا برصاص الاحتلال الإسرائيلي بأنحاء متفرقة من قطاع غزة    سقطة وخيانة و "فضيحة بجلاجل"    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    تسلا تدفع 200 مليون دولار تعويضات بعد مقتل شاب بسبب القيادة الآلية    الزمالك يتوصل لاتفاق مع عدي الدباغ    موعد مباراة بايرن ميونخ ضد ليون الودية والقنوات الناقلة    وزير الرياضة يشهد تتويج منتخب الناشئين والناشئات ببطولة كأس العالم للاسكواش    توقيع بروتوكول تعاون بين «الجمارك» وغرفة القاهرة التجارية لتيسير الإجراءات    القبض على بلوجر "إنهاء تراخيص المرور" في أكتوبر    الداخلية: سحب 844 رخصة وتحرير 601 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    أجواء غائمة وفرص أمطار تمتد للقاهرة.. حالة الطقس اليوم السبت 2 أغسطس 2025    ننشر أسعار حديد التسليح اليوم 2 أغسطس 2025    القاهرة الإخبارية: حضور لافت للمصريين فى اليونان للتصويت بانتخابات الشيوخ    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    رئيس جامعة المنوفية يصدر 7 قرارات جديدة بتعيين وتجديد تكليف لوكلاء الكليات    55.7 مليون جنيه.. إيرادات فيلم الشاطر بعد 17 ليلة عرض (تفاصيل)    بيت الزكاة والصدقات يبدأ غدا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين بجميع المحافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية لأمانة المراكز الطبية المتخصصة والمستشفيات    مدبولي يتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    «100 يوم صحة» تقدم 26 مليونًا و742 ألف خدمة طبية مجانية خلال 17 يومًا    انتخابات الشيوخ 2025.. توافد لافت ورسائل دعم للدولة المصرية خلال تصويت المصريين بالسعودية    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    الهيئة الوطنية للانتخابات: سفراء مصر بالخارج يدعمون التصويت    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    جنين تم تجميده عام 1994.. ولادة أكبر طفل في العالم    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    أبرزها رفع المعاش واعتماد لائحة الإعانات.. قرارات الجمعية العمومية لاتحاد نقابات المهن الطبية    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    رئيس أركان حرب القوات المسلحة يشهد فعاليات اليوم العلمى ل«الفنية العسكرية»    للرزق قوانين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانهيار أو العبودية‏!
نشر في أخبار مصر يوم 08 - 05 - 2010

عنوان هذا المقال ليس من عندي ولكنه مشتق من تصريحات أدلي بها جورج باباندريو رئيس الوزراء اليوناني‏،‏ واصفا حالة دولته في ظل ما تواجهه من ظروف صعبة‏، بل لا توجد هناك مبالغة عند وصفها بأنها مصيرية‏.‏
وكنت قد كتبت قبل نحو شهرين محذرا مما سميته المصير اليوناني‏، وساعتها ثار علي فريقان‏:‏ مصري‏‏ رأي أنه لا مجال للمقارنة بين الحالتين المصرية واليونانية‏،‏ وفريق يوناني مثلته السفارة اليونانية في القاهرة بكتابة تعليق علي مقالي جاءت فيه قصة التأييد المستمر والمستقر من اليونان شعبا وحكومة للشعب الفلسطيني‏.‏
