وجود أربع نساء يدردشون بمطعم في الهواء الطلق في ساحة قديمة من شأنه أن يوجه إشعار مسبق لطهران وربما فى بيروت أو عمان. . صورتهن مع رؤوسهن الملفوفة بالأوشحة والتى تخفى شعورهن تقف ضد التقاليد العلمانية الحديثة فى سراييفو. النساء الاربع أصدقاء منذ الطفولة فى الثالثة و العشرون من عمرهم وعندما سالت مارد فعل امهاتهم بعد ان اصبحن متدينات و يرتدين الحجاب . اجابت سعودينا هوسيتش Saudina Husic – وهى تدرس العربية و الفارسية وترتدى لباس يصل حتى قدميها بلون اخضر مثل حجابها - "كان شيئا غريبا بالنسبة لهم" واضافت "لكن بداوا الاعتياد على ذلك". يتزايد اعداد البوسنيون الذين اعتادوا على مظاهر انبعاث الدعوة الاسلامية من حولهم. وتقريبا بعد 15 عاما من الحرب الشرسة في البلاد – التى راح ضحيتها مايقرب من 100،000 شخص معظمهم من المسلمين - تشهد العاصمة سراييفو نهضة دينية. المدينة بدات ندوب الحرب فيها تلتئم بعد حصارها فى التسعينيات اعيد بناء و ترميم جدرانها المقصوفة و شوارعها و ازقتها التى كان يحتلها القناصة الصرب اصبحت الان مزدحمة بحركة المرور. و بعد ان اصبحت الحرب بعيدة وجزء من التاريخ بدات المدينة تستعيد روحانياتها يوما بعد يوم فهناك الآن في سراييفو مئات من النساء اللواتي يرتدين مثل سعودينا هوسيتش واصدقائها بل و تتاشى مع الموضة الغربية . و قد اعتمد مجلس مدينة سراييفو في العام الماضي خيار التعليم الديني في رياض الأطفال والإسلام حتى الآن ماهو الا خيار فقط مساجد المدينة مكتظة بمرديها بما فى ذلك مسجد الملك فهد الضخم والمركز الثقافي الذي شيدته المملكة العربية السعودية عام 2000 بتكلفة نحو 12 مليون دولار . وفي ابريل افتتح مستثمرين من منطقة الخليج مركزا للتسوق بتكلفة 55 مليون دولار وفيه يحظر تعاطي الكحول والقمار وبه دار للعبادة. وهو نفس المكان الذى التقيت فيه سعودينا و اصدقائها حيث شربنا القهوة معا و تقول سعودينا "لقد أمضينا الصباح فى التسوق و الصلاة معا هناك". وإن كان هناك القليل من الكلام عن الحرب في سراييفو اليوم فان القيادات الدينية الاسلامية في البوسنة توجه الدعوة الاسلامية لهؤلاء من كانوا اطفالا و شهدوا اهوال الحرب فى التسعينيات فيقول مفتي البلاد مصطفى افندى سيرتش Mustafa Efendi Ceric . "ان هذا الجيل نشأ بين عشية وضحاها" ، مضيفا. "كان لدينا جيل كامل يسأل ، هل الله موجود ؟ والآن لدينا جيل متدين جدا". ان هوسيتش واصدقائها تحملوا الكثير كن فتيات صغيرات، وهم يشاهدون مدينتهم " موستار" تتحطم و تتهدم و جيرانهم انقلب بعضهم على البعض في دوامة من العداوة العرقية اثنين من النساء الاربع فقدوا آباءهم ، في حين اخرى شاهدت أحد أعمامها يجر الى الموت . و حينما كانت الصواريخ تجتاح المدينة ، كانت البنات تتجمع في الطابق السلفى ( البدروم) الذى كان بمثابة غرفة الدراسة لهم. اختار الاربعة الدراسة في مصر بعد الحرب بمنحة دينية. عادوا فيسن الثامنة عشرة وهن محجبات فى تحد صارخ لتقاليد اسرهن و يكاد ان يكون تحولهن هذا امرا فريدا من نوعه. عايدة بيجتش Aida Begic البالغة من العمر 33 عاما مخرجة سينمائية فاز اول فيلم روائي طويل لها " سنوsnow " على العديد من الجوائز تقول انها قضت سنوات المراهقة في سراييفو المحاصرة وهى سنوات هزت كيانها من الاعماق "في كل دقيقة كنت أتساءل ما الذي سيحدث بعد الموت". واضافت "لا يمكن تأجيل هذه المسائل حتى الشيخوخة". بعد سنوات من التجريب في البوذية واليهودية ، وحياة البانكز و الروك اند رول و صبغ الشعر باللون الازرق اعتمرت سعاد قبل أربعة أعوام الزى الاسلامى غطاء للرأس وملابس طويلة واصبحت شديدة التدين. وتقول ان القرار "تسبب في هزة ارضية" بين عائلتها واصدقائها الذين ما زالوا ينظرون لهذا الورع بشىء من عدم الارتياح. هذا الطابع الجديد يتسبب فى توتر اجتماعي بالمدينة. ففي سبتمبر الماضي هاجم رجال يرددون "الله أكبر" الناس اثناء مغادرتهم لاول مهرجان لمثلي الجنس و قد تعرض بعضهم لضرب مبرح. و يقول نشطاء حقوق الإنسان في البوسنة ان طبيعة المدينة ذات الاعراق المتعددة لم تقوض فقط من جراء الحرب وإنما أيضا بسب الوساطة ألامريكية لعقد اتفاق البوسنة للسلام عام 1995 الذي أنشأ إدارتين منفصلتين واحدة للكروات والمسلمين وأخرى للصرب. على رغم من عدم وجود إحصاء رسمي منذ عام 1991 ، فان سراييفو اصبحت تعكس بشكل متزايد الوجهه الاسلامى امام العالم. قالآلاف من الصرب الأرثوذكس والروم الكاثوليك الكروات فروا من المدينة خلال الحرب ولم يعودوا وهنا تقول" سردان ديزدارفيتش Srdan Dizdarevic" رئيس لجنة هلسنكي لحقوق الإنسان في البوسنة والهرسك " حقيقة لقد نجح بالفعل الفصل العرقى " و تضيف ان "الاطفال يذهبون الى مدرسة عرقية ويعيشون في حي عرقى وعندما يبدأون العمل سيكون في شركات عرقية ". بسؤال السكان المحليين عن الانبعاث الاسلامى فى سراييفو يؤكد الكثيرين على أن المدينة مازالت علمانية. لا يزال الناس يرتادون العديد من الحانات والكثير من النساء يرتدين ملابس كاشفة. في مسجد الملك فهد بن عبد العزيز ناظيم خليلوفيتش Nezim Halilovic قائد الحرب السابق والذى القى خطبة الجمعة على آلاف المصلين يقول ان "المدينة تشهد ببساطة هذا النوع من المشاعر الدينية التي كان من المستحيل الافصاح عنه في ظل الحكم الشيوعي لزعيم يوغوسلافيا السابقة "جوزيب بروز تيتو Josip Broz Tito ". خليلوفيتش مثل غيره في سراييفو يتهم السياسيون الصرب بتصوير سراييفو زورا و كأنها مركزا للمليشيات الاسلامية من أجل كسب تعاطف الغرب ويرى ان صحفيون غربيون يلعبون على نغمة " الاسلاموفوبيا – الخوف من الاسلام " و يضيف خليلوفيتش انه "يمكنك ان ترى الاسلام في لندن وباريس"متسائلا "لماذا يشير الناس إلى الإسلام بانه يمثل مشكلة؟"