لايوجد وجه شبه بين مقاعد البرلمانات في شتي بقاع الدنيا وبين مدرجات الملاعب الرياضية لمختلف أنواع الرياضات كما لايوجد أي علاقة بين جبهات القتال الغارقة فوق بحار الدماء وبين ساحات الرياضة الغارقة فوق بحار من عرق اللاعبين. مع ذلك زج السياسيون بأنوفهم في أجمل نشاط يمارسه البشر وقديما قالوا إذا دخل ملح السياسة في أي طبخة أفسدها وهذا ماحدث حين عقدت السياسة قرانها علي الرياضة لتكون ثمرة هذه الخطيئة أحداث دامية يود المرء ألا يتذكرها لكن واقع مباراة مصر و الجزائر غدا فرض نفسه علينا لنفتح ذلك الملف لهدف واحد ومصيري وملح وهو: البحث عن مأذون كي يفسخ هذه الزيجة حتي تعود الرياضة وسيلة للمتعة والترفيه والمنافسة الشريفة مهما كانت النتائج. انطلقت فكرة استخدام واستثمار الرياضة كأداة من أدوات تحقيق أهداف السياسة في المنطقة من مصر وبدأ أول ظهور للفكرة في شهر مارس عام1947 في مذكرة بعثها الأمين العام للجامعة العربية( الراحل) عبد الرحمن عزام إلي حكومات الدول الأعضاء اقترح فيها إقامة مسابقات رياضية سنويا بين الأبطال الرياضيين في مختلف الألعاب وفي مذكراته قال عزام إن الرياضة أسمي وأشرف وسيلة لربط شباب الدول العربية وتمكينه من بناء مستقبل للامة بسواعده فالرياضة أحب مايستهوي الشباب ويحليهم بالفضائل وستعين علي تحقيق أهداف الجامعة, إن اجتماع الشباب العرب في صعيد واحد كل عام خير وسيلة فعالة للتعارف والتجاوب والدعوة إلي الوحدة الروحية مايتفق مع نص وروح المادة الثانية من ميثاق جامعة الدول العربية.. السادات بين الرياضة والسياسة لكن المنافسات الرياضية بالنسبة لمصر كان لها منذ1977 نتائج سلبية علي العكس من الغرض الذي استخدمت شعبية المنافسات الرياضية لتحقيقه ففي الأجواء العربية التي صاحبت ولحقت زيارة الرئيس الراحل أنور السادات للقدس في نوفمبر1977 نظمت الجزائر دورةالألعاب الإفريقية في صيف1978 وانهي حكم الساحة في مباراة لكرة القدم بين مصر وليبيا قبل موعدها بعد تسجيل لاعب المنتخب المصري محمود الخواجة هدفا في مرمي ليبيا, حيث تشابك لاعبو الفريقين بالأيدي ودخلت عناصر الأمن الجزائري إلي الملعب واتهم عدد منهم بضرب اللاعبين المصريين. ولم يفلح الشباب العربي في هذه الدورة في تكريس الأهداف التي يتم تنظيم هذه الدورات لتحقيقها أو في تقديم نموذج شعبي للعلاقات بعيدا عن الخلافات بين أنظمة الحكم, العكس هو الذي حدث فقد القت الخلافات والأجواء السياسية المتوترة ظلالها علي اللقاءات العربية المصرية ومنها اللقاء الكروي المصري الليبي نظرا لان هذه المباراة كانت مذاعة علي الهواء مباشرة فقد شاهد المصريون والعرب والعالم هذه الفضيحة. ولم يمر اكثر من ساعة عقب إنهاء المباراة حتي أعلن رئيس الحكومة المصرية السيد ممدوح سالم قرارا بسحب الفرق المصرية المشاركة في الدورة وغيمت سحابة قاتمة علي العلاقات المصرية الجزائرية بسبب تصرف بعض عناصر الأمن وتكفلت الاتحادات الرياضية للعبات بتقديم شكاوي إلي الاتحادات الإفريقية ضد ليبيا والجزائر وسجلت هذه الواقعة أول احتكاك سلبي بين الرياضة والسياسة في العلاقات المصرية العربية خصوصا. وعلي العكس من القرارات العنيفة التي اتخذتها حكومة ممدوح سالم بسحب البعثة الرياضية المصرية من دورة الألعاب الإفريقية في الجزائر لم تتعامل الدوائر الرسمية المصرية بنفس العصبية مع حوادث الاعتداء في استاد مدينة عنابة من قبل بعض المشجعين الجزائريين علي الفريق الوطني المصري لكرة القدم أثناء وبعد مباراته مع نظيره الجزائري في تصفيات كأس العالم2002 التي أقيمت في كوريا الجنوبية واليابان, وحصرت مصر رسميا التعاطي مع هذه الأحداث في إطارها الكروي بأن اكتفت مصر بتقديم الاتحاد المصري لكرة القدم احتجاجا إلي الاتحاد الدولي( الفيفا). توظيف إيجابي : عرفت مصر التوظيف الدبلوماسي