مشكلة حدودية معقدة صمود الغجر أمام الغزاة إعداد: د. هند بداري الغجر.. قرية صغيرة على مثلث الحدود السورية اللبنانية الإسرائيلية، ظلت سنوات طويلة منسية بسبب موجات الغزاة المتعاقبة التي عرقلت تنمية مواردها الطبيعية عبر التاريخ، وآخرها موجة الاحتلال الإسرائيلي، الذي حولها إلى منطقة عسكرية مغلقة. ورغم اشتهار أهلها بالصمود والتحدي، إلا أنهم تفرقوا بين شطريها بسبب الخط الأزرق الذي رسمته الأممالمتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 بين حدود البلدين، بحيث أصبح ثلثها الشمالي لبنانياً وثلثيها الآخرين تابعين للجولان، التي احتلتها إسرائيل. ثم عاودت القوات الإسرائيلية السيطرة على كل القرية بعد حرب يوليو/ تموز 2006. إلا أن بارقة أمل في تحرير شمال القرية وتطويرها تجددت مع التحركات الدبلوماسية المكثفة التي شهدتها الأيام الأولى من مايو/ أيار2009 بين المسئولين الإسرائيليين واللبنانيين والأممالمتحدة، لبحث تفاصيل عملية الانسحاب الإسرائيلي. وفي السياق نفسه، نشرت صحيفة "ها آرتس" الإسرائيلية أنها حصلت على تفاصيل خطة قدمها قائد قوات الطوارىء الدولية في جنوب لبنان "يونيفيل" إلى إسرائيل، تنص على ترتيبات أمنية جديدة في حال انسحابها من شمال "الغجر" وتسليمها لقوات "اليونيفيل". وتشير الخطة إلى نشر طوقين من الجنود داخل وخارج القرية، تربط بينهما بوابة في الطرف الشمالي للقرية، تراقبها قوات الطوارئ، يمر منها رجال "اليونيفل" وضابط اتصال لبناني موجود مع القوات داخل القرية، بالإضافة للمركبات التي سيتم تفتيشها. ومن مهام الجنود الأساسية تنفيذ قرار وقف إطلاق النار، والمحافظة على النظام العام، وحرية التنقل، وجمع الأدلة في الحوادث الجنائية. "بنيامين نتنياهو" وذكرت الصحيفة أن الولاياتالمتحدة تضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" للانسحاب من قرية الغجر، باعتباره بادرة حسن نية تجاه رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، وقد تدعم المعتدلين في لبنان قبل الانتخابات العامة المقبلة في 7 يونيو/ حزيران 2009، لكن "السنيورة" نفى هذه التقارير الصحفية الإسرائيلية. وقال إنه يجب على إسرائيل أن تنسحب بلا شروط من شمال القرية طبقاً لقرار الأممالمتحدة رقم 1701 الذي أنهى الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني في 2006. وقد أبدى "نتنياهو" بالفعل تأييده لانسحاب الجيش الإسرائيلي من شمال قرية الغجر المقسمة - حسب الإذاعة العسكرية الإسرائيلية - غير أن بعض المحللين لا يتوقعون الانسحاب الإسرائيلى من "الغجر" قبل الانتخابات البرلمانية اللبنانية بسبب "صعوبات قانونية"، منها أن سكان القرية نالوا الجنسية الإسرائيلية، بمن فيهم سكان الشطر الشمالي للبلدة، وقد يقدم بعضهم استئنافاً أمام المحكمة العليا رفضاً لتنفيذ الانسحاب. موقع استراتيجي في قلب الطبيعة قرية الغجر تحظى قرية الغجر بموقع استراتيجي في قلب الطبيعة بين الأنهار والجبال والمزارع، يشير إلى أهميتها التي جعلتها مطمعاً للمحتلين عبر العصور، حيث تقع القرية على الجهة الشرقية لنهر الحاصباني، وعلى السفوح الغربية لجبل الشيخ في هضبة الجولان السورية، على ارتفاع يبلغ 310 أمتار عن سطح البحر. وتتبع إداريا "ناحية مسعدة" وفق التقسيم الإداري السوري قبل الاحتلال الإسرائيلي عام 1967. كما يحدها من الشمال أراضي المجيدية والماري اللبنانية المعروفة ب"أراضي الشيخ نجيب قيس"، ومن الجنوب أراضي "شوقا الفوقا" حتى الجسر الرومي، وهي قريبة من مستعمرتي "دان" و"دفنه" الإسرائيليتين، ومن الشرق أراضي "النخيلة" وجبل الشيخ، ومن الغرب نهر الحاصباني. وتقدر مساحة القرية المأهولة بالسكان بحوالي 500 دونم، وتزيد الأراضي التابعة لها عن 12000 دونم. (الدونم = 1000 متر مربع). وأغلب سكانها من أبناء الطائفة الإسلامية الشيعية "العلوية" الذين هاجروا إليها من شمال سوريا أيام السلطان العثماني سليم الأول، بعد معركة "مرج دابق" قرب حلب عام 1516 بين المماليك والعثمانيين. وقد ظهر اسم القرية بين التجمعات السكانية السورية في الإحصاء السكاني لعام 1960، والذي أشار إلى 11 مزرعة من مزارع شبعا كمزارع تابعة للقرية. وسجلت السلطات السورية في ذلك الإحصاء 620 نسمة في قرية الغجر (ما عدا سكان المزارع). وكان عدد سكان القرية عام 1967 نحو 650 نسمة، نزح منهم