قدم أحد المحللين الأميركيين تفسيره لحالة الجمود الراهنة في عملية السلام بقوله إن السلام قد تحول عند الإسرائيليين من ضرورة إلى هواية في وقت تحول لدى الأميركيين من هواية إلى مسألة أمن قومي. المقصود هنا بمصطلح "الهواية" هو أن السلام أصبح ترفاً بالنسبة لإسرائيل بعد أن انتفت الحاجة إليه لتحقيق الأمن خصوصاً بعد أن أدى بناء الجدار العازل في الضفة الغربية إلى منع تسلل السيارات المفخخة إلى داخل المدن الإسرائيلية، وبعد أن أدى الاعتماد على وسائل الرقابة المتقدمة تكنولوجياً إلى منع الفدائيين من تنفيذ عملياتهم. أما المقصود بالضرورة على الجانب الأميركي، فيمكن العثور عليه في تصريح قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، والذي أوضح فيه أن التوتر المستمر بين اسرائيل والفلسطينيين يؤجج مشاعر العداء للولايات المتحدة في العراق وأفغانستان وباكستان. الشق المتعلق بإسرائيل في التفسير السابق يحتاج إلى تأمل. ذلك أن هذا التصور يصرف النظر عن طبيعة الحكومة "اليمينية" المتطرفة ذات الأطماع التوسعية المبنية على مواقف مرتبطة بالمعتقدات والأيديولوجية الجامعة للأحزاب "اليمينية". مازلنا نذكر أن حكومة "اليمين" بقيادة نتنياهو، والتي جاءت إلى الحكم عام 1996، جاهرت بأطماعها التوسعية آنذاك سواء في الحملة التي شنها نتنياهو قبل الانتخابات على سياسة حكومة حزب "العمل" بقيادة "رابين" لتوقيع اتفاقية أوسلو أو في التسويف في إجراء مفاوضات الوضع النهائي. آنذاك لم يكن هناك جدار عازل وكانت السيارات المفخخة تنفجر تباعاً داخل المدن الاسرائيلية. ما أعنيه هنا بتذكر ذلك الواقع هو القول إن التوجه لرفض الفكرة المؤسسة على مقايضة الأرض المحتلة في الضفة بالسلام، هو موقف ثابت ومطرد لدى معسكر "اليمين" سواء كانت أطماعه محمية بالجدار ووسائل الرقابة الحديثة أم لا. إيضاح هذه المسألة البديهية يبدو ضرورياً هذه الأيام التي تتزايد فيها ضغوط "اللوبي" اليهودي الأميركي على إدارة أوباما لوقف ضغوطه على حكومة "اليمين" لدفعها إلى إجراءات بناء ثقة لا تريدها من أجل استئناف مفاوضات لاتريدها هي الأخرى في حقيقة الأمر. أعتقد أن محاولة طمس الفروق بين رؤية معسكر "اليمين" لعملية السلام وبين رؤية معسكر "اليسار" والوسط الذي ضعف داخل اسرائيل خلال الانتخابات الأخيرة، هي محاولة متعمدة من جانب اللوبي المؤيد لرؤية "اليمين". بعبارة أخرى إن حملة "اللوبي" اليهودي المؤيد ل"اليمين" الإسرائيلي تستهدف قطع الطريق على فكرة المراهنة على انهيار حكومة نتنياهو بتشكيلها الحالي ومجيء حكومة "يسار" ووسط بقيادة حزبي "كاديما" و"العمل". فلننظر مثلاً في الرسالة التي وقعها 76 عضواً في مجلس الشيوخ أخيراً، والتي طالبوا فيها الإدارة الأميركية بالحذر من أن تؤثر الخلافات في وجهات النظر بين حكومة نتنياهو والإدارة على المصالح المشتركة للبلدين. هذه الرسالة تتضافر مع تفسير "هواية السلام"، ومع الرسالة المفتوحة التي وجهها "دون لاودر" رئيس المؤتمر اليهودي العالمي إلى أوباما. إنها جميعاً رسائل تحاول وقف محاولات الضغط من أجل السلام وصرف النظر عن وجود معسكر سياسي آخر أكثر اعتدالاً في إسرائيل. يقول رئيس المؤتمر اليهودي إن يهود العالم قلقون من التدهور الدرامي في العلاقات الدبلوماسية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل خصوصاً بسبب اتهام الإدارة لحكومة إسرائيل بالمسؤولية من عدم تقدم المفاوضات. أتمنى أن أرى رسالة مفتوحة في كبريات الصحف الأميركية بيد شخصية عربية تكشف عن الفروق بين معسكري "اليمين" و"اليسار" في إسرائيل لتحبط عملية التعميم، التي يمارسها اللوبي المؤيد لليمين لتشويه الإدراك الأميركي للحقيقة التي تفيد أن السلام هواية أو ترف في منظور "اليمين" في كل الأوقات. *نقلا عن صحيفة الاتحاد الاماراتية