بطلاقته التي عُرف بها. بدأ الرئيس الأمريكي أوباما« يلقي علي ضيفيه: الفلسطيني محمود عباس والإسرائيلي نتانياهو حزمة من الاقتراحات مصحوبة بالنصائح ومحاطة بتحذيرات وانتقادات جديدة وقديمة في آن! ما الجديد الذي قدمه الرئيس الأمريكي عندما قال لضيفيه: إن الوقت حان الآن للمضي إلي الأمام في المباحثات الثنائية؟! لا شيء. فالمباحثات التي يطالب أوباما بالمضي بها إلي الأمام متوقفة تماماً منذ الغزو الإسرائيلي لقطاع غزة الذي أودي بحياة 1400فلسطيني بينهم 410أطفال. ولا أعرف لماذا تجاهل أوباما هذا الواقع، وبدلاً من أن يحث رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الحكومة الإسرائيلية علي استئناف المحادثات المتوقفة بينهما، سمعناه يطالبهما بتسريع المباحثات والتقدم بها للأمام! وبنفس التجاهل تعامل »أوباما« مع ما سبق أن نادي به، وشدّد عليه، عندما طالب إسرائيل فور توليه رئاسة بلاده بضرورة وقف بناء المستوطنات في الضفة فوراً، ما دمنا نريد أن نتقدم في المباحثات للوصول إلي التسوية النهائية. يومها.. رحبت السلطة الفلسطينية بما قاله »أوباما«، موجها ما يشبه »الأمر« بوقف بناء المستوطنات الإسرائيلية علي الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية والقدس. أهمية إصدار الأمر الأمريكي آنذاك ترجع إلي أنها المرة الأولي التي يخاطب رئيس أمريكي الدولة الإسرائيلية بهذه اللهجة. والأهم من ذلك أن الرئيس أوباما كان قد سمع تصريحات لرئيس الحكومة »نتانياهو« ولوزير خارجيتها ليبرمان ولغيرهما في تل أبيب تطالب ببناء المزيد والمزيد من المستوطنات بصرف النظر عن الرفض الفلسطيني، المدعم بالمجتمع الدولي، لهذه المستوطنات، ورغم ذلك فاجأنا الرئيس الأمريكي الجديد بصلابته في مواجهة الموقف الإسرائيلي، وعدم السماح به! الترحيب العربي الفلسطيني، لم يستمر سوي ساعات أو أيام معدودة. فسرعان ما صدر الرد من تل أبيب مؤكداً أن » لا مساس بالمستوطنات القائمة«، وأن »التوسع في إقامة المزيد منها هو أمر طبيعي وتلقائي تفرضه احتياجات المواطنين«. وكثيراً ما تضمنت نشرات الأخبار التليفزيونية مشاهد تنقل ما جري ويجري داخل المستوطنات الإسرائيلية الجديدة منها والقديمة وكأنها تتحدي الأوامر »الفشنك« التي أصدرها الرئيس »أوباما« بالتجميد الدائم لأي إضافات أو توسعات في المستوطنات! وانتظرنا رد فعل الإدارة الأمريكية علي التحديات الإسرائيلية، ففوجئنا ليس فقط بصمتها، وإنما زاد عليها أن الرئيس أوباما سحب صيغة »الأمر« واستخدم صيغة أخري أكثر ليونة، وعقلانية، تجاه حكومة الدولة الإسرائيلية الأكثر قرباً وتحالفاً لبلاده. في قمة »ثلاثي أضواء القضية« لم يجد الرئيس أوباما أدني حرج في سحب ما قاله عن »تجميد شامل، ودائم« للمستوطنات، وسمعناه يدلي بتصريحات عقب الاجتماع قائلاً:إن لإسرائيل مناقشات وأفكارا ذات معني في اتجاه »كبح النشاط الاستيطاني«، لكنها بحاجة لترجمة تلك المناقشات والأفكار لأفعال علي أرض الواقع! هكذا.. وببساطة شديدة سحب »أوباما« أوامره للإسرائيليين ب »التجميد الشامل والدائم لبناء المستوطنات«، مستبدلاً بها الوصف الرقيق القائل: » إن لدي الإسرائيليين مناقشات وأفكارا لكبح النشاط الاستيطاني«! وعندما تعلل محمود عباس بأن استمرار سياسة الاستيطان الإسرائيلية هي أهم أسباب توقف المباحثات الثنائية، رد الرئيس الأمريكي قائلاً: »رغم اعتقادي بأن تجميد المستوطنات سيخلق بيئة أفضل لانطلاق المفاوضات، إلاّ أن ذلك لا يعني اتخاذها ذريعة لرفض المشاركة فيها«! الرئيس الفلسطيني أراد أن يحمس مضيفه الأمريكي ليعاود الضغط علي نتانياهو لوقف الاستيطان كشرط لبدء المباحثات، ففوجئ »أبو مازن« بالرئيس الأمريكي يضغط عليه شخصياً بدلاً من الضغط علي »نتانياهو« الرافض لأي قيود علي التوسع في بناء المستوطنات، وهو ما أدي إلي وقف المباحثات بين الفلسطينيين والإسرائيليين منذ عام 2008 وحتي اليوم! اكتفي »أوباما« بالإشادة بنية »نتانياهو« في الاهتمام بكبح جماح الاستيطان، وفي الوقت نفسه شدد ضغوطه علي »محمود عباس الذي اتهمه بأنه أي رئيس السلطة الفلسطينية »يتخذ من رفض الإسرائيليين تجميد مستوطناتهم، ذريعة لتأجيل وتجميد المشاركة في المباحثات الثنائية معهم! حصيلة اجتماع ثلاثي أضواء القضية أن المضيف الأمريكي تراجع تراجعاً مهيناً أمام نتانياهو في حين انه طاح في أبو مازن وطالبه بما لا يستطيع الاخبار*