مع حلول عيد الأضحى المبارك، لبست المدن والقرى العربية في الأراضي المحتلة عام 1948 حُلّة جديدة وبهيّة استقبالاً للعيد الكبير رغم الظروف المعيشية القاسية والعقبات التي يضعها الاحتلال في وجه فرحتهم. ورغم الظروف الاقتصادية الصعبة، انتشرت الأكشاك التجارية في العديد من المدن والقرى العربية، وتزيَّنت مآذن المساجد بالأضواء الملوَّنة، وحضَّر الجزَّارون أنفسهم لبدء موسم الأضاحي رغم أسعارها المرتفعة. يقول سامي عويسات وهو جزار معروف وصاحب إحدى أكبر الحظائر بمنطقة المثلث في مركز الأراضي المحتلة عام 1948: "أمر طبيعي أن يحجز المواطنون أضاحيهم قبل شهر من حلول العيد، هذا ما يحصل معنا كل عام إذ لا تبقى أضحية واحدة قبل العيد بأسابيع". ويضيف عويسات: " الأزمة الاقتصادية أدت إلى تراجع الطلب على الأضاحي منذ ثلاثة أعوام، والأوضاع المادّيّة لم تعد تسمح لأغلبية المواطنين بذبح الأضاحي ناهيك عن ارتفاع أسعارها". وأشار عويسات إلى أنّ ثمن الأضاحي يرتفع عامًا بعد عامٍ؛ نظراً لقلة مربي المواشي في الداخل الفلسطيني. وتمنع حكومة الاحتلال الإسرائيلي فلسطينيي 48 من تربية المواشي والأغنام دون الحصول على إذن مسبق لهذه العملية التي تحتاج أماكن معدة خصيصاً لها وقطع أرض خاصة وبعيدة عن السكان. غلاء أسعار الأضاحي ومع ازدياد حدة التضييق على الشعب الفلسطيني في الداخل خاصة بما يتعلق بالأرض التي تتعرض للمصادرة، قام العشرات من مربي المواشي بإغلاق حظائرهم واستبدالها ببيوت لأبنائهم الذين لا يملكون قطع أرض للبناء عليها. وأوضح الجزار ومربو المواشي أن ثمن الأضحية (الخراف) يبلغ أكثر من 2200 شيقل، أي ما قيمته 38 شيقلاً للكيلو. وأضاف عويسات "أظن أنه في حال استمرت وتيرة غلاء الأضاحي هذه خلال السنوات القادمة فإننا سنصل إلى اليوم الذي لن يستطيع أحد منا أن يضحي في عيد الأضحى". للضفة وغزة نصيب وتعمل العديد من لجان الإغاثة والزكاة في الداخل الفلسطيني على جمع التبرعات من سكان جميع المناطق المحتلة عام 1948 بغية إيصالها إلى سكان قطاع غزة والضفة الغربية مع حلول عيد الأضحى من كل عام. ويقول مدير عام مؤسسة لجنة الإغاثة القطرية في الداخل الفلسطيني الشيخ علي مصاروة: " مشروع جمع التبرعات ننفذ سنوياً بغية شراء الأضاحي وتوزيعها على المعوزين في قطاع غزة والضفة الغربية". وأوضح مصاروة: "نشتري كل عام 1900 أضحية بقيمة ثلاثة ملايين شيقل .. ندفع أثمان الأضاحي لجزارين من غزة والضفة والذين يعملون على توزيعها على العائلات المستورة هناك"، مشيراً إلى أن الأوضاع المعيشية لم تمنع أهالي48 من التبرع بسخاء. ويعاني أهالي قطاع غزة والضفة الغربية من أوضاع معيشية صعبة والتي تعصف بهم جراء سياسات الاحتلال الإسرائيلي الذي يحاصر غزة ويمنع دخول المواد التموينية إليها منذ أكثر من ثلاث سنوات. تضييق الاحتلال وأوضح في معرض حديثه "للمؤسسة مندوبٌ في كل بلد عربي في الداخل والذي يحث الناس على التبرع لأهالي غزة والصفة ويقوم بجمع الأموال والصدقات من خلال المساجد"، مشيرا إلى أن هذا الأمر يلقى الترحاب من قبل فلسطينيي 48 الذي يشعرون بما يمر به إخوانهم من معاناة". وأشار مصاروة إلى أن الأمر لا يخلو من مضايقات وعقبات يضعها الاحتلال الإسرائيلي في وجه المؤسسات الخيرية حيث يحاول منعهم من جمع الأموال بذرائع مختلفة. وأغلقت حكومة الاحتلال الإسرائيلي العديد من لجان الإغاثة والزكاة في الداخل الفلسطيني خلال السنوات الأخيرة بحجة وصول الأموال إلى تنظيمات فلسطينية وجهات غير معروفة لديه. وتنشط مع حلول كل العيد العديد من لجان الزكاة والمؤسسات الخيرية التي تأخذ دورها في توزيع الزكاة على العائلات المستورة وما أكثرها في الداخل الفلسطيني. لجان الزكاة وتقول الحاجة رقية بيادسة رئيس جمعية الوفاء والأمل النسائية الخيرية في الداخل الفلسطيني "بما أننا ملزمون أمام الله بأن ندعم العائلات الفقيرة، نجمع الأموال من الأهالي عن طريق المساجد وغيرها ونوزعها على العائلات الفقيرة في عيدي الفطر والأضحى". وأكدت بيادسة أن عدد العائلات المستورة في الداخل الفلسطيني تزداد في كل عام ومن عيد إلى عيد، مشيرة إلى أن العشرات من العائلات تطلب الزكاة من لجنتها وغيرها من اللجان الخيرية، التي تلقى قبولاً وتجاوباً كبيراً من الأهالي الذين يتبرعون بالمال والهدايا العينية. وأظهرت نتائج آخر التقارير الاقتصادية في "إسرائيل" أن أكثر من نصف العائلات العربية في الداخل الفلسطيني تعيش تحت خط الفقر. وتنظِّم الحركة الإسلامية بشقيها الشمالي والجنوبي في الأراضي المحتلة عام 1948 حملات خاصة لجمع التبرعات مع حلول عيد الأضحى من كل عام. وتعمل الحركة على جمع لحوم الأضاحي صبيحة يوم العيد وأيامه الأربعة بغية توزيعها على العائلات المستورة التي تتوجها للجان الزكاة. و تحاول العديد من العائلات الفلسطينية في أراضي "48" المحتلة نسيان المأساة والواقع المرير من خلال المشاركة في العديد من المهرجانات الترفيهية التي تنظمها العديد من البلديات والمجالس المحلية في الداخل الفلسطيني مع قدوم العيد. وتنتشر في جميع أنحاء البلاد العديد من الأسواق التجارية التي توفر الملابس الجديدة وألعاب الأطفال الذين لم يدركوا بعد أن أياما وسنين عصيبة بانتظارهم في حال استمر الاحتلال بسياساته الممنهجة لاستهدافهم في ظل غياب الرأي العام العربي والإسلامي وغفلته عن واقع الشعب الفلسطيني في "إسرائيل".