أستاذ الاقتصاد المساعد اكاديمية السادات تثير مشكلات القطارات, أزمة حقيقية في إدارة مرفق السكك الحديدية, وهو ما يستدعي التفكير في حلول جذرية وغير تقليدية لعلاج مشاكل هذا المرفق المهم وتخفيض حجم المخاطر وتحقيق الجودة, فهل يمكن ان تصبح الخصخصة ملجأ وملاذا للتغلب علي مشكلات السكك الحديدية بعد ان كان ينظر إليها بتخوف وعدم اطمئنان, وبالتالي تتغير وجهة نظر المواطنين, وتطالب بخصخصة السكك الحديدية بعد ان اكتوت بنار الإدارة الحكومية. ويمكن طرح تساؤل مهم ووارد حول مدي امكانية خصخصة السكك الحديدية في مصر لحل المشاكل التي يعاني منها المرفق, حيث ان مكمن المخاطر للمشكلات التي يتعرض لها مرفق السكك الحديدية في مصر يكمن في سوء الإدارة والتخطيط وهي لاتدخل في نطاق القضاء والقدر وانما يمكن تجنبها من خلال التخطيط والإدارة السليمة والحاسمة للمرفق. وتشير تجارب الدول التي حققت تقدما في إدارة المرافق العامة بصفة عامة ومرفق السكك الحديدية بصفة خاصة إلي اللجوء إلي خصخصة مرفق السكك الحديدية للتغلب علي المشكلات العديدة, وقد ادت إلي توافر الأمان وانخفاض الحوادث والانضباط في المواعيد والراحة والمعاملة الحسنة والصيانة المستمرة. ويرجع جزء كبير من المشاكل إلي الاحتكار الطبيعي للمرفق والذي تحتكره الحكومة مما يؤدي إلي تسيب اداري واضح وعدم الاستفادة من اقتصاديات الحجم الكبير التي تتسم بها خدمة السكك الحديدية وعدم الفصل بين الخدمات المتنوعة التي تضمها الخدمة, وينصرف هذا ايضا إلي عدم الربط بين التكاليف والمنافع الحدية للخدمة للوصول إلي الحجم الأمثل لتقديم الخدمة مما يؤدي إلي انخفاض الكفاءة الاقتصادية, سواء التشغيلية أو الفنية, ويلاحظ ان مرفق السكك الحديدية في مصر يستخدمه اعداد مهولة من المواطنين من مختلف الطبقات والفئات العمرية, ويبلغ حجم العاملين بالهيئة أكثر من79 الف عامل وهو ما يوضح مدي ضخامة الخدمة وأهميتها. ان الاستغلال الأمثل للموارد المتاحة وتقديم خدمة عالية الكفاءة في مرفق السكك الحديدية يتطلب الانتقال من سوق الاحتكار الذي تقدم في ظله الخدمة إلي سوق تسوده المنافسة ويحكمه الثواب والعقاب, وذلك من خلال وجود شركات قطاع خاص عديدة تشارك في تقديم نفس الخدمة في ظل تقسيم للخدمات المتنوعة التي تضمها خدمة السكك الحديدية. والاسلوب الأمثل لخصخصة السكة الحديد في مصر لايكمن في بيع السكك الحديدية, وانما يمكن خصخصة السكة الحديد من خلال عقود الامتياز والإدارة والايجار وهي كلها اساليب حققت نجاحا في التجربة المصرية في مرافق عديدة, وخير مثال هو قطاع السياحة والاتصالات, كما حققت الخصخصة من مرفق السكك الحديدية نجاحا كبيرا في دول نامية ومتقدمة, عديدة, وتظهر عقود الامتياز من خلال عقود البناء والتشغيل والتحويل حيث تمنح الحكومة لشركة قطاع خاص حق اقامة خط سكة حديد جديد, أو تحديث خط قائم بالفعل وتتحمل الشركة كل اعباء البناء أو التحديث وذلك مقابل قيام الشركة بتشغيل الخط والحصول علي ايرادات التشغيل لمدة زمنية محددة, ثم بعد ذلك يحول الخط إلي الحكومة لتقوم بإدارته بنفسها أو تبرم عقد جديد مع نفس الشركة أو شركة اخري لإدارة الخط أو تأجيره. كما يمكن تطبيق عقود الإدارة علي الخطوط الحالية للسكك الحديدية من خلال قيام الحكومة بالاتفاق مع شركة قطاع خاص لإدارة خط معين من خطوط السكة الحديد, وتتعهد الشركة بتحقيق اهداف معينة وتحصل علي مبلغ سنوي مقابل عقد