وارين بافيت ثاني أغنى رجل في العالم والذي قدّم 31 بليون دولار أمريكي للأعمال الخيرية خلال حياته حتى الآن، قال في مقابلة مع CNBC بأن أول مساهمة تجارية له كانت في الحادية عشرة من عمره، وهو يرى الآن بأنه قد بدأ متأخرا. في الحادية عشرة من عمره ومتأخرا! وارين بافيت صنع ثروته بنفسه، ولم يتلق أي ميراث يذكر، وبدأ حلم الثروة يراوده منذ الطفولة، وهو يشير أن الأسعار في تلك الآونة كانت منخفضة قياسا لما هي عليه الآن، مما يدعونا إلى تشجيع أبنائنا على الاستثمار، فالبدء الآن لأبنائنا يعطيهم الوقت الكافي لتحقيق التميز، ويعطيهم فرصة للإستفادة من الأسعار التي تتغيّر بتسارع شديد، كما أن البدء الآن للأعمار الشابّة يمكّنها من الوصول الى الإبداع الذهني الاقتصادي أكثر. بافيت اشترى مزرعة صغيرة في سنّ الرابعة عشرة من مدّخرات جمعها من توزيع الصحف، ويقول ان المرء إذا ما امتلك التصميم والإرادة فإنه يستطيع أن يحقق الكثير من خلال ادّخارات بسيطة أو حتى شحيحة، من هنا لا بدّ من تعليم صغارنا مثل هذه الآليات الاقتصادية التي تسعفهم في حياتهم في ظلّ ظروف التضخم التي تجتاح العالم كلّه. وارين بافيت يعيش في منزل مكوّن من ثلاث غرف نوم، وهو ذاته المنزل الذي امتلكه قبل خمسين عاما وسط مدينة أوماها (الولاياتالمتحدةالأمريكية)، وكان بافيت قد اشترى هذا المنزل بعد زواجه، ويقول ان في هذا المنزل كلّ ما يحتاجه هو وعائلته، وأنه ليس ثمّة ما يستوجب منزلا أكبر، وبهذا الصدد يقول أنه ينصح دائما بعدم شراء أكثر مما يحتاج المرء، وأن علينا تعليم أبنائنا هذا المبدأ المهم في الحياة، فلماذا البيت الزائد عن الحاجة ؟ إنّه يقلل من الألفة بين أفراد العائلة، ويزيد في المصروفات دون مبرر. وبهذا الصدد يقول أيضا: كن نفسك، كن ما أنت عليه، أنت هو أنت مهما حاولت الصعود. وما يستحق الوقوف هنا أن بافيت يمتلك أكبر شركة طيران في العالم ولا يسافر قط بطائرة خاصّة، وهو يرى أن علينا انفاق الأموال بلاشكل الصحيح. وبما أنّه بإمكاننا قضاء الأمور بسعر أقلّ فلمَ لا. بيركشير هاثاوي هي مجموعة شركات وارين بافيت والتي تضمّ ثلاثة وستين شركة، يقوم بافيت بكتابة رسالة سنوية واحدة لمدراء هذه الشركات يرسم فيها الأهداف المرجوّة لذلك العام، وهو لا يقوم بأيّ اجتماعات دورية أو مكالمات متكررة دون باعث قويّ، وهنا يرى بافيت أن الرجل المناسب في المكان المناسب يعطي دفعا للإنتاج والنجاح بل والإزدهار. إن كثرة الاجتماعات لا تدلّ على أعمال قوية، ولا تدلّ على إدارة حصيفة، كثرة الاجتماعات مؤشر على أن التواصل ما بين الإدارة والمرؤسين قائم من خلال الاجتماعات التي تستهلك الوقت الثمين، وفي الأصل يجب أن تكون حيثيات الأعمال من اصغرها إلى اكبرها مغطاة بسياسات مكتوبة، وجميع الموظفين ملمّين بتفاصيلها، ولا يجوز أن يضطرّ أحد إلى الاجتهاد ولا إلى التبرّع ولا إلى القيام بمعروف، عندئذ سيكون هناك من الموظفين من يتقيّد ومن لا يتقيّد، ومن يلمّ بالتعليمات ومن لا يلمّ، وسيكون من السهل اكتشاف مواطن الخلل ومعالجتها. يقول وارين بافيت أنه يعطي مدراء أعماله قاعدتين ليعملوا بهما، الأولى تقضي بأن لا يخسروا أموال المساهمين، أما القاعدة الثانية فتقضي بأن لا ينسوا القاعدة الأولى، وبهذا الصدد يشير بافيت إلى أن وضع الأهداف والتأكّد من أن الجميع يعمل من أجل هذه الأهداف هو من دعائم النجاح والتقدّم، والحقيقة أن القاعدة الأولى جاءت عامة وجامعة لكل الأعمال التي تصبّ في صالح العمل. بافيت في معظم أيامه يعود إلى منزله لمشاهدة التلفاز وتناول الفشار، فهو لا يداهن أياَ من أولئك الذين يديرون الصفقات ليلا من خلال السهرات، ولا يستعرض ما لديه، ولا يدّعي ما ليس عنده، فهو يستر ذهبه وذهابه ومذهبه، و يقوم بكلّ ما يجد فيه متعة تحقق ذاته. والغريب أن بافيت لا يحمل الهاتف الخليوي، وليس على مكتبه جهاز حاسوب. بيل غيتس، أغنى رجل على الأرض، التقى وارين بافيت للمرة الأولى قبل خمس سنوات، وكان يظن أن لا شيء مشتركا يمكن أن يجمعه مع هذا الرجل، فكان قد خصص ثلاثين دقيقة فقط للقائه، وعندما التقاه، استمرّ اللقاء لعشر ساعات، وبيل غيتس الآن من محبيّ بافيت. يقول وارين بافيت للشباب المقبلين على الحياة، لا تلجأوا إلى بطاقات الاستدانة، ولا إلى القروض، فهذا عيش إلى الوراء، ولتكن استثماراتكم بعقولكم وطاقاتكم، وتذكروا أن الانسان يصنع المال وليس العكس، وان البساطة في العيش توفر المال وتطيل الأمد، وتذكروا أن تستمعوا للآخرين، ولكن وفي ذات الوقت افعلوا ما ترونه المناسب من وجهة نظركم أنتم، واعلموا أن استنفاد الأموال يكون فيما هو حقيقي وضروري، وأما ما هو زائل تزول معه الأموال، الأموال ما أن تنطلق من أيديكم قد لا تعود أبدا، وتذكروا أن راحة الجسم في لبس ما يريحه، وليس في لبس الماركات الشهيرة، ويعتقد وارين بافيت أن من يلبس الماركات الشهيرة يعطي الفرصة لصانعيّ هذه الماركات ومسوّقيها للتحكم في نمط حياته، حياته التي يجب أن يرسم هو خطوطها ويتحكم بها. إن السعداء ليس بالضرورة هؤلاء الذين يمتلكون الأفضل من كلّ شيء، بل هم هؤلاء الذين يقدّرون ما يجدونه في طريقهم، هذه هي القناعة، الكنز الذي لا يفنى.