“لا ينقصهم سوى معاوية”، بهذه العبارة تندر الصحافيون وهم يتابعون مناقشات الشخصيات التي تواصل الاجتماعات لتشكيل حزب السلطة الجديد في موريتانيا. وتجمع تحليلات الصحف الموريتانية على أنه سيكون نسخة طبق الأصل من حزب ولد الطايع، فقد تشكل الحزب الجمهوري (الحاكم سابقا) على أنقاض تنظيم “هياكل تهذيب الجماهير” التنظيم السياسي الذي أصبح مطرقة أمنية بيد حكام اللجان العسكرية التي تعاقبت على حكم موريتانيا طوال الثمانينات، قبل أن يحافظ على ذلك الدور ويضيف إليه أدوارا أخرى في ظل الفترة “الديمقراطية” من حكم ولد الطايع. يتألف حزب السلطة الجديد من شخصيات وقادة ومسؤولين سابقين في الحزب الجمهوري انتظموا قبيل الانتخابات الأخيرة وراء عنوان “تجمع المستقلين” الذي يملك الأغلبية البرلمانية، وكذلك شخصيات من مختلف أطياف الأغلبية الرئاسية في عهد ولد الطايع. إنه الحزب الجمهوري بالشخصيات والأسماء نفسها والأسلوب نفسه وحتى أرقام الهواتف نفسها، مهمته في الفترة الراهنة كما تصورها مراقبون تأمين خط دفاع سياسي متقدم عن سياسات النظام الجديد في ظل أوضاع متنامية ومتفجرة في اتجاه سلبي، بدءا من نقص الخدمات وانتهاء بفتح ملفات حساسة مثل تسوية مشكلة المهجرين الأفارقة إلى السنغال ومالي، وتسوية الملفات العدلية المتعلقة بحقوق الإنسان ومحاربة الرق. وفي غضون أربع سنوات مقبلة سيكون على الحزب الرئاسي الجديد العمل بكثافة على امتصاص النقمة المتزايدة من تدهور الأوضاع الاجتماعية وصعوبة الوضع المعاشي في موريتانيا. وبهذه الطريقة يأمل منظرو الحزب إبقاء صورة ناصعة للرئيس المنتخب سيدي ولد الشيخ عبدالله، حتى لا يذهب الواقع بتعقيداته ومشكلاته ب”النور الذي كان في وجهه” إبان الحملة الرئاسية الماضية. في هذه الأثناء، سيمكن الحزب الجديد الطبقة “السوسيو مالية”، و”المافيو عسكرية” من البقاء متمتعة بصلاحياتها ونفوذها في السيطرة على مكاسبها التي حققتها منذ العقود الأربعة الماضية من عمر الدولة. وستحافظ السلطة عبر آلية حزبها الجديد على البقاء معلقة مثل بندول الساعة في الساحة الإقليمية من دون المساس بالإطار السياسي لجغرافيا المنطقة الحساسة بصراعاتها الانفصالية في الجوار. لكن السؤال الذي يشغل بال الرأي العام الموريتاني هو من سيرث هذا الحزب بعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي؟ لا يخفي قادة بارزون في المعارضة الموريتانية أن هذا السؤال يؤرق حقيقة قادة المعارضة الموريتانية. ويقولون إن سر المخاوف في هذا المجال يعود إلى الخوف من مخطط للالتفاف على التجربة الديمقراطية الوليدة في البلاد، كما حدث مع التجربتين السنغالية والمالية في الجوار. فقد بات من الواضح أن الدولتين، بعد تجربة مشابهة للتجربة الموريتانية، أصبحتا محكومتين بنظام الحزب الواحد على أرض الواقع، فيما لم تجد التشكيلات السياسية الأخرى مكانا يمكنها من لعب دور مثر للساحة أو مؤثر في القرار التنموي. لم تقطع التجربة الديمقراطية الموريتانية الوليدة “حبلها السري العسكري” بعد، ذلك ما تجمع عليه ندوات ومناقشات، تشغل بال الموريتانيين كل أسبوع في مختلف فنادق نواكشوط. ويقول قيادي في الحزب الجمهوري “نحن حقيقة لا نعرف من سيرثنا بعد أربع سنوات”. هل هو الرئيس ولد الشيخ عبدالله الذي بدأ يشاع أنه يسعى لولاية ثانية، أم أنه رئيس الوزراء الزين ولد زيدان الذي قال إن من أسباب مساندته لولد الشيخ عبد الله في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية أنه لمس منه عدم نيته الترشح مرة أخرى للرئاسة. لا شك أن حزب السلطة الجديد في موريتانيا سيعاني صراعا مريرا قبيل الانتخابات المقبلة، بين ثلاثة أجنحة رئيسية، هي جناح رئيس الوزراء الحالي الزين ولد زيدان، الذي لا يخفي أبدا طموحه للرئاسة، ولم يقبل بكرسي رئاسة الوزراء إلا ليكون استراحة محارب نحو كرسي الرئاسة، كما يقال في مختلف الأوساط، وبين الجناح الذي لا يزال ولاؤه قائما لولد الطايع، والجناح الأقوى الذي يدين بالولاء لحكام المرحلة الانتقالية. هو جدل لا يشغل الموريتانيين الذين يقرأون غيبهم في تشكيلات الحزب الجديد، بل هو أيضا مثار اهتمام الهيئات الدبلوماسية في نواكشوط التي تحاول رصد ما ستنتج عنه كل هذه الجلبة في صفوف الأغلبية الرئاسية.