الوفد: 15/5/2009 كما فى دول الخليج العربى، أخذ المد الهندى والآسيوى عموماً يزحف على مصر، بحثاً عن فرص عمل. وإذا كان هذا مسموحاً به فى الخليج بحكم أنها بلاد بترولية، وتنفذ برامج للتنمية.. دون وجود كثافة سكانية وطنية هناك فانه غير مألوف ولا مسموح فى مصر.. حيث البترول يكاد يسهم فى برامج التنمية.. وحيث كثافة سكانية كبيرة.. بل وهائلة.. إيه الحكاية؟! الحكاية ببساطة أن قطاع النسيج الذى يعمل به مليون مصرى، وفيه أكثر من ثلث العمالة المصرية، وهو قطاع له تاريخ منذ أدخل محمد علي باشا المصانع الحديثة فى مصر.. ومنذ نجح طلعت حرب فى تطويره.. هذا القطاع يحتاج الآن إلى عمالة متدربة. قادرة على الوفاء بما تطلبه المصانع الحديثة من عمالة.. ** ولكن للأسف هذا القطاع ومصانعه الحديثة، سواء بالأموال المصرية أو بالاستثمارات الأجنبية لا يجد احتياجاته من بين العمالة المصرية.. وفى الوقت الذى يشهد فيه هذا القطاع عمليات طرد بين عمالة »القدامى« ولو تحت بند »المعاش المبكر« فان سوق العمل الوطنية عجزت عن تدريب عمال مصريين، وفق عمليات التحديث الحديثة.. فلا مشروعات لتدريب المصريين، ولا معاهد أو مراكز تأهيل.. أو حتى ليلائموا المطلوب.. وبالتالى فانه إزاء نقص العمالة المدربة المصرية لجأت مصانع عديدة إلى »استيراد« ما تحتاجه من عمالة مدربة وجاهزة. ** وهكذا وجدنا أكثر من 150 ألف عامل هندى وآسيوى يعملون الآن فى مصانع النسيج الجديدة، وفى مصانع الملابس الجاهزة.. خصوصاً فى المدن الجديدة.. هذه المفاجأة ليست من عندنا.. ولكن هذا ما صرح به محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية باتحاد الصناعات. بل وقال إن هذا الاعتماد على العمالة الأجنبية راجع إلى فشل منظومة التعليم الفنى فى تخريج عمالة مصرية مؤهلة.. وقال ان نحو 180 مصنعاً تركياً بمدينة برج العرب تستعين بالعمالة الآسيوية المدربة.. مقابل أجر شهرى فى حدود 200 دولار.. بينما الحد الأدني للأجور فى تركيا هو 600 دولار.. ** فهل انتهت أسطورة ميزة انخفاض الأجور فى مصر التى كانت تشجع على اقامة الصناعات فيها.. أم أن مشاكل العمالة المصرية التى لا تأخذ حقها وراء بحث رجال الأعمال عن العمالة الأجنبية. رغم اننا نتساءل عن سر إقدام رجال الأعمال الأتراك على انشاء صناعات لهم فى مصر.. وهل هو أن الأجور فى تركيا عالية بحكم قرب تركيا من أوروبا.. وأسعارها.. المهم هنا أن المصانع الجديدة فى مصر لا تجد ما تحتاجه من عمالة مصرية لسبب وحيد هو انخفاض المستوي التدريبى والتأهيلى بينهم. أو بسبب عدم وجود مراكز تدريب كافية وقادرة على توفيرها.. أم يا ترى السبب مشاكل عمال مصر؟! ** إن غزو العمالة الهندية لمصانعنا ومعها عمالة بنجلاديش يجعلنا ندق ناقوس الخطر.. فالهند فيها 1200 مليون شخص وهناك يعرفون كيف يعدون عمالتهم ويدربونها.. ويعرفون بالضبط ما تحتاجه أسواق العمل الخارجية، حتى ولو كانت فى مصر. وبنجلاديش أيضاً فيها 140 مليون نسمة أى ضعف سكان مصر.. وإذا كانت صناعة النسيج هناك قد تقدمت كثيراً.. وان منتجاتها من الملابس الجاهزة تغزو العالم الآن فان ذلك يجعل رجال الأعمال يبحثون عن العمالة الجيدة أينما وجدت.. فرأس المال لا وطن لهم. والسوق أمامهم ومصالحهم وراءهم.. يستوردون ما هو متاح حتى ولو كان من بلاد واق الواق!! **وهذا يعنى أن ليس أمامنا الا أن نضع برنامجاً تدريبياً كبيراً يبحث أولاً احتياجات السوق، حتى ولو كان سباكاً.. ويغرى الصبية والشباب على دخول هذه البرامج، بأقل الأسعار.. لنوفر للسوق ما تحتاجه.. وأن نقول لهم إن مصر فيها الملايين ممن يحملون المؤهلات العليا ولا عمل لهم.. فالأفضل هو الآن العمل الفنى. وهى طبقة اعتمدت عليها الدول الصناعية الكبرى.. أما نحن فأصبحنا عبيد المؤهل الذى لا يوفر لحامله الرغيف الحاف.. ** وأعتقد أن أمام الحكومة الآن مهمة وطنية لإحياء نوع من التعليم الفنى الحديث.. وأن يقوم ذلك على دراسة تطور نوعية العمل والعمالة فى مصر وإلا فسوف نفاجأ ذات صباح بكل مصانعنا تتكلم هندى.. أو أوردو.. أو بنغالى.. وربما ماليزى أو اندونيسى.. فهذه هى الدول التى تتقدم من الآن فى عالم صناعة الغزل والنسيج.. واسألوا الأسواق بل اسألوا كبار منتجى الملابس الجاهزة الآن فى مصر. ** الحقوا.. قبل أن نتحول إلى خليج.. ولكن بدون بترول!!