ونحن بالطبع مصريين وعربا نشكر اليونان علي مساعدتها ومساندتها لقضية العرب الأولي‏،‏ كما أننا لا نضرب المثل اليوناني في الأوضاع الاقتصادية علي سبيل المشابهة،‏ وإنما علي سبيل المقارنة التي تضع في الاعتبار الفارق الكمي والنوعي بين الحالتين‏، فالغرض هو التوضيح واستخلاص الدروس‏، والتعلم من التجربة العالمية في التغيير والتقدم‏.‏
الخلاصة‏ هي أن التغيير هو قانون الحياة الأزلي‏ والجمود والكساد هو عدو هذا القانون‏‏ ولكن التساؤل الكبير الذي يواجه المجتمعات والساسة وصناع الرأي يدور بالأساس حول حجم التغيير وسرعة تحقيقه‏.وكان الدرس اليوناني هو أن السرعة الفائقة في التغيير‏ والرغبة الفائقة في اللحاق بالدول الأوروبية المتقدمة قادتا إلي سياسات اقتصادية خاطئة أدت إلي فقدان التوازن المالي والاقتصادي للدولة‏‏ وسياسات خارجية خاطئة كان فيها الكذب علي المجتمع الدولي عامة والأوروبي خاصة‏.‏ وكانت نتيجة ذلك الوصول إلي تلك الحالة الصعبة من الاختيار المستحيل ما بين‏‏ "الانهيار"‏ الاقتصادي‏‏ أو العبودية لشروط وقواعد من بيدهم القدرة ويرغبون في إنقاذ اليونان‏.‏
ولا يوجد لدينا شك في أن اليونان سوف يتم إنقاذها‏‏ ولن يحدث لها لا الانهيار، ولا العبودية‏ لأن المجتمع الدولي،‏ والأوروبي تعود علي هذه الحالات من قبل في روسيا وفي المكسيك والأرجنتين وغيرها،‏ وكانت هذه الدول تعود مرة أخري بصحة اقتصادية أفضل مما كانت‏،‏ ولكن بعد دفع ثمن باهظ يأخذ أشكالا قاسية من التقشف وربط الأحزمة علي البطون‏.‏ وبالفعل تمكنت اليونان منذ أيام وعقب سلسلة من المفاوضات المطولة من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي والبنك المركزي الأوروبي مقابل الحصول علي حزمة مساعدات مالية لا سابق لها علي المستوي العالمي لإنقاذ البلاد من دوامة الإفلاس،‏ وإن كان يفرض عليها تقديم تضحيات كبيرة‏.‏
كان لدي رئيس الوزراء اليوناني من الشجاعة ما دفعه للتأكيد علي أن حكومته تواجه خيارا ما بين الانهيار أو العبودية‏، وهو ما يفرض عليه اتخاذ إجراءات لتخفيض عجز الموازنة العامة للدولة إلي أقل من‏3%‏ من إجمالي الناتج المحلي بحلول العام 2014، قائلا إن مواجهة خطر الإفلاس باتت خطا أحمر‏‏ ولابد من اتخاذ قرار جريء لإنقاذ البلاد‏،‏ ولابد من معالجته عن طريق التدابير التقشفية حتي تستطيع البلاد الوقوف علي قدميها مجددا‏.‏ ونتيجة تداعيات تلك الأزمة‏‏ أصبحت اليونان أكثر الدول الأوروبية غلاء فيما يتعلق بالمنتجات الاستهلاكية‏.‏ ووفقا لتحليل أجرته إحدي شركات البحث في دول حزام اليورو‏، فقد احتلت اليونان المرتبة الأولي في تكلفة إصلاح الأجهزة المنزلية بزيادة 4.1%‏ علي بلدان الاتحاد الأوروبي الأخري‏،‏ وكذلك في أسعار السكك الحديدية والمواصلات العامة حيث بلغت الأخيرة‏19.2%،‏ وأيضا زيادة في أسعار البنزين بنسبة‏28.3%.‏
مثل هذه الحالة ليست موجودة في مصر‏‏ ومن المؤكد أن الاقتصاد المصري ليس مثل الاقتصاد اليوناني الأكثر تعقيدا وتقدما‏ ولكن ما حدث في مصر هو أنها نجحت خلال العقدين الماضيين‏‏ وبالذات خلال السنوات الخمس الماضية‏ في الحفاظ علي قدر معقول من التوازن المالي والاقتصادي حافظ علي سعر عملتها‏، ومتعها باحتياطيات مالية مطمئنة‏،‏ وكل ذلك عند مستويات من التضخم رغم ارتفاعها يمكن التعامل معها‏.‏ ولكن المدهش أن هناك من يريد تفجير ذلك كله من خلال المطالبة بقفزات كبري في الرواتب، ستؤدي علي الأرجح إلي قفزات أعظم من التضخم‏.