للرياضة اتساقا مع الأهداف النبيلة للمنافسات الرياضية خلال التسعينيات, فبعد تولي الرئيس سيد محمد خاتمي الرئاسة في إيران وإطلاقه تصريحات إيجابية تجاه مصر أعرب الرئيس مبارك في لقائه مع شباب الجامعات في الاسكندرية يوم13 أغسطس1997 عن أمل مصر في تحسن العلاقات مع إيران وحرص علي أن يقرن الخطوات السياسية بالحديث عن خطوات في مجال الرياضة معلنا مشاركة مصر لاول مرة في دورة رياضية ستقام في طهران في إشارة إلي نهائيات كأس العالم للشباب للكرة الطائرة. وسافر وفد رياضي مصري إلي طهران حظي باحتفاء واهتمام كأول بعثة رياضية مصرية تزور إيران منذ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين عام1978 وجاءت المشاركة الرياضية المصرية كخطوة ضمن الخطوات المبذولة وقتها لتحسين العلاقات الثنائية بين البلدين. وغدت الرياضة إحدي الأدوات المستخدمة عموما في تطوير العلاقات بين مصر وإيران خصوصا, ففي شهر أغسطس1998 شاركت إيران في بطولة دولية للمصارعة في القاهرة برغم مشاركة إسرائيل وكانت تلك مناسبة, لظهور التجاوب بين رياضي البلدين وللاحتفاء بالفريق المصري للكرة الطائرة في طهران. إسرائيل حالة استثنائية : علي هذا المنحي سارت العلاقات بين الدبلوماسية والرياضة لكن إسرائيل ظلت هي الاستثناء الوحيد من حالات التزاوج فبينما تم توظيف الرياضة ايجابيا مع ايران والسودان ويوجوسلافيا انعكست السياسات الإسرائيلية خصوصا علي صعيد عملية السلام بالسلب علي العلاقات بين القاهرة وتل أبيب في مجالات عديدة منها الرياضة حرصت الدبلوماسية المصرية علي استبعاد الآلية الرياضية حتي لايؤدي استخدامها إلي نتائج غير تلك التي هدفت إلي تحقيقها في الحالات السابقة أو التي تهدف الرياضة الي ترسيخها كون سياسات إسرائيل لا تترك مجالا لامكان تحقيق الأهداف المرجوة وهي بالأساس التقارب بين الشعوب. وقد ظل تنظيم لقاءات بين الفرق الوطنية وفرق الأندية المصرية في مختلف اللعبات وبين نظيرها في إسرائيل أملا يراود الأخيرة وسعت إلي تحقيقه منذ توقيع معاهدة السلام بين الطرفين في مارس1979 إلا أنها فشلت في تحقيقه, وعلي سبيل المثال كرر نادي مكابي تل أبيب دعوته لنادي الزمالك المصري لإقامة مباراة بين فريقي الناديين في كرة القدم سواء في القاهرة أو تل أبيب إلا أن مجلس نادي الزمالك رفض بشدة تضامنا مع الشعب الفلسطيني ورفضا للتطبيع. حالة حرب في الملعب : لكن اللقاء الوحيد بين فريقي الطرفين في كرة اليد جاء نتيجة لخدعة تعرض لها الاتحاد الوطني لكرة اليد ففي شهر فبراير1998 تلقي الاتحاد دعوة من نظيره الأيسلندي للمشاركة في دورة دولية ودية وفوجيء الفريق المصري بعد وصوله بوصول الفريق الاسرائيلي للمشاركة في الدورة وبوضع اللجنة المنظمة له في مجموعة واحدة مع الفريق المصري الذي أبدي امتعاضا من إخفاء اللجنة المنظمة أمر مشاركة الفريق الاسرائيلي عليه. واضطر الفريق الوطني للقاء نظيره الإسرائيلي- عبر اتصالات أجراها رئيس الاتحاد- وقتها الدكتور حسن مصطفي من العاصمة الأيسلندية ريكيافيك- عبر البعثة الدبلوماسية- مع وزارة الخارجية وعدد من المسئولين في القاهرة المعنيين بملف العلاقات مع إسرائيل لكن أعضاء الفريق المصري سجلوا موقفا سياسيا ورفضا مصافحة أعضاء الفريق الاسرائيلي قبل وبعد اللقاء الرياضي( انتهي بفوز الفريق المصري) فضلا عن إبلاغ اللاعبين المصريين نظراءهم الاسرائيلين- خلال أحداث اللقاء- رسالة مفادها انهم يلعبون المباراة مكرهين وتجلي ذلك- كما سجلت عدسات المصورين ووسائل الاعلام- في الخشونة والتجهم اللذين سادا خلال المباراة. ورفع الجانب الاسرائيلي عن كاهل المصريين إعلان فشل اللقاء الرياضي في إمكان تحقيق تطبيع رياضي وتسخين للسلام البارد بين شباب الطرفين الأمر الذي كان يتخوف الجانب المصري منه فقد شن أعضاء الفريق الاسرائيلي والصحافة