حكايات ومفارقات تاريخية ترتبط بالعيدية من عهد الفاطميين والمماليك أيام الدنانير الذهبية والفضية إلى عصر الموبايل والإنترنت، حيث يتبارى الشباب في تبادل الهدايا الإلكترونية عبر المنتديات والمواقع الاجتماعية مثل "فيس بوك" و"تويتر" من أجل الشعور بالبهجة دون مبالاة بقيمتها النقدية أو قابليتها للصرف. ذهب المعز وسيفه وتمثل العيدية المتداولة في الأعياد عادة قديمة بدأت منذ العصر الفاطمي مع كعك العيد، حيث كان الخليفة المعز لدين الله الفاطمي يمنح أمراء الدولة "سرة من الدنانير" في المناسبات. ويرجع ظهور العيدية كمنحة لموظفي الدواوين الحكومية والوزارات لسياسة "الترغيب والترهيب" التي اتبعها الخليفة المعز لدين الله والمعروفة تاريخياً ب"ذهب المعز وسيفه"، تيمنا بما فعله الخليفة الفاطمي عندما اختلف المصريون على صحة نسبه إلى البيت النبوي، فوقف وسط جموع الشعب في مسجد عمرو بن العاص شاهرا سيفه وقائلا: هذا نسبى، ثم نثر بعض الذهب على رؤوسهم مرددا: هذا حسبي. وقد أثبتت الأحداث التاريخية أن الفاطميين بمصر أحسنوا استخدام ذهب المعز للاستمالة والترغيب أكثر من تطبيقهم سياسة السيف للترهيب، إذ خصصوا لكل مناسبة دينية رسما ماليا توزع معه العيديات النقدية والعينية، ففي عيدي الفطر والأضحى كان الخلفاء يوزعون على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة العيد مقادير مختلفة من الدراهم الذهبية، مع توزيع كسوة العيد على موظفي الدولة، مصحوبة بمبالغ من الدنانيرالذهب تختلف حسب رتبهم الوظيفية. وكانت العيدية تحظى باهتمام أكبر في عيد الأضحى، فقد رصد الفاطميون لرسوم العيدية عام 515ه خلال خلافة الحاكم بأمر الله نحو 3 آلاف و307 دنانير ذهبية. وتم توزيع "ذهب المعز" أيضا كعطايا عندما يذهب الناس إلى قصر الخليفة الفاطمي لتهنئته صباح يوم العيد، إذ كان الخليفة يطل عليهم من شرفة أعلى باب القصر ليفرق عليهم الدراهم الفضية والدنانير الذهبية، وعرفت تلك النقود باسم العيدية نظرا لارتباط الحصول عليها بقدوم العيد حتى حدثت محن في عهد الفاطميين أدت إلى ارتفاع الأسعار وانهيار قيمة العملات عدة مرات، مما دفع الميسورين إلى اكتناز الذهب، وكانت النتيجة أن طردت الدراهم الفضية دنانير الذهب من التعامل اليومي إلى الادخار في قصور الأثرياء. ولم تتوقف الدولة الفاطمية عن منح العيدية إلا في آخر أيامها عندما اضطربت الأحوال الداخلية بسبب الحملات الصليبية على بلاد الشام وأطراف مصر الشرقية، وعلى يد صلاح الدين الأيوبي توقف مؤقتا دور الدولة في صرف العيدية أو الرسوم لأرباب الوظائف المدنية، حينما اكتفت الدولتان الأيوبية والمملوكية بصرفها للجنود من المماليك وبصفة خاصة في عيد الأضحى، ففي العصر المملوكي كان السلطان يقدم راتبا للأمراء والجنود بمناسبة قدوم العيد، وفقا لرتبة كل منهم بحيث يحصل الأقل رتبة على عيدية أقل مما يحصل عليها الأعلى رتبة. وكثيرا ما تعرض بعض سلاطين المماليك لاعتداءات بسبب قلة أو تأخر نفقة العيد، وربما ترتب على تذمر المماليك عزل السلطان عند فشله في إرضاء رغبات مماليكه. واسم العيدية المتداول أيام المماليك "الجامكية" وتنوعت أشكالها، فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية، ولآخرين كدنانير من الفضة، كما اتخذت العيدية صورة الحلويات والمأكولات الشهية والملابس الفاخرة والبالونات والألعاب وغيرها. وكان المسلمون يعتبرون الدنانير والدراهم هي النقود الشرعية، بينما كانوا ينظرون إلى الفلوس النحاسية باعتبارها عملات مساعدة تستخدم فقط لشراء الأشياء البسيطة، نظرا للفارق الكبير بين قيمتيها الاسمية والجوهرية كنحاس رخيص. ولكن قبل منتصف عمر دولة المماليك، اختفت الدراهم الفضية وصارت الفلوس النحاسية هي السائدة في التعامل حتى أن الشخص الذي يقع في يده دينار من الذهب الأحمر، كان - حسبما قال المقريزي - كمن جاءته البشارة بالجنة ويسعد بالعيدية النحاسية.