من غير المعقول ألا يعرف أحفاد الفراعنة.. لغة أجدادهم التي سجلوا بها علي جدران المعابد والأهرامات قصة أعظم حضارة في التاريخ! إن لغة الأجداد هي جزء مهم من ثقافة الطفل المصري لكي يعرف أن أجداده الفراعنة حكموا العالم كله لأكثر من ثلاثة آلاف عام. وكان سبيلهم إلي ذلك ترسيخ واعتناق مبادئ الحق والعدل والنظام. وكانت مصر أقوي دولة تملك أعظم حضارة دون أن تمتلك قنبلة ذرية أو سلاحاً بيولوجياً فتاكاً. وكانت الشخصية المصرية المرتبطة بحب الأرض المصرية والفخر بمصريتها هي السبيل إلي بناء حضارة عظيمة.. لو لم ندرك ولو لم نعلم ابناءنا انه لا فرق بين مصري وآخر سواء كان مسلماً أو قبطياً أو يهودياً. واننا جميعاً أبناء هذه الارض فلن نستطيع ان نبني مستقبلاً. ولن نستطيع أن نكسب احترام العالم لنا. إن التعصب الديني هو بداية النهاية لكل أمة ودولة.. ولا تكفي الكلمات الرنانة والشعارات الجوفاء لمعالجة اخطاء وتراكمات عشرات السنين وإنما السبيل إلي ذلك هو تغيير مفهوم التربية في الاسرة المصرية وفي المدرسة المصرية. ولن أذكر هنا اهمية الرجوع إلي أسلوب غربي أو شرقي في التربية وإنما تعالوا نري كيف كان المصري القديم يربي أبناءه وقد وصلت إلينا برديات وحكم ونصائح من حكماء لأبنائهم.. وكلها تركز علي مفاهيم أصيلة لابد من اتباعها لبناء أي أمة. وكان المفهوم الأول هو زرع الاحترام داخل الابناء فليحترم الصغير الكبير في الشارع وفي المنزل وفي أي مكان.. وكان للمائدة سلوك يعلم للأبناء فلا يمد الابن يده إلي الطعام قبل الكبير ولا ينظر إلي طبق من يجاوره. ولا يطلب طعاماً بعيداً عن يده. كذلك كانوا يعلمونهم فضل الأم ومكانتها ويذكرون ابناؤهم بأنها هي من حملتهم أجنة ثم أطفالاً علي صدرها ثم تلاميذ علي كتفها توصلهم إلي مدارسهم وتنتظرهم بالطعام لتعود بهم إلي المنزل مرة اخري. كانوا يعلمون أبناءهم ان العمل هو من يحقق للإنسان شخصيته وذاته. وان علي الابن الا يطمع في منصب ابيه وانما يتعدي مناصب أعلي بالعمل والكفاح وليبدأ من المحطة التي توقف عندها أبوه.. ولذلك نجد أبناءً وصلوا إلي مرتبة الوزارة التي لم يصلها أباؤهم أو أجدادهم مثل عائلة "سشم نفر" الشهيرة في الدولة القديمة. كانوا يعلمون أبناءهم العطف علي الأرامل ورعاية اليتيم والوقوف بجانب الحق.. تعالوا نسمع معاً ما تركه أحد حكام الأقاليم علي جدران مقبرته حيث يقول: "لقد حافظت علي مال الأرملة وأبنائها. وأطعمت الجائع. وكسيت العريان. حتي أصبحت الذئاب لا تهاجم الشاة الشاردة. فالكل كان يجد طعامه". ومن بين كل ما عثر عليه من أساليب في التربية والتعليم في مصر القديمة لا يوجد نص واحد يشير إلي شيء من التعصب الديني هذا في بلد كان يعبد آلهة مختلفة وأرباباً متعددة وكان لكل اقليم بل لكل قرية إله ورب يحميها.. كان الإيمان بالإله لا يثني عن العمل وحفظ النظام الذي يساند الحق والعدل أو ما أسماه المصري القديم بقانون "ماعت". والحقيقة أن