رصد تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام 2009 - الخامس ضمن سلسلة يرعاها برنامج الأممالمتحدة الانمائي- العوامل التي تهدد أمن الإنسان، وأهمها قمع الحريات، والتعذيب، والبطالة، والفقر، والتصحر، والنمو السكاني، والاحتلال. وجاء في التقرير - الذي نشر في بيروت في 21 يوليو/ تموز - أن "أجهزة الدولة تنتهك حقوق المواطنين في الحياة والحرية من خلال التعذيب والاحتجاز غير القانوني." ودونت المنظمة العربية لحقوق الإنسان أمثلة على ممارسات التعذيب في 8 دول عربية بين العامين 2006 و2008." دون أن تسمي هذه الدول. وأشار إلى أنه في أعقاب أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 أصدرت معظم الدول العربية قوانين لمكافحة الإرهاب تقوم على تعريف فضفاض لمفهوم "الإرهاب"، ومنحت هذه القوانين الأجهزة الأمنية في الدولة صلاحية واسعة في بعض المجالات التي تشكل تهديدا للحريات الأساسية في مواضيع أخرى. كما ركز التقرير على انعدام الأمن لدى الفئات الضعيفة، لا سيما على صعيد العنف ضد النساء، الذي رأى أنه أسري ويتراوح بين العنف الجسدي، كالضرب والاغتصاب والقتل، وبين ممارسات ثقافية واجتماعية تؤذي المرأة، ومنها تزويجها قبل سن الرشد (18 عاما). وفيما يتعلق بشرائح اللاجئين والمهجرين. وصف تقرير التنمية الإنسانية المنطقة العربية بأنها "فريدة باعتبارها "المنطقة التي تلتقي فيها قضية اللاجئين الأطول عهدا في العالم - أي قضية الفلسطينيين - بتلك الأحدث عهدا في دارفور". ويقدر عدد اللاجئين في المنطقة بنحو نصف اللاجئين في العالم - وفقا للأرقام التي سجلتها المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ووكالة الأممالمتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" - حيث بلغ عددهم في البلدان العربية نحو 5.7 مليون في عام 2008 من إجمالي عددهم في العالم البالغ 16 مليونا. ومعظم هؤلاء اللاجئين من الفلسطينيين، يليهم العراقيون وهم يقيمون في الأراضي الفلسطينية المحتلة والاردن وسوريا. بينما يفوق عدد النازحين داخل بلدانهم عدد اللاجئين "ويبلغ نحو 8.9 مليون مهجر موزعون في 6 دول عربية، هي السودان وسوريا والصومال والعراق ولبنان واليمن، واصفا الوضع في دارفور بأنه "مقلق للغاية" حيث نزح 2.6 مليون شخص ويحتاج 4.7 مليون إلى المساعدة. وأبرز التقرير مشكلة البطالة، كأحد العوامل المهددة لأمن الإنسان، معتمدا بيانات منظمة العمل العربية لعام 2005، مشيرا إلى أن "نسبة البطالة في العالم العربي بلغت 4.14% مقارنة ب3.6% على الصعيد العالمي". هذا فضلا عن أن البطالة في أوساط الشباب تمثل في كل الأحوال تحديا جديا مشتركا في العديد من البلدان العربية، وأن معدلاتها بين النساء في الدول العربية أعلى منها بين الرجال. وحذر من تفاقم المشكلة، نظرا لأن اتجاهات البطالة ومعدلات نمو السكان تشير إلى أن الدول العربية "ستحتاج بحلول العام 2020 إلى 51 مليون فرصة عمل جديدة"، مشيرا إلى أن عدد سكان الدول العربية سيرتفع بحلول عام 2015 إلى 395 مليون نسمة مقابل 317 مليونا عام 2007 - حسب تقديرات الأممالمتحدة. كما أفاد التقرير بأن هناك 65 مليون عربي يعيشون في حالة فقر. وقال إن "معدلات الفقر العام تتراوح بين 28.6% و 30% في لبنان وسوريا في حدها الأدنى ونحو 59.9% في حدها الأعلى في اليمن ونحو 41% في مصر." وتتفاوت بدرجة ملموسة بين بعض الدول إذ "تتراوح بين 2% في قطر والكويت ونحو 22% في موريتانيا. واعتبر التقرير أن النمو المتقلب "دليل واضح على ضعف الاقتصاد"، خاصة أنه يعتمد بشكل رئيسي على تقلبات أسواق النفط العالمية، موضحا أن "النمو المرتكز على النفط أسس بنية ضعيفة في الاقتصادات العربية". وقال تقرير الأممالمتحدة أن المنطقة "توشك أن تقع ضحية مباشرة لتغيير المناخ"، مشيرا إلى تعرض الدول العربية لندرة في المياه، ولمخاطر التصحر، وغيرها من الضغوط البيئية. وضرب تقرير التنمية البشرية أمثلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق والصومال تتعلق بالاحتلال والتدخل العسكري وفيها "ألغي بالقوة حق الشعب الأساسي في تقرير المصير". وجاء في التقرير "من منظور التنمية الإنسانية لن يتحقق السلام الدائم إلا بإنهاء احتلال إسرائيل للأراضي التي احتلتها في 1967 واستعادة الحقوق الفلسطينية وفي مقدمتها حق تقرير المصير. وقد ساهم غياب مثل هذا الحل حتى الآن في إحباط التنمية الإنسانية في المنطقة". وأشار إلى أن الاحتلال والتدخل العسكري "يؤديان إلى تهجير الشعوب ويزرعان بذور التوتر ويعززان الجماعات المتطرفة التي تلجأ إلى العنف"، إضافة إلى أنهما يساعدان الأنظمة على "أن تتخذ من حماية الأمن القومي ذريعة لتأخير مسيرة الديمقراطية". وأكد التقرير وجود تقصير كبير لدى الدول العربية على صعيد أداء الدولة بما جعلها مصدرا يهدد أمن الإنسان بدل أن تكون سندا له، معتمدا في تقييمه 4 معايير لتحديد ذلك، هي مدى قبول المواطنين لدولتهم، والتزام الدولة بالعهود الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكيفية إدارتها لاحتكار حق استخدام القوة والإكراه، ومدى قدرة الرقابة المتبادلة بين المؤسسات على الحد من إساءة استخدام السلطة. ودعا التقرير الدول إلى سلسلة تدابير من أجل تعزيز أمن الإنسان، من بينها تسوية النزاعات وتعزيز حكم القانون، وحماية البيئة، وحماية الفئات الضعيفة، وإعادة توجيه دفة الاقتصاد، مع القضاء على الجوع، وإصلاح القطاع الأمني واستقلالية القضاء.