لم تعد “عادل” لقبا لقاض مستقيم، أو اسم فاعل في قواعد اللغة، بالنسبة للموريتانيين، بل موضوع معركة سياسية في موريتانيا بعد أن قرر الحزب الحاكم الجديد في بلادهم اختياره اختصارا لاسمه حزب “العهد الوطني للديمقراطية والتنمية”، فبات اسم “عادل” ذا مدلول آخر، يعني أولا ذلك الحزب المكون من غالبية أنصار الرئيس سيدي ولد الشيخ عبدالله، والحزب الذي ينتظر أن يطبع الحياة السياسية في موريتانيا بطابعه الخاص. فقد أثار اختيار مفردة اختصار لاسم الحزب جدلا سياسيا ولغويا بين كبار الساسة والكتاب في موريتانيا، وصار موضع مناكفات علنية في وسائل الإعلام. فقد قررت قيادة الحزب في مؤتمر عام اختصار اسم الحزب “العهد الوطني للديمقراطية والتنمية”، على الأحرف “ع.ا.د.ل”، فاستنكر قادة المعارضة ذلك لاعتبارات سياسية و”لغوية”، وقالوا إن الاختصار الصحيح هو على الأحرف “ع.و.د.ت” أي (عودة)، بمعنى انه عودة لأساليب الحزب الحاكم سابقا، والذي يتشكل الجديد من رجالاته. ورد رئيس الحزب يحيى ولد الواقف غاضباً من السياسيين ووسائل الإعلام التي اتهمها بالعمل على تشويه حزبه، وقال في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي من يفضلون تسمية حزبه ب”العودة” “مقبول إذا كانت هذه العودة إلى الأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة”. وقال إن مؤسسي الحزب هم من بين منتمين سابقا لأحزاب سياسية وشخصيات مستقلة، ودافع عن وجود قيادات من حزب الرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع داخل الحزب الجديد، وأشار إلى وجود أشخاص خدموا الدولة في حكومات وأنظمة ماضية في كل تشكيلة حزبية، معارضة أو موالية. وأضاف “أن الحزب يحترم جميع أحزاب المعارضة ويحسن الظن بها”، وسيحترم ممتلكات الدولة، ويحارب الرشوة. لكن زعيم المعارضة الموريتانية أحمد ولد داداه لا يرى ذلك، وشن في اليوم التالي هجوماً عنيفاً على الحزب الجديد، واعتبره “طعنة في ظهر الديمقراطية”، واستخدم، وهو يخطب في تجمع جماهيري لأنصاره، الاختصار الآخر لاسم الحزب الذي وصفه بحزب “العودة”، وقال “نعم هو كذلك عودة للماضي بكل أساليبه، إلى النهب، إلى الرشوة، إلى التسيب وانعدام الدولة”. وبدأت الأحزاب الموريتانية الاهتمام بوضع اختصارات بالعربية لأسمائها تعرف بها بين العامة، وتكون دالة على خلفية الحزب وأهدافه، بدل الاختصارات بالفرنسية التي عرفت بها الأحزاب سابقا من قبيل “prds”، و”udp”، و”ufd”. والفضل في هذه السنة للتيار الإسلامي الذي أطلق اختصار “حمد” على (حزب الملتقى الديمقراطي) الذي أسسه في ،2004 ولم ينل الترخيص. ثم جاء حزب “التجمع من أجل موريتانيا” (تمام)، والحزب الذي أسسه “فرسان التغيير”، تحت اسم “حزب الاتحاد والتغيير الموريتاني” (حاتم)، ثم عاد الإسلاميون بحزبهم الجديد حزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية” (تواصل). ولوحظ مؤخرا اتجاه أحزاب أخرى إلى وضع اختصار ينم عن الاهتمام بفئة معينة من المجتمع، فقد اختار “الأمل الموريتاني” الذي أسسته الصحافية تحية بنت الحبيب اختصار “أم”، وتبعه “الحزب الموريتاني للإنماء”، الذي أسسته سهلة بنت أحمد زايد، واختيرت كلمة “حواء” اختصارا لاسمه. ولا تنطلق لعبة الأسماء المختصرة أو حربها على الأصح، من فراغ، فالأحزاب الموريتانية الكبيرة والصغيرة بدأت مؤخرا اللجوء إلى استخدام اختصار لأسمائها باللغة الوطنية والرسمية لموريتانيا تقربا من المواطنين الموريتانيين وعودة للجذور. ولجأت الأحزاب الجديدة للبحث المضني في سبيل اختصار أسمائها بعبارة مفيدة ودالة وفي الوقت نفسه سهلة الحفظ والتذكر بالنسبة لمواطن موريتاني لا يهتم كثيرا بالأحزاب، كما أنها محاولة من هذه الأحزاب لترسيم اسمها في ذاكرة الناس بدل اسم رئيس الحزب، بعد ما شاعت مصطلحات من قبيل حزب ولد الطايع، حزب ولد داداه، حزب بنت مكناس. وإذا كانت الأسماء المختصرة للأحزاب الموريتانية قد صارت موضوع تنافس وحرب أثارت وتثير الحبر والقيل والقال بين السياسيين والإعلاميين، فإنها “إنجاز حزبي موريتاني” يلقى ترحيباً كبيراً من المواطنين الموريتانيين وحملة الدفاع عن اللغة العربية.