ماذا يحصل في حزب “الكتائب اللبنانية”؟ وهل يقف الحزب على أعتاب نهضة يقوده اليها توحيد يستقطب من فاته قطار المصالحة التي تمّت في المؤتمر العام السادس والعشرين أو تداعيات جديدة على خلفية المعالجات الحزبية التي تلت اغتيال النائب والوزير بيار أمين الجميل؟ لقد شكّل تغييب الوزير الجميّل على النحو المفجع الذي تمّ ضربة قاسية ل “حزب الكتائب” الذي عاش حالة استنهاض واسعة لقواعده التي باعدت بينها الخلافات والانشقاقات بعد رحيل مؤسّس الحزب في العام 1984. ففي فترة ستة أشهر من توليه جهاز المحافظات والأقاليم أحدث دينامية غير مسبوقة واستطاع أن يضخ دماً شاباً في عروق الكتائب التي أكملت عقدها السابع حيث انتسب اليها ما يربو على الخمسة آلاف عضو أغلبيتهم الساحقة من عنصر الشباب. ولأن حجم الفراغ الذي خلّفه كان كبيراً عمد الحزب الى اتخاذ اجراءات للحدّ من الخسارة الناجمة عن رحيله المبكر ومنها اسناد الجهاز الذي كان يشغله الى صهره ميشال مكتّف الذي كان ملازماً له في كل تحركاته وعلى اتصال بالمجموعات التي تمكن بيار من استقطابها. وذلك على الرغم من الحذر الذي ساد أوساطاً كتائبية بسبب هذا الاجراء الذي يوحي بأن الحزب على طريق التحول الى مؤسسة عائلية. لكن اغتيال النائب والوزير بيار الجميّل طرح اشكالية أخرى داخل العائلة: هل يجوز أن يستمر سامي أمين الجميّل خارج الحزب يدير حركة “لبناننا” التي كوّنها من مجموعة من الشباب الجامعي والتي تنادي بالفيدرالية؟ ولماذا لا يدخل سامي ومجموعته الكتائب فيضطلع بمسؤوليات تتكامل مع تلك التي يتولاها مكتّف من أجل سد الفراغ الكبير الناشئ عن اغتيال شقيقه؟ وقد شكلت في الحزب وبقرار من المكتب السياسي لجنة للتحاور مع الجميل والرئيس السابق للكتائب ايلي كرامه من أجل العودة الى الحزب. ويبدو أن المساعي قد أثمرت وتقرر اسناد مجموعة من الأجهزة والمصالح الكتائبية الى عدد من رفاق سامي الجميّل (الطلاب، الاعلام، الشباب، الكشفية، والثقافة). كما استحدث المكتب السياسي مجلساً جديداً عهد برئاسته الى الجميل وهو مجلس الطلاب والشباب الذي يشرف على كل الأجهزة والمصالح الحزبية التي تعنى بهذين الشأنين. وهكذا أصبحت السيطرة تامة لآل الجميّل على الكتائب بكل مفاصلها. فعلى رأس الهرم الرئيس أمين الجميّل، فيما القاعدة في قبضة مكتّف (المحافظات الأقاليم) وسامي (الطلاب والشباب). ما موقع رئيس الحزب كريم بقرادوني من هذه التطورات؟ قد يكون بقرادوني أكثر المتضررين من غياب بيار الجميّل الذي راهن عليه كثيراً، وكان يتوقع منه نتائج باهرة على صعيد اعادة الحزب الى الصدارة. بل الى أكثر المواقع تقدماً في الوسط المسيحي. وفجيعته باغتيال بيار لا تقلّ عن تلك التي ألمّت بعائلته. وهو سهّل الطريق وعبدها، وساعد على أفضل ما تكون المساعدة من أجل أن ينجح هذا الأخير في مهمته. وهو استطاع أن يقنع فريقه الذي يضم مروحة من الحزبيين المتمرسين المميزين بالتعاون مع بيار الذي كان يصفه ب “الواعد” و”الكاريزمي” و”العملي”. أما اليوم، فإن الأمر مختلف تماماً. فسامي الجميّل لا