كأنه كتب علي شعوب منطقتنا العربية ان تموت بواسطة الاسلحة الفاسدة التي تبيعها لنا دول الغرب وماحدث في 84 للجنود المصريين اثناء حرب فلسطين يتكرر الآن بحذافيره تقريباً مع العديد من مواطني البلدان العربية وعلي رأسها العراق ومعها افغانستان. فضيحة صفقة الموت تفجرت في نهاية الاسبوع الماضي حين كشف برنامج الاخبار المسائية في الإذاعة البريطانية عن فساد وزيف أجهزة بريطانية من انتاج شركة اية تي اس سي تم تسويقها للعالم العربي علي أنها اجهزة كاشفة للمتفجرات واشترتها عشرين دولة من دول الشرق الاوسط منها العراق وافغانستان وباكستان ولبنان والاردن وبقية الدول التي تعاني من تفجيرات ارهابية تؤدي للقتل الجماعي مثل تايلاند واظهرت اختبارات معامل الكمبيوتر التابعة لجامعة كامبريدچ أن هذه الاجهزة لا تعدو أن تكون ادوات تستخدم لتلافي السرقات في المحلات الكبري وان قيمة الواحد منها لا تزيد علي بنسين أو ثلاثة. كما كشف خبراء الاسلحة ان هذا الجهاز واسمه ايه دي إي 156 وهو جهاز محمول يحتوي علي هوائي متحرك ينصب بواسطة مقبض يدوي ان بطاقة الكشف المبرمجة في الجهاز والتي يفترض منها الكشف عن المتفجرات لا تحتوي سوي علي نمط القطعة المستخدمة في مكافحة السرقات وليس به ذاكرة رقمية ولا معالج صغير ولا يمكن تخزين المعلومات به. وكانت الشكوك قد احاطت بهذا الجهاز بعد موجتي التفجيرات الاخيرتين اللتين شهدتهما العراق في اكتوبر الماضي والتي اودت الاولي منهما بحياة 051 شخصاً وجاءت الثانية لتودي بحياة 021 شخصا بعدها بشهرين، مما أثبت فشل هذه الاجهزة في الكشف عن المتفجرات وتلافي هذه المآسي الجماعية. ومع ان الحكومة البريطانية اصدرت قراراً في نهاية الاسبوع الماضي بحظر تصدير هذه الاجهزة الي كل من العراق وافغانستان فقط وألقت القبض علي مدير الشركة المنتجة وهو ضابط سابق بالشرطة البريطانية وافرجت عنه بكفالة ومن المتوقع حظر تصدير الاجهزة المماثلة خلال الاسبوع الجاري إلا أن هذه الاجراءات اثارت من الغضب والاستياء أكثر مما طمأنت النفوس. فقد تفجرت التساؤلات: لماذا لم تتخذ الحكومة البريطانية اجراءات مبكرة خاصة أن القلق من هذا الجهاز ظهر منذ نوفمبر الماضي حين كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ان القوات الامريكية اكتشفت عدم فائدة الجهاز وقالت الصحيفة آنذاك ان الحكومة العراقية اشترت اكثر من 0051 قطعة بتكلفة تتراوح بين ستة آلاف وستة عشر ألفا وخمسمائة دولار للقطعة الواحدة. ولماذا اكتفت الحكومة البريطانية بحظر بيع الجهاز لافغانستان والعراق فقط وكانت حجتها في ذلك واهية وهي اكتشافها ان هذه الاجهزة تشكل خطرا علي القوات البريطانية والقوات الحليفة الاخري مما اعتبره المراقبون تصرفاً غير أخلاقي وكان ينبغي حظر تصدير الجهاز أساسا. فضيحة أخري تفجرت في بغداد بعد أن كشفت الصحف الغربية ان الحكومة العراقية اشترت 0051 قطعة من هذا الجهاز وأن المسئولين في حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي دفعوا في القطعة الواحدة 54 الف جنيه استرليني بينما لم يتجاوز سعرها في أي مكان آخر 51 الفا فقط من الجنيهات الاسترلينية! وأن اجمالي ما دفعته الحكومة العراقية مقابل هذه الاجهزة يفوق ال 58 مليون دولار! مدير الشركة المنتجة يدافع عن الجهاز فيقول نحن نتعامل مع هؤلاء المتشككين منذ قرابة العشر سنوات واحدي المشكلات التي تواجهنا هي شكله البدائي لذا نعمل علي تطوير طراز جديد منه مزود بوميض ضوئي. وقال انه باع ستة آلاف قطعة من الجهاز لعشرين دولة! المؤسف أن هذا الجهاز الفاسد وجد من يدافع عنه من بين المسئولين العراقيين في بغداد. اولئك المنتفعين وأصحاب المصالح والبزينس ورغم التحقيق الذي قرر نوري المالكي اجراءه إلا أن اجهزة الموت مازالت موجودة وتعمل علي طول نقاط التفتيش في بغداد ولم تصادر. الطريف أن القوات الامريكية العاملة الآن في العراق في ظل انسحاب القوات البريطانية قررت أن تتبرأ من هذه الصفقة وقال قائد القوات الامريكية المشرف علي تدريب الشرطة العراقية في بغداد ان القوات الأمريكية لم تستخدم هذا الجهاز إطلاقاً واضاف: لا أعتقد أن هناك عصا سحرية يمكنها الكشف عن المتفجرات ولو وجدت لكنا استخدمناها! وقد تأكدت الشكوك في فعالية هذا الجهاز الذي لا يمنع الوفيات بل يتسبب فيها بالمئات وقد اظهرت التقارير ان 58٪ من وفيات وخسائر القوات الامريكية وقوات حلف الناتو ناتجه عن قنابل الطرق وحقول الالغام بالعراق وافغانستان. لكن ما يبدو من الاداء الحكومي البريطاني هو ان احداً لا يسأل عن الضحايا من المواطنين في البلدان التي تشتري هذا الجهاز وكل ما يأبهون له هو جنود الاحتلال والقوات الصديقة!.