الإدارة, وفي حالة عدم تحقيق الأهداف المتفق عليها أو مخالفته لشروط العقد تدفع الشركة غرامة مالية, كما يمكن الغاء العقد, وقد حقق هذا الاسلوب نجاحا كبيرا في الفنادق المصرية, وفي ظل عقود الايجار تقوم الحكومة بتأجير خط لشركة قطاع خاص مقابل مبلغ نقدي ووفقا لشروط معينة وتكون الشركة الخاصة مسئولة عن الصيانة والتأمين للاصول, والجدير بالذكر ان كل هذه الاساليب تجعل نشاط الشركة الخاصة خاضعا دائما لاشراف ورقابة الحكومة للتدخل في اي وضع يمس حقوق المواطنين. ومبررات الخصخصة لمرفق السكة الحديد في مصر تكمن في كفاءة الإدارة الخاصة عن الإدارة العامة, وذلك لاسباب عديدة نظرية وعملية, فمن الناحية النظرية هناك معايير مهمة لتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد وتقديم الخدمة تتوافر أكثر من الإدارة الخاصة مثل معيار المنافسة ومعيار الربحية ومعيار الحوافز والقيود, حيث يؤدي دافع الربح لدي القطاع الخاص في ظل بيئة تنافسية تتسم بوجود حوافز للمجتهد إلي وجود حافز قوي علي تحسين الإدارة وحسن التخطيط, إلي جانب عدم وجود قيود لحساب المتقاعس عن العمل وامكانية الاعتماد علي العمالة الماهرة, ومن الواضح ان هذه الظروف لايمكن ان تتوافر في الإدارة العامة, ولهذا فخصخصة السكة الحديد في مصر يمكن ان تؤدي إلي تقديم خدمة آدمية تتسم بالكفاءة والأمان, وكذلك تخفيض الحوادث التي يتعرض لها المواطنون لان العقاب سيكون جنائيا وصارما للقطاع الخاص, كما تؤدي الخصخصة إلي خفض الاعباء علي الموازنة العامة للدولة. وتشير التجارب الدولية إلي نجاح عمليات الخصخصة للسكك الحديدية في القضاء علي المشاكل التي كانت تواجه المواطنين, وقد حققت بريطانيا نجاحا ملحوظا في نوعية الخدمة والانضباط في مرفق السكك الحددية بعد خصخصته, حيث قدمت الشركات الخاصة خدمات تسويقية وسعرية لم تكن موجودة من قبل وكل من سافر إلي بريطانيا لاحظ الاختلاف في نوعية وانضباط الخطوط عن ذي قبل, وهناك تجارب لدول نامية مثل الارجنتين التي خصخصت السكك الحديدية من خلال عقود الامتياز في بداية التسعينيات وأسفرت عن نتائج ايجابية حيث تحسنت الخدمة بشكل ملحوظ وانخفضت حوادث القطارات, وارتفع عدد المنتفعين بخدمة السكة الحديد بنحو180 مليون راكب, كما انخفض الدعم الحكومي من2 مليار دولار, سنويا إلي اقل من100 مليون دولار ويتوقع ان ينتهي دعم الحكومة الارجنتينية للسكة الحديد خلال السنوات المقبلة ويتحول لتحقيق ارباح. وقد يثار تخوف حول احتمال ارتفاع السعر والرد علي هذا بسيط للغاية وهو يكمن في ان العقود التي تبرمها الحكومة مع الشركة الخاصة لإدارة مرفق السكة الحديد لابد ان يتضمن حدا أقصي للسعر, خاصة علي أسعار الدرجة التي تستخدمها الفئات الدنيا من خلال سياسة التمييز السعري, كما ان تنافسية الشركات علي إدارة خطوط السكة الحديد ستؤدي لانخفاض السعر خاصة اذا تم تقسيم تقديم خدمات المرفق إلي عدة شركات, وكذلك قيام أكثر من شركة بتقديم نفس الخدمة مما يوجد منافسة أوسع وهو ما يؤدي لتخفيض السعر ورفع الجودة. والجدير بالملاحظة ان إيرادات السكك الحديدية هي ايرادات يومية في حين ان معظم مصروفاتها شهرية وسنوية مما يتيح فرصة لإدارة الاموال بصورة اقتصادية تعظم من الارباح وتقلل من التكاليف,ولكن الأهم والاولوية يجب ان تتمثل في توفير الأمان وخفض الحوادث في القطارات فلا يوجد اغلي وأهم من البشر. * نقلاً عن جريدة "الأهرام المصرية