نقلا عن الاهرام 27/12/07 جامعة القاهرة التي أنشئت عام1908 م باسم الجامعة الأهلية, لتتحول الي الجامعة الحكومية عام1925, ويتغير هذا الاسم الي جامعة فؤاد الأول قبل الثورة, ويتغير هذا المسمي ليصبح جامعة القاهرة بعد الثورة, ما الذي جري لها حتي تعلن بأن ترتيبها أصبح(401) علي مستوي أفضل الجامعات في العالم؟ ما الذي جري لهذه الجامعة العريقة حتي تسبقها.. في المنطقة أشكال تعليمية أو معاهد صغيرة أقيمت منذ أقل من نصف قرن بعد أن تكونت دولها؟ أقول ما الذي جري لهذه الجامعة بعد مائة عام كانت خلالها منارة للعلم, وصرحا للتنوير. لعل لذلك أسبابا تبدأ من اليوم الذي أصبحت فيه الجامعة كتابا ضخما, وحصة إملاء طويلة, وميدانا للصراعات السياسية. يحدث هذا بعد أن كانت مكانا لتلقي العلم, واتساع الأفق, وإعمال العقل, وقبل ذلك التدريب علي التفكير العلمي المنظم, والتزود بالمعارف المختلفة.. وقتئذ أصبح جزءا من اهتمام الجامعة يقتصر علي تفكير الطلاب داخل أطر محدودة, لا تتجاوز صفحات الكتاب الواحد, أو فقرات المذكرة التلغرافية, أو حصة الإملاء الطويلة, وأن ينحصر ناتج ذلك في لون واحد من التفكير هو تفكير أستاذ المادة أو واضع أسئلة الامتحان. وفي المقابل تمثل قراءة مراجع غيره من الأساتذة أقصر طرق الرسوب والإخفاق!! ولذلك لم يكن غريبا أن تتحول بعض كليات الجامعة الي سوق لتوزيع مطبوعات الأساتذة من كتب ومذكرات, سوق لا يعتريه الكساد, أو ينتابه الخمول, فالنجاح فيه مضمون, والربح به منتظر, وبالطبع يرتبط سعر الكتاب أو المذكرة بتضخم المادة غير المجدية التي يضيفها الأستاذ عند الطباعة, ويحذفها عند الدراسة, لتتقلص الي صفحات يحددها الأستاذ تدور حولها أسئلة الامتحان. وهكذا بدلا من أن يتعلم الطالب منهجا صحيحا للبحث والتفكير أصبحت الجامعة في نظره كتابا واحدا, أو مذكرة سريعة, أو حصة إملاء متثائبة. وبعيدا عن تربية أية قدرات إبداعية, أو إمكانات فكرية, تبدو مهمة بعض كليات الجامعة هي تحويل نظرة الطالب للعلم الي كراهية خالصة تنبع من اعتباره طريقا للحصول علي مؤهل عال من بعده يقضي سنوات في البطالة!! ولذلك لا يكاد الطالب يعطي ظهره لسنوات الدراسة حتي يهرول بعيدا عن كل ما يمت للعلم بعلاقة, وإزاء هذا الوضع لا تصبح المواد الجامعية وسيلة للتأثير والتنوير, أو أسلوبا لتقدم المجتمع وتطوره.. لأنها في الأصل قضايا بعيدة كل البعد عن حركة المجتمع. والمرء لا ينسي حتي بعد عشرات السنين بعد التخرج طالب السنة الأولي دراسات قديمة بكلية الآداب وكيف كان يطبع ويبيع مذكرات قواعد ونصوص اللغتين اليونانية واللاتينية, لتعيننا نحن طلاب السنة الثالثة دراسات فلسفية علي النجاح, ومن عجيب الأمور أن ينجح حائزو هذه المذكرات بينما لا يبرح هذا الطالب السنة الأولي التي يظل بها معطيا ظهره للعلم وسنينه حتي يتم فصله. لكن الأعجب ألا تحاسب الكلية أساتذة هاتين المادتين!! وأشد من ذلك عجبا أن يصرخ كبارنا في صغارنا قائلين: أنتم من أنتم جدية البحث العلمي تنقصكم, وكان الأجدر بهؤلاء الكبار أن يبحثوا عن أسباب هذا النقص, ولو بحثوا لوجدوا أن المسئول عنه بعض الأساتذة المأزومين لضغوط الحياة واحباطاتها التي تبدأ من تدني الدخول المادية, وتنتهي بعدم إمكان حرية التفكير. أقول لو بحثوا لوجدوا أيضا أن جانبا من هذه المشكلة يبدو في ابتعاد بعض النابهين من أساتذة الجامعة مختارين الغربة.. خذ مثلا رائد الوجودية العربية الفيلسوف الراحل عبدالرحمن بدوي الذي ترك مصر في بداية الستينيات ليعيش ويحاضر في فرنسا أو عالم جراحة القلب العالمي مجدي يعقوب الذي فضل أن يتمم أبحاثه في جامعات الانجليز, أو العالم الجليل أحمد زويل الذي سافر للولايات المتحدة وحاضر في جامعاتها ونال أكبر تقدير علمي عالمي, وعندما أراد أن يسدد بعض دين مصر عليه واجهته عشرات المشكلات والصعوبات فعاد الي حيث أتي!, هذا الي جانب مئات الأساتذة الذين يعملون بالجامعات العربية. الى مزيد من الاقلام والاراء