الطفل المصري الآن لا يقرأ عن مصر الفرعونية سوي عن الحروب التي خاضها الفراعنة وغيرها من الأحداث التي لا تترك اثرا داخله. وهو غير ملام علي ذلك فلم يجد من يطلعه علي أسرار بناء الأهرامات ونحت التماثيل الضخمة ونقلها ونصب المسلات ونقش المقابر الجميلة المنحوتة داخل الصخر. إن اطفالنا ظمأي يريدون ان يعرفوا كل شيء عن تاريخهم الفرعوني.. والدليل علي ذلك هذه الآلاف من الاطفال من مختلف الأعمار الذين سهروا أمام شاشات التليفزيون يشاهدون الإنسان الآلي وهو يمشي في دهاليز وأنفاق الهرم الأكبر ليكتشف أسرارهم.. ولايزال الاطفال حتي الان في كل مكان يذكرونني بهذا الحدث في كل مكان ألقاهم فيه. أتمني أن نتعاون مع وزارة التربية والتعليم وأن يسمحوا لنا بوضع منهج خاص لتعليم الحضارة المصرية في عصورها المختلفة سواء فرعونية أو مسيحية أو إسلامية لأبنائنا التلاميذ.. ونحن نقوم الآن بوضع برامج تثقيفية مهمة لتنمية الطفل وعندنا الآن مدرسة المتحف المصري الدائمة لتعليم الطفل حضارته وتاريخه..تخرج فيها أطفال اصبحوا علي دراية وحب لبلدهم وحضارته.. وهناك مدرسة المتحف القبطي والتجربة مستمرة في متاحفنا الاخري في كل محافظات مصر ونشجع الاطفال من ذوي المواهب الخاصة علي عرض انتاجهم من التماثيل واللوحات الفنية. وهناك مسابقة "الفرعون الذهبي". وكذلك مسابقة "النحت علي الرمال". واعتقد ان أهم قرار لكي نستطيع ان نزرع عشق مصر داخل ابنائنا. هو ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم والتي يقودها الان الصديق الدكتور أحمد زكي بدر بتغيير جوهري في المقررات الدراسية.. وان يكون هذا التغيير بهدف ان يفتخر الطفل المصري بأصوله المصرية التي بنت المعبد والكنيسة والمسجد.. حضارة واحدة وجنساً واحداً وهوية واحدة. اتمني ان اري مدرسي مادة الفنون يعلمون الطفل المصري جوهر الفن المصري القديم وجمال النقوش الهيروغليفية والرسومات ويعلمونهم كيف يكتبون اسماءهم وأسماء أبائهم وأمهاتهم بأحرف هيروغليفية. وهو أمر سهل يتعلمه الطفل في عدة ايام بعدها يصير علي معرفة جيدة بأجرومية اللغة المصرية القديمة. نحتاج إلي أن نتعاون معاً فلا ترسل أي مدرسة مصرية تلاميذها إلي أي موقع أثري قبل ان يرافقهم احد الاثريين المتخصصين في الشرح وتوصيل المعلومة إلي مختلف الأعمار وعندنا في المجلس الاعلي للآثار هذه الطاقات.. نحتاج إلي برامج وأفلام تسجيلية عن الآثار وغموض أسرار الفراعنة وجمال الحقبة الاسلامية والفن الإسلامي ومبادئه السامية التي لا تتعارض ولا تختلف عن مبادئ المسيح.. الحب.. التسامح.. الرضا.. إن قناة الناشيونال جيوجرافيك التي تبث باللغة العربية من أبو ظبي قد اصبح لها مشاهدون من الاطفال ومن مختلف الاعمار.. الهيروغليفية هي طريق ووسيلة لكي تجعل اطفالنا يحبون بلدهم ويشعرون بالفخر لأنهم ولدوا مصريين.. ومصر تستحق منا الكثير فقط لو علمنا عن حقيقية مكانتها. وسط الامم. نقلاً عن جريدة الجمهورية المصرية