الاسرائيلية بعد اللقاء حملة ضد خشونة المصريين تضمنت صورا لأعضاء الفريق بالضمادات في أنحاء متفرقة من أجسامهم وانطلقت هذه الحملات لاستغلال أحداث هذه المباراة لتأكيد اتهام مصر بالضغط علي دول عربية لمنع أي خطوات للتطبيع بينها وإسرائيل..! وعبر الرأي العام عن إحساس بالسعادة لقيام اللاعب المصري في المنتخب الوطني أيمن صلاح بتمزيق العلم الاسرائيلي خلال المباراة, وعن تقديره للاعب أحمد العطار الذي كان يصوب الكرة بكل ماأوتي من قوة في وجوه لاعبي الفريق الاسرائيلي؟! وبلغ الحرص مداه لاحقا لدي جميع الاتحادات الرياضية الوطنية وأصبح سؤالها حين دعوتها للمشاركة بفرقها في بطولات تنظمها دول هو ماإذا كانت إسرائيل ستشارك في هذه البطولات؟ لكن الفريق الاسرائيلي لكرة اليد وقع مرة أخري في طريق مصر بسبب تأهله لنهائيات كأس العالم في كرة اليد للشباب التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة في شهر أغسطس1999 ودعت أحزاب معارضة إلي عدم المشاركة في البطولة بسبب مشاركة إسرائيل أسوة بقرار السعودية والبحرين والكويت الانسحاب من هذه البطولة. وبعد طلب الاتحاد المصري لكرة اليد الرأي قرر رئيس الاتحاد المصري الدكتور حسن مصطفي المشاركة خصوصا أن القرعة جنبت منتخب مصر لقاء نظيره الاسرائيلي بوضعهما في مجموعتين منفصلتين فضلا عن أن مستوي منتخب إسرائيل لايؤهله للصعود إلي الأدوار النهائية حتي يلتقي نظيره المصري. قرار شخصي.. ونجحت حكمة القيادتين في مصر والسعودية في تطويق بوادر تراشق إعلامي بين البلدين كادت تؤدي إلي الإضرار بالعلاقات الثنائية بسبب أسلوب بعض وسائل الإعلام والمسئولين في التعامل مع نتيجة مباراة كرة القدم بين المنتخبين الوطنيين للبدلين في بطولة كأس القارات التي استضافتها منها المكسيك خلال شهر يوليو1999 والتي انتهت لمصلحة السعودية بخمسة أهداف مقابل هدف واحد. وكانت بعض الصحف السعودية تناولت المباراة بأسلوب أثار حفيظة الرأي العام والدوائر الشعبية واحتجاجها وطالبت الأخيرة وسائل الإعلام المصرية بالرد فإنه تم احتواء ذلك سريعا تحت عناوين مثيرة منها بخمسة حلوين فرجنا العالم علي المصريين. وبالمقابل التزمت وسائل الإعلام في مصر بعدم الرد علي هذه التعليقات وتجاهلها تماما لعدم استثارة مشاعر الجماهير والدخول في دوامة التراشق الإعلامي التي تضر بالعلاقات الشعبية اساسا. وبدا أن الأمور انتهت عند هذا الحد إلا أن تصريحات نشرتها الصحف المصرية لكل من المدير الفني محمود الجوهري والسيد سمير زاهر رئيس الاتحاد اتهما فيها حكم باراجواي اكينو بأنه أحد أسباب خسارة المنتخب الوطني للمباراة بهذه النتيجة, ألمحا فيها إلي أن أسلوبه في إدارة المباراة يثير الشبهات حول احتمال حصوله علي رشوة من الجانب الآخر السعودي في المباراة مما فجر بوادر أزمة انتهت باستقالتهما. تدخل رسمي : وإزاء ذلك وفضلا عن الغضب الشعبي العام من هزيمة المنتخب الوطني لكرة القدم طلب الرئيس مبارك من حكومته تقريرا عاجلا عن أداء المنتخب وتحديد أسباب الأداء المتدني للفريق والإجراءات التي اتخذت لمعاقبة المقصرين ذلك علي مستوي التعامل مع الحدث, أما علي المستوي الاستراتيجي طلب الرئيس مبارك مراجعة الخطة المستقبلية للنهوض بمستوي كرة القدم في مصر وتصورات الإعداد للمستقبل بما في ذلك خطط إعداد الفريق لخوض البطولات التالية. وفي أول مناسبة لقاء مع الرياضيين حاصلي كأس العالم العسكرية لكرة القدم والفائزين بميداليات في فعاليات بطولة العالم العسكرية نبه الرئيس مبارك في كلمته في اللقاء إلي أن الرياضة مكسب وخسارة والأخيرة لا يجب أن تعني الانهيار بل يجب أن يتبعها النظر إلي الأخطاء للفوز في المرات التالية ولتحقيق المكسب يجب الاستعداد الجيد والتسلح بالإصرار عندئذ تتحقق نتائج ممتازة, وليس شرطا أن تحقق الفرق الفوز بالذهب.