‏ ووسط الأعلام والشعارات المرفوعة في المظاهرات علي أبواب مجلس الشعب،‏ التي يؤيدها كثيرون في الصحف والفضائيات التليفزيونية،‏ فإن العين لا تقع علي لافتة أو شعار ينادي بضرورة زيادة الإنتاج أو معدلات الاستثمار حتي يمكن زيادة الأجور مع الحفاظ علي التوازن المالي والاقتصادي للدولة حتي لا تتعرض مصر لذات المصير اليوناني الذي وضع الدولة أمام خيارين أحلاهما مر،‏ فإما الانهيار الاقتصادي‏، وإما العبودية تنفيذا للشروط الخارجية‏.‏
وهنا نصل إلي بيت القصيد كما يقال،‏ فالمعضلة المصرية تختلف عن المسألة اليونانية في أنها تعاني البطء في معدلات التقدم والتغيير اللذين لا يتحققان دون حسبان للأهمية القصوي للزمن‏.‏ وكما هو معروف فإن هدف اليونان‏، ومصر،‏ وكل الدول الأخري حسب النقطة التي تبدأ منها الانطلاق‏،‏ هو السعي لبلوغ حالة يطلق عليها في الأدبيات الاقتصادات الناضجة‏، والكلمة الكودية في هذا الإطار هي التطور السريع والنمو فائق السرعة‏.‏ وفي تقديري فإن أهمية السرعة لإحداث التحولات الاقتصادية تشبه السرعة في مجال اللياقة البدنية للرياضيين‏، فالسرعة هي العامل الأساسي في رفع وتطوير مستوي الرياضي وأدائه‏.‏
والسرعة المقصودة هنا وكما يعرفها المتخصصون هي أداء حركة ذات هدف محدد لأقصي عدد من التكرارات في فترة زمنية قصيرة ومحددة‏،‏ وفي مجال الاقتصاد فإنه يمكن اعتبار أن الحركة المطلوب أداؤها هي معدل النمو‏.‏
وربما يكون من المفيد هنا أيضا أن نحاول الاستفادة مما قال به العالم الشهير أينشتاين حول الوقت‏، وكيف أن الجاذبية تمارس تأثيرا علي الوقت،‏ فتبطئه أو تغير من سريانه‏، وبالطبع فإن نظريات العالم الكبير ليست موضوعنا هنا،‏ إلا أن مقولته الشهيرة إن الوقت نسبي في المجال الاقتصادي،‏ تعني أنه دون إدخال القدر المناسب من السرعة النسبية في عملية التطور المصري فإن الوصول إلي مرتبة الاقتصادات الناضجة لن يتحقق‏، ليس هذا فحسب‏،‏ وإنما سوف تبدأ البلاد في مواجهة توترات اجتماعية سوف تدفعها إلي إجراءات تخل بالتوازن المالي والاقتصادي الذي حققناه وهو ما سوف يأخذنا بدوره ليس فقط إلي الخلف‏، ولكن ربما إلي الاختيارات المستحيلة السابق الإشارة إليها‏.‏
المسألة ببساطة‏‏ هي أن السرعة باتت منطق الأشياء في عالمنا‏‏ وفي الوقت الذي احتاج فيه الراديو إلي‏38‏ عاما لكي يصل إلي‏50‏ مليون مستخدم‏ فإن التليفزيون احتاج‏13‏ عاما لكي يصل إلي نفس الرقم‏ أما الإنترنت فاحتاج إلي أربع سنوات فقط‏وجهاز‏iPod‏ وصل إلي الرقم في ثلاث سنوات،‏ أما موقع الفيس بوك فقد أضاف 100‏ مليون مستخدم جديد له خلال‏9‏ أشهر فقط‏.‏ أما جهاز أي باد‏،‏ فقد أعلنت شركة أبل الأمريكية في 3‏ مايو الحالي أنها باعت مليون جهاز منه في أول‏ 28‏ يوما من طرحه في الأسواق‏،‏ منها 300‏ ألف جهاز يوم إطلاق الجهاز في‏3 أبريل الماضي‏,‏ ونصف مليون وحدة في الأسبوع الأول‏،‏ وأن مستخدمي الجهاز حملوا أكثر من 12‏ مليون برنامج لتطبيقات الجهاز‏ و‏1.5‏ مليون كتاب رقمي‏.‏ ومع أن معظم التوقعات تشير إلي أن وصول الجهاز إلي الأسواق العالمية لن يتم قبل انتهاء الشهر الحالي‏‏ إلا أن هناك ترجيحات بأن تصل المبيعات إلي 5‏ ملايين جهاز في عام 2010.
