تحاول إسرائيل بطرحها مطلب الاعتراف بها كدولة يهودية أن تنتزع الفلسطينيين من المكان والزمان، وفرض روايتها لتاريخ المنطقة، وإضفاء الشرعية على قيام دولتها، ليس من فقط من ناحية الواقع السياسي، ومن وجهة نظر القانون الدولي، وإنما أيضا من الناحية الأخلاقية، وبمفعول رجعي. ماذا يعني ذلك؟ تشرح جريدة البيان الاماراتية إنه يعني ببساطة نزع الشرعية الوطنية والتاريخية والأخلاقية عن النضال التحرري الذي يخوضه الفلسطينيون، منذ حوالي قرن من الزمان تقريبا. أما بالمعنى السياسي المباشر، فإن إسرائيل تستهدف من وراء إصرارها على اعتراف الآخرين بها كدولة يهودية، استباق نتيجة المفاوضات، أو تحديد سقفها وتعيين ماهيتها سلفا، وبحسب أهوائها وادعاءاتها. معلوم أن القضايا الجوهرية في الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين (اللاجئين والقدس والحدود والمستوطنات والترتيبات الأمنية) مطروحة على مفاوضات الحل النهائي. وفي تحديد إسرائيل كدولة يهودية، أو باعتبارها دولة الشعب اليهودي، تصبح أرض فلسطين التاريخية بمثابة أرض إسرائيل، أي ملكا لليهود، وهذا ما أفصح عنه نتانياهو في خطابه في بار إيلان صراحة. وعلى الأكثر فإن هذه الأرض تصبح موضع تنازع بين شعبين وقوميتين، أو بين حقين متساويين! وكان نتانياهو في خطابه اشترط الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية مقابل قيام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، مشيرا إلى الفلسطينيين باعتبارهم طارئين على المكان والزمان، وبأنه فقط يمنّ عليهم بجزء من «أرض إسرائيل» لإقامة دولة لهم فيها! هكذا، فإن شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل يصادر النقاش حول جغرافيا وديمغرافيا إسرائيل، باعتبارها صاحبة الأرض، وباعتبارها دولة اليهود. هذا يعني أن مكانة الأراضي والحدود والمستوطنات والقدس موضع نزاع، باعتبار أحقية إسرائيل في تقرير مصير «أرضها»، أو في اعتبارات أخرى موضع نزاع بين حقين متساويين، في هذه الحسبة الإسرائيلية، التي تنكر واقع الاحتلال. تبقى قضية أساسية في استهدافات خطاب الدولة اليهودية وهي قضية اللاجئين الفلسطينيين، فهذا الخطاب يفترض صراحة أن إسرائيل هي الدولة «القومية» للشعب اليهودي، وأنه صاحب الحق بتقرير مصيره فيها، وسيادته عليها، وتحديد طبيعتها. وهذا يعني أن إسرائيل تستبق أي كلام، أو أية مفاوضات، تتعلق بحل قضية اللاجئين الفلسطينيين من منظور حق العودة. وأنها ترفض رفضا باتا ممارسة هذا الحق داخل حدود إسرائيل لاعتبارات كونها دولة يهودية. فوق ذلك فإن إسرائيل بهذا الطرح تحاول إخراج العرب في إسرائيل من دائرة المواطنة الإسرائيلية، وتشريع ذلك بالوسائل القانونية، إن لم يكن عبر سيناريوهات من مثل «ترانسفير» طوعي أو اكراهي، أو «تبادل سكان». معلوم أن «وعد بلفور» (1917) نص على «إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وليس على إقامة دولة لليهود أو دولة يهودية. وتكرر ذلك في صك الانتداب، وفي توصيات اللجان الدولية حول فلسطين قبل قيام إسرائيل. كذلك فإن القرار 273 الصادر عن الأممالمتحدة (1949)، والذي تم فيه الاعتراف بإسرائيل، كان مشروطا باعترافها بالقرارين 181 و194، الأول ويقضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية والثاني يقضي بحق العودة للاجئين الفلسطينيين؛ حيث ان قرار التقسيم ضمن للفلسطينيين البقاء في الدولة المخصصة لليهود، ولليهود البقاء في الدولة المخصصة للدولة العربية. كما نص على نوع من الإدارة الدولية والاتحاد الاقتصادي في مدينة القدس. وهذا يعني ان الحديث عن يهودية الدولة هو بدعة، وتأكيد جديد على الطابع الاستعماري والعنصري لهذه الدولة المصطنعة.