ما يزال سجال لبناني واقليمي، يدور حول تحديد شخصية من يمثل لبنان في القمة العربية المقبلة، التي ستنعقد بعد اسبوعين في العاصمة السورية دمشق، خصوصاً ان الدعوة لم توجه بعد الى «لبنان» للمشاركة في هذه القمة، ولم يتقرر كذلك من سيتولى هذا التمثيل، ولم يحصل توافق على الشخصية التي ستقوم بهذه المهمة. وارتفعت اصوات مسيحية تعلن رفضها ان يقوم شخص غير مسيحي وغير ماروني، بالحلول محل رئيس الجمهورية غير الموجود، في تمثيل لبنان في هذه القمة، وعينها في هذا الموقف على رئيس الحكومة فؤاد السنيورة او اي واحد من وزراء حكومته «غير الشرعية وغير الدستورية وغير الميثاقية»، حسب وصف المعارضة لها، خصوصاً ان اصحاب هذه الاصوات يتهمون السنيورة ومن ورائه من السياسيين، بالعمل «على أسلمة البلد» واستغلال الفراغ الرئاسي لتجميع كل صلاحيات السلطة التنفيذية في يد رئيس الحكومة. حتى البطريرك الماروني نصرالله صفير أبدى مؤخراً استغرابه للخلاف الدائر حول هذا الامر، وقال ان من يمثل لبنان في مناسبات كهذه هو رئيس الجمهورية. كذلك ترفض المعارضة اللبنانية ان يتمثل لبنان بشكل فئوي، باعتبار ان الرئيس السنيورة واعضاء حكومته، باستثناء المستقيلين منهم، هم طرف في الصراع الداخلي الدائر، وهم محسوبون على قوى الرابع عشر من آذار، التي تتواجه مع قوى المعارضة، التي تشترط اشتراك الموالاة والمعارضة معاً في تمثيل لبنان في هذه المناسبة. لذلك، وفي ظل هذه الاجواء، ينطلق السؤال لماذا لا يمثل رئيس مجلس النواب نبيه بري لبنان في هذه القمة المزمع عقدها. لماذا بري؟ هناك وجهة نظر قانونية ودستورية ترى ان من غير المنطقي اذا حدث فراغ في موقع رسمي، ان يتم القفز من الموقع الاول الى الموقع الثالث، في تخط غير منطقي للموقع الرسمي الثاني في الدولة، وأن من الطبيعي الالتزام بهذه التراتبية طالما ان اللبنانيين لم يتوصلوا الى تفاهم حول انتخاب رئيس جديد للبلاد، خصوصا ان المهمة الرئاسية التي يتم التداول فيها هي من صلب المهام المحصورة دستورياً برئيس الجمهورية، وليس للسلطة التنفيذية اي علاقة بها، لان هذه السلطة، وهي مجلس الوزراء مجتمعاً، تتولى دستورياً صلاحيات رئيس الجمهورية في ادارة الامور في البلاد، اذا حدث فراغ في الموقع الرئاسي، وهذه «الامور» تحول الى مجلس الوزراء مجتمعا وليس الى رئيس الحكومة. اما القضايا المنوطة حصرا برئيس الجمهورية، فليست من المهام التي يمكن ان تتولاها الحكومة، خصوصا ان رئيس الجمهورية بعد اتفاق الطائف، لم يعد رئيس السلطة التنفيذية، وحين يرأس رئيس الجمهورية اجتماعات الحكومة لا يحق له التصويت على قراراتها، كما لا يحق له رد المراسيم الصادرة عنها، وبالتالي هو عملياً يتولى منصبا فخريا، ويمثل الدولة في المناسبات المحددة في الدستور باعتباره رأس الدولة وليس رأس السلطة التنفيذية. وقد تبنت حكومة الرئيس السنيورة هذا التفسير من خلال اصدارها المراسيم واعتبارها سارية المفعول، رغم أن رئيس الجمهورية لم يوافق عليها. ولان رئيس الجمهورية لا يمكن ان يكون ممثلا للحكومة في ما يقوم به من تمثيل للبلاد في المناسبات المنوطة به، لانه «رأس الدولة» يرافقه احياناً رئيس الحكومة في المناسبات التي يرتئيها الاخير، وبالتالي لا يحق لرئيس الحكومة الحلول مكان رأس الدولة في هذا الموقع، ويجب الأخذ بمنطق التراتبية، بحيث تتولى الرئاسة الثانية ملء فراغ الرئاسة الاولى في مناسبات كهذه، وخلو المنصب الاول في هذه الحالة يكون لمصلحة المنصب الثاني وليس الثالث. لذلك، ان قيام رئيس المجلس النيابي بتمثيل البلاد في قمة دمشق، هو الصيغة القانونية الفضلى في غياب رئيس الجمهورية، و«افضل المتوفر» خصوصاً ان ما كان يقال عن تمثيل قائد الجيش ميشال سليمان للبنان في هذه القمة، بات طرحاً خجولاً وهو يتراجع مع الوقت لسببين جوهريين: الاول ان قائد الجيش لا يمكن له ان يترأس وفداً يضم وزراء، وهؤلاء حتى الآن هم ارفع منه منصبا في الدولة. والثاني ان اسهم العماد سليمان الرئاسية لم تعد ثابتة ولم يعد مضموناً انتخابه رئيساً. أما رئيس مجلس النواب، فهو موضع اتفاق الجميع ولو انه محسوب على المعارضة، وهو السلطة الوحيدة التي تجمع كل القوى، موالاة ومعارضة، على شرعيتها وشرعية رئيسها الآن. وبما ان المشاركة في القمة هي مشاركة رمزية عملياً، ولا تترتب عليها اي قرارات قد يختلف عليها، فان رئيس مجلس النواب هو الطرف المأمون من قبل المعارضة في تمثيل البلاد، وهو الذي تقبل به الموالاة، لانه رئيس البرلمان الذي لم تنقطع علاقتها به ولم يتوقف تواصلها معه في اي وقت، وهو شكل ويشكل نقطة التواصل والتقاطع بين جميع اركان القوى اللبنانية. كما ان سوريا بدورها تقبل به ممثلاً للبنان في قمة تنعقد في عاصمتها، خصوصا ان علاقته بها لا تشوبها شائبة. اما في حال اصرار السلطة التنفيذية المتمثلة بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على المشاركة في هذه المناسبة، فبامكان الرئيس السنيورة حكما المشاركة الى جانب الرئيس بري، مثلما كان يشارك السنيورة سابقا الى جانب رئيس الجمهورية. وهي فرصة لكسر الجليد بينهما، وفرصة تاليا، لاعادة وصل ما انقطع بين الموالاة والمعارضة، وربما تكون مناسبة لالتقاط طرف خيط يكون بداية لتفاهم داخلي، ان لم يؤد الى حل للازمة اللبنانية، يؤدي الى اتفاق على ادارتها بحكمة وإبعادها عن المنزلقات الخطيرة التي تحفّ بها.