وانسجاما مع هذا المنظور‏ فإن متوسط السرعة يستخدم للتعبير عن المسافة التي تقطعها الدولة في نموها الاقتصادي‏، خلال فترة زمنية محددة‏.‏ ويعتبر الاقتصاد الصيني‏،‏ علي سبيل المثال‏،‏ نموذجا لقياس أهمية السرعة في وصول الدول إلي مرتبة متقدمة‏.‏
ويتوقع العديد من الخبراء أن يصل حجم الاقتصاد الصيني عام‏ 2040‏ إلي 123‏ تريليون دولار أي ما يقارب ثلاث مرات حجم الاقتصاد العالمي في عام 2000، بينما سيبلغ دخل الفرد في الصين‏85‏ ألف دولار في العام‏،‏ وهو ضعف التوقعات الخاصة بدخل الفرد في الاتحاد الأوروبي وأعلي من دخل الفرد في كل من اليابان والهند‏.‏ وقد صارت المسألة واضحة فيما يتعلق بمعدلات تطور الدول علي مدار التاريخ‏.‏ فقد تضاعف الناتج المحلي الإجمالي لبريطانيا في مدي مائة عام‏، وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة في خمسين عاما‏ وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي لليابان خلال خمسة عشر عاما بعد الحرب العالمية الثانية‏، بينما قدمت دول النمور والفهود الآسيوية نموذجا للوصول إلي ذات الهدف خلال عقد من الزمن‏، ومع بداية القرن الحادي والعشرين تمكنت دول أخري من تحقيق ذلك خلال خمسة أعوام‏.‏
كل ذلك يقطع بإمكانية الحديث عن اقتصاد مصري ناضج بحلول العام 2015‏ خاصة أن هناك درجة عالية من التفاؤل بشأن الاقتصاد المصري‏ إذ أظهر أحد التقارير الصادرة في الشهر الماضي عن جرانت ثورنتون للأعمال 2010‏ إحدي شركات المحاسبة والاستشارات الدولية أن مصر تقع ضمن 25‏ اقتصادا صاعدا هي الأكثر تفاؤلا بوضعها الاقتصادي علي مستوي العالم‏، وتضم هذه القائمة كلا من الصين والهند وماليزيا وروسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وشيلي وفيتنام واستراليا‏.‏ بل إن معدي التقرير توقعوا أن تشهد معدلات النمو خلال العام المقبل في الدول الصاعدة ارتفاعا بنسبة الضعف مقارنة بالاقتصادات الناضجة‏.‏
وقد نتج هذا التوقع بناء علي آراء عينة تزيد علي 7400‏ مدير تنفيذي ومدير عام ورئيس مجلس إدارة وغيرهم من كبار المسئولين في الشركات الخاصة المتوسطة والكبيرة في 36‏ اقتصادا‏.‏ ولكن مثل ذلك لا يتحقق لمجرد التنبؤ أو التوقع،‏ وإنما من خلال عمل جاد وشاق يدفع في اتجاه معدلات أعلي وأسرع للنمو‏.‏ وحتي تتمكن مصر من تحقيق نمو اقتصادي واجتماعي سريع‏،‏ وعلي سبيل الاقتراح،‏ فإن عليها السعي إلي تنفيذ الشروط التي وضعها الاتحاد الأوروبي أمام الدول الراغبة في الانضمام إليه باعتبار ذلك يحدد معايير عالمية سعت إليها وطبقتها دول سبقتنا إلي مجال الدول الناضجة‏، وهناك دول مثلنا تحاول اللحاق بركب التقدم أخذتها نبراسا لها مثل تركيا والمغرب‏.‏
هذه الشروط أو المعايير التي تم إقرارها في قمة كوبنهاجن في يونيو 1993‏ تتعلق بثلاثة مجالات‏:‏ الأول سياسي‏،‏ يتمثل في ضرورة تمتع الدول المرشحة للعضوية بمؤسسات مستقلة تقر الديمقراطية وتحترم حقوق الإنسان وحقوق الأقليات ويسود فيها القانون‏.‏ والثاني اقتصادي‏، يقوم علي ضرورة وجود نظام اقتصادي فعال يعتمد علي اقتصاد السوق وقادر علي التعامل مع المنافسة الموجودة ضمن الاتحاد‏.‏ والثالث قانوني تشريعي‏،‏ يتصل بضرورة قيام الدولة المرشحة للعضوية بتعديل تشريعاتها وقوانينها بما يتناسب مع التشريعات والقوانين الأوروبية التي تم وضعها وتبنيها منذ تأسيس الاتحاد‏.‏