يكنّ أيّ ودّ لبقرادوني، ولم يتوقّف يوماً عن انتقاد أعضاء المكتب السياسي المحسوبين عليه. وقد بذل الرئيس الجميّل مساقات مكثفة وبارزة في سبيل تذويب جدار الجليد بين رئيس الحزب ونجله، وقد تمكّن بعد جهود مضنية، لكن الله وحده أعلم بما في النفوس والقلوب والنيات. ويبدو أن بقرادوني لم يعد متحمساً للمتابعة في منصبه. ويعتبر أنه قام بما يمليه عليه ضميره الكتائبي لجهة توحيد الحزب، والتأسيس للخروج من حال الشرذمة. وهو يرى أنه من غير المنطقي أن يكون في الكتائب رئيس أعلى ورئيس للحزب. وأن الظروف الاستثنائية التي حتّمت وجود هذه الصيغة المؤقتة قد زالت، والوقت قد حان للعودة الى صيغة الرئيس الواحد للحزب وأن يكون أمين الجميّل هذا الرئيس. والسؤال المطروح: هل يستمر بقرادوني في الحزب؟ هل يخرج منه، أو عليه؟ هل يبقى في نسيجه القيادي أو مجرد عضو عامل شأنه شأن الآلام من رفاقه؟ لا يجيب بقرادوني عن هذا السؤال، بل يؤكد أمرين: أولاً: إصراره على الدعوة الى مؤتمر عام للحزب في ديسمبر2007 لكي تؤول الرئاسة الى أمين الجميل وانهاء الثنائية القائمة في الهرم الحزبي. ثانياً: انصرافه الى الكتابة والبحث وإلى مزاولته مهنة المحاماة. أما ماذا بشأن فريقه، فإن آراء عدة تتجاذبه حول البقاء في المكتب السياسي والمجلس المركزي وسائر الأجهزة الحزبية، أو الخروج نهائياً أو جزئياً. لكن لا قرار واضحاً بعد، والصورة سوف تتضح في الأيام الآتية. ثمة نقطة أخرى، وهي أن الرئيس أمين الجميّل يعمل على استثمار الالتفاف الذي بدر من رفاقه القدماء في انتخابات المتن الفرعية التي جرت في الخامس من اغسطس، من أجل استكمال المصالحة الكتائبية وتفعيل الحزب، فدعا في السادس عشر من الشهر نفسه الى اجتماع في دارته بكفيا ضمّ اليه وإلى بقرادوني النائب والوزير السابق ادمون رزق، رئيسي الحزب السابقين ايلي كرامه ومنير الحاج، عضو المكتب السياسي السابق البروفيسور ابراهيم نجار، مؤرخ الحزب الدكتور جان شرف والاعلامي والكاتب سجعان قزّي. وتركّز البحث حول انضمام هؤلاء الى المؤتمر العام للحزب الذي سيعقد في كانون الأول/ديسمبر ،2007 وتوسيع قاعدة المصالحة. وقد أبدى الجميّل استعداده لأي صيغة تطرح على المؤتمر وتوفّر مواقع للعائدين في سلطة القرار. ووعد رزق بإثارة هذا الموضوع مع رفاقه في “حركة الاصلاح والتصحيح الكتائبية”. وبالفعل، عقدت الحركة اجتماعاً لها يوم الثلاثاء في 21 اغسطس. واستمعت من رزق والحاج الى شرح واف عما دار في اجتماع بكفيا ولم يتم التوصل الى قرار موحد حول كيفية التعاطي مع عرض الجميّل. في أي حال، يبدو أن “حزب الكتائب اللبنانية” هو في حالة مخاض لا يمكن التكهن بمحصلتها. ويتوقف على نتائج ما اذا كان الحزب قادراً على الاحتفاظ بمنسوب الزخم الذي توفر له في انتخابات المتن الفرعية والتي أظهرت أنه يحتفظ بالمركز الأول بين مسيحيي “14 آذار”، من حيث الشعبية والتمثيل. والسؤال: هل ينتصر خيار التوحيد الذي يستوعب الجميع، أو أنه على الكتائب أن تشهد خسارة نخبة من قيادييها وكوادرها على الرغم من “يافطة المصالحة”؟