مر حتي الآن نحو شهر وفي كل يوم تظهر حالات جديدة للاصابة بمرض التيفود بين أهالي قرية البرادعة بمحافظة القليوبية.. وبالرغم من أن سبب المشكلة هو تلوث المياه, فإن المسئولين والأهالي يختلفون حول أسباب تلوثها ومصادر التلوث فتارة يقول المسئولون أن السبب هو الطلمبات الحبشية التي تجلب المياه الجوفية المختلطة بالصرف الصحي ومخلفات الماشية وتارة يتهم المواطنون شبكة المياه في قريتهم بأنها السبب لأنهم لايستخدمون مياه الطلمبات في الشرب والطهي.. وفي محاولة لرصد الواقع توجهنا إلي القرية التي وصلنا إليها بعد المرور بالقناطر الخيرية التابعة لمحافظة القليوبية أيضا ولاحظنا الفارق الشاسع بينهما, فالقناطر هي محور الاهتمام لكونها مزارا سياحيا وترفيهيا, بينما القرية معزولة لايربطها بالمناطق المحيطة بها أي وسيلة مواصلات! والبرادعة تقع علي مسافة25 كيلو مترا من القاهرة ويقطنها نحو100 ألف مواطن يعمل معظمهم في الزراعة وتربية الثروة الحيوانية والقرية تكاد تكون خارج نطاق الخدمة البشرية.. فتلال القمامة تحاصرها وترتفع داخل شوارعها وأزقتها, وطرقها غير ممهدة أو مرصوفة, والمرافق العامة بها متهالكة ومنها شبكة مياه الشرب التي تسببت في إصابة بعض مواطنيها بالتيفود.. في البداية يقول الحاج عبد الله صلاح, إن المرض أنتشر منذ مايقرب من شهر ونصف أي بعد دخول شبكات المياه الجديدة والتي تسببت في مرض الكثيرين من الأهالي لأن القرية لاتصلها مياه الشرب النقية منذ مايقرب من15 عاما ونلجأ إلي شراء جراكن المياه من المراكز الأخري المجاورة ويصل سعر الواحد إلي150 قرشا أو جنيهين, ولم تكن شبكة المياه القديمة تعمل بالوجه اللائق لأن عمرها يتجاوز60 عاما ولايوجد لها أي صيانة دورية أو تنظيف أو تطهير لذلك تراكم بداخلها الصدأ والميكروبات وحدث انسداد في كثير منها وعند توصيل الشبكات الجديدة في19 يونيو الماضي تفاعل الكلور مع صدأ المواسير ونتج عنه تلويث المياه التي وصلتنا بلون أصفر أو أخضر ثم بدأت الأعراض تظهر علي العديد من الأهالي وهي أرتفاع في درجات الحرارة وقئ وآلام في الجهاز الهضمي, مما أثار الذعر والرعب بين أهالي القرية, هذه هي الحقيقة وليست شبكات الصرف الصحي التي نفذها الأهالي بالجهود الذاتية منذ أكثر من خمسة أعوام فإذا كان هذا صحيحا فإننا نسأل: لماذا ظهرت الحالات الآن؟! ويضيف: إننا لم نستعمل الطلمبات الحبشية( المياه الجوفية الإرتوازية) منذ عشرات السنوات ونقوم بشراء المياه في المراكز المجاورة وعلي الجانب الآخر يقول المستشار عدلي حسين محافظ القليوبية: إنني أقوم بزيارات دورية للمستشفيات للاطمئنان علي صحة المواطنين من أهالي قرية البرادعة وتابعت تقارير لجنة تقصي الحقائق بمجلس محلي القليوبية عن أسباب ظهور مرض التيفود بالقرية, وأرجعت اللجنة الإصابات إلي أختلاط مياه الشرب بالمصرف الصحي نتيجة وجود عيوب في شبكة الصرف التي أقامها الأهالي بالجهود الذاتية مما أدي إلي ظهور عدوي بكتيرية وإصابة الأهالي. وهناك أعداد تتراوح ما بين120 إلي150 حالة إشتباه في حالات إصابة بالمرض ولذلك طالبت نجوي العشيري رئيس مدينة القناطر أهالي البرادعة بالتوقف عن استخدام مياه شبكة الشرب إلي حين الإنتهاء من إصلاح الأعطال الجديدة ومد القرية بخزانات مياه لسد احتياجات الأهالي. قرية الموت أما فهمي محمود شريف من الأهالي فيقول إن قرية البرادعة نطلق عليها قرية الموت لأنها تعاني من الكثير من المشاكل مثل انقطاع الكهرباء وشبكات المياه المليئة بالفيروسات وأزمة رغيف العيش الذي لايكفي الأهالي ويضطرون لشرائه بأضعاف ثمنه ويعانون مشاكل الطرق والمواصلات حتي القمامة لايوجد صناديق لجمعها أو حتي سيارات نظافة مما يضطر الأهالي إلي حملها ونقلها إلي خارج المدينة ولايوجد مركز شباب رياضي لأبنائهم وأخيرا الاصابة بمرض التيفود الذي ظهر لأول مرة في تاريخ القرية. أمام المستشفي ثم توجهنا إلي حميات قليوب ووجدنا سيارة إسعاف متهالكة تنقل يوميا ما بين18 إلي25 حالة إصابة بالتيفود يوميا وتتكدس أعداد حاشدة أمام باب المستشفي. ويقول المواطن محمود طه محمد أن لديه ثلاثة أطفال مصابين ومحتجزين في المستشفي ويضيف: أنه وإبنته غادرا المستشفي بسبب عدم توافر الدواء والطبيب كتب لي روشتة العلاج حتي أشتريه علي نفقتي الخاصة ولكنه مكلف جدا حيث يصل سعر الحقنة الواحدة إلي90 جنيها بخلاف الأدوية للفرد الواحد وذلك ليس في إستطاعتي توفيره لي ولأبنائي. أما الدكتور يحيي الفرماوي أستاذ الحميات وأمراض الباطنة والكبد بمستشفي حميات قليوب فيؤكد أن جائحة إصابة وعدوي المرض تزداد يوما بعد يوم بسبب الانتقال السريع والمباشر والاختلاط بين الأهالي, أما عن عدم توفير الدواء فذلك يرجع إلي أن وزارة الصحة حتي تنتهي من إجراءات ارسال العلاج لايقل عن15 يوما ولذلك نلجأ إلي صندوق التبرعات في المستشفي لشراء الأدوية اللازمة ولكن الباقي علي نفقة المريض ولذلك نطالب بأن يكون هناك خطة طوارئ للسيطرة علي أي جائحة, وإنتهت الجولة ببكاء أهالي القرية لأنهم يعانون ولايستطيعون شراء الدواء وأبناؤهم يرقدون أمامهم, كما يشعرون بأنهم لايعيشون مثل باقي المواطنين.