هنا‏ وكما هو واضح فإن السياسي ليس منفصلا عن الاقتصادي أو القانوني والتشريعي‏، والتقدم في كل الأحوال هو حزمة متكاملة من الإجراءات التي يكمل بعضها البعض‏، والأهم أنها تعطي انطباعا عالميا بجدية الدولة في السير في طريق الإصلاح والتغيير والنضوج‏،‏ والخروج من العالم غير الطبيعي والاستثنائي إلي عالم القانون والشرعية‏.‏ وعندما طالبت في هذا المكان‏، وفي أماكن أخري‏، بضرورة صدور قانون مكافحة الإرهاب ومن ثم إنهاء حالة الطوارئ في مصر،‏ لم يكن ذلك تقليلا من خطورة حالة الإرهاب في العالم التي كان آخر إرهاصاتها محاولة تفجير ميدان ماديسون في مدينة نيويورك‏،‏ وإنما سعي برغم ذلك إلي توفير كل الشروط الممكنة لكي تظل عملية التنمية في مصر سائرة بالسرعة الواجبة بل تسريعها أكثر مما هي عليه بعد أن تباطأت بفعل الأزمة العالمية خلال العامين الماضيين‏.‏
والحقيقة،‏ أنني مدرك تماما للحجج التي يثيرها المطالبون باستمرار حالة الطوارئ‏,‏ فما هو متاح من المعلومات عن الحالة الإرهابية في العالم والمنطقة ومحاولات اختراق الحدود المصرية بوسائل شتي‏، كلها تدفع في اتجاه الحذر والأخذ بالأحوط بالإبقاء علي حالة الطوارئ حتي لو في صورة مخففة‏.‏ وللأسف فإنه لم تتح لي فرصة تلبية الدعوة الكريمة للقاء الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء مع الزملاء من رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير بالصحف القومية حيث تمت مناقشة الموضوع‏.‏ ولو كنت هناك لآثرت قضية أن بقاء حالة الطوارئ مهما جري التخفيف منها سوف يظل في نظر العالم كما يقال أيضا وانا أدرك أنها ليست الحقيقة نوعا من الأحكام العرفية،‏ فالتعبير المفضل للإعلاميين في العالم،‏ والمعارضة المصرية في الخارج هو الأحكام العسكرية MarshalLaw.‏
ورغم أنه فيما يخص أمن مصر،‏ فإن ما يطلق من ألقاب وأسماء لا يهمنا كثيرا،‏ إلا أن وجهة النظر التي نطرحها لا تخص الاستثمارات الخارجية رغم أهميتها البالغة فقط‏ وإنما قد تؤثر علي شرعية النظام السياسي في الداخل والخارج وقدرته علي اتخاذ قرارات صعبة تخص التوازن المالي والاقتصادي للدولة‏.‏ ومن جانب آخر فإن قانون مكافحة الإرهاب سوف يتكفل،‏ كما هي الحال،‏ في الدول الناضجة اقتصاديا وسياسيا‏،‏ بإعطاء السلطات ما يكفي من الشرعية والقانون لحماية أمن البلاد‏.‏
هل هناك داع لطرح ما يمس الانتخابات العامة من عوار نتيجة إجرائها في ظل هذا القانون مهما كان واضحا أنه لا توجد علاقة مباشرة بين القانون والعملية الانتخابية من أولها إلي آخرها؟‏.‏ وهل هناك حاجة لشرح التأثيرات السلبية للقانون علي الحوار العام في مصر فيما يخص قضاياها الأساسية في الداخل والخارج حيث يبدو وكأنه وسيلة الحكومة للحكم وليس شرعية إنجازاتها وأغلبيتها البرلمانية؟ وهل هناك ما يدعو إلي التأكيد علي أنه يجب ألا أن تولد أجيال أخري من المصريين في ظل قانون يؤكد علي حالة استثنائية وغير طبيعية؟‏.‏ كل هذه الأسئلة‏،‏ وغيرها مما يماثلها،‏ تحمل إجاباتها في داخلها،‏ وهي كلها تقف وراء الحوار الخصب الدائر داخل الحزب الوطني الديمقراطي الذي يكاد يمثل مرآة لمصر كلها وما يدور فيها من نقاش‏.‏
لقد آن الأوان للانطلاق السياسي والاقتصادي‏،‏ وإذا كان العالم قد بدأ في الخروج من أزمته الاقتصادية‏،‏ فإن علينا ليس فقط أن نستعيد معدلات النمو السابقة‏،‏ ولكن علينا أن نتعداها إلي مستويات أعلي وأرقي تؤهلنا للتحليق في رحاب الاقتصادات الناضجة‏.
* نقلاً عن صحيفة الاهرام المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.