إلى سوريا 300 نسمة، وذلك بعد أن رفضت السلطات اللبنانية استضافة لاجئين سوريين على أراضيها. والآن وصل عدد سكان القرية نحو 2700 نسمة، يعمل معظمهم خارج القرية وبعضهم في التجارة أو زراعة المحاصيل الصيفية والشتوية، بل إن بعض الفلاحين يعملون رغم مصادرة الأراضي على زراعة أشجار الزيتون والخوخ، حيث تمكنوا من حفر الآبار لريها رغم معارضة السلطة الإسرائيلية لذلك. وقبل عام 1967 كانت القرية تصدر المحاصيل الزراعية والفواكه والحمضيات إلى الأسواق السورية. ثروة مائية أنهار القرية تعتمد القرية على الثروات المائية لنهري الوزاني والحاصباني، ومصدر المياه الرئيسي في القرية هو "نبع الغجر" الموجود في الضفة الشرقية للحاصباني، على بعد حوالي 15 متراً عن نهر الوزاني. ويحصل سكان القرية على مياه الشرب بواسطة مضخات على مياه النبع متصلة بخزانات داخل القرية. ويعد الجيش السوري أول من قام بمشروع تركيب المضخات على "نبع الغجر" حين بنى عام 1961 غرفة المحرك، الذي كان يضخ المياه في ساعات معينة لتوفير مياه الشرب لسكان القرية. وقد وضع السكان مضخات على نبع الوزاني بالجهود الذاتية في موسم جفاف مر على القرية لزيادة مياه الشرب في خزان الماء الموجود في الجهة الشرقية. ويشكل جبل الشيخ شرق القرية مصدرا أساسيا للمياه الجوفية والسطحية في منطقة تمتد عشرات الكيلو مترات، وذلك بسبب غزارة الأمطار وكثافة الثلوج. وينبع من سفوحه العديد من الأنهار والينابيع دائمة الجريان. وتميزت منطقة سفوحه الجنوبية بزراعة الأشجار المثمرة، بسبب الموقع المرتفع وتوافر المياه. والاسم الحقيقي لقرية الغجر هو "طرنجة"، وقد غير اسمها الأكراد الذين سيطروا على أراضيها (بتسميتها نسبة إلى نبع الغجر) قبل أكثر من 200 عام، بأمر من الباب العالي العثماني. وقبل عدوان يونيو/ حزيران 1967، اتفق أهالي القرية مع السلطات الوطنية السورية على تغيير اسم القرية إلى قرية "المثلث"، لأنها تقع في زاوية الحدود اللبنانية السورية الإسرائيلية. وتضم القرية عدة قبور لأولياء الله الصالحين، منها مقامات يرجع بناؤها إلى مئات السنين، مثل أضرحة (سيدنا الأربعين، الشيخ مهنا "شرقي القرية "، الشيخ صفا و الشيخ محمد "جنوبي القرية"، الشيخ محمد العجمي "وسط الحارة الجنوبية"، والشيخ المختفي غربي القرية). مجلس القرية مضافة القرية شهدت القرية تشكيل عدة مؤسسات رسمية منها مجلس منتخب عام 1975، يرأسه مختار القرية "العمدة" أبو حسن سلمان خطيب. ويقوم المجلس بتأمين احتياجات القرية، وقد أنجز مشروعات كثيرة أهمها شق الطرق وتوسيعها، وإقامة مدارس وملاعب لكرة القدم. أما بيت الجميع المعروف "بالمضافة"، فيعد من أبرز إنجازات أبناء قرية الغجر للحفاظ على هويتهم وتدعيم نسيجهم العائلي والوطني أمام القيم والعادات الأجنبية التي تغزو الجولان. ويجمع هذا المبنى أبناء القرية على اختلاف أعمارهم بصفة دورية. وقد بناه السكان عام 1981 قرب المضافة القديمة المبنية من الحجر السوري الأسود، بالجهود والخبرات الذاتية من خلال التبرع بمبلغ شهري من كل مواطن، وكان الجميع يعمل كل حسب دوره وإمكانياته وتخصصه. مشكلة حدودية معقدة قرية الغجر على مثلث الحدود ويمثل الوضع السياسي لقرية الغجر وسكانها مشكلة معقدة بين كل من سوريا ولبنان وإسرائيل، فعندما تم رسم الحدود بين سوريا ولبنان وقعت القرية على مثلث الحدود دون توضيح السيادة عليها، حيث ظلت منطقة الجولان داخل الحدود السورية عند رسم الحدود الدولية في 1923 استناداً إلى اتفاقية "سايكس بيكو" - التي قسمت العالم العربي - بين بريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية الأولى. وبعد تأسيس سلطة الانتداب الفرنسي على بلاد الشام، قررت فرنسا تقسيم منطقة الانتداب إلى وحدتين سياسيتين (سوريا ولبنان)، واعتبرت الجبال الواقعة شمالي الجولان (جبل روس، وجبل الشيخ، وغيرهما) الحدود بين البلدين، لكن السلطات الفرنسية لم ترسم الحدود بين سوريا ولبنان بدقة لاعتبارها حدوداً داخلية، مما أثار المشاكل بين البلدين عندما استقلت كل منهما عن فرنسا، وما زالت هذه المشاكل قائمة في منطقة مزارع شبعا وقرية الغجر، التي بقيت حتى حرب الأيام ال6 في يونيو/ حزيران 1967 تحت إدارة سوريا، وحصل سكانها على الجنسية السورية. صمود الغجر أمام الغزاة وقد صمد أهالي قرية الغجر أمام أطماع الغزاة عبر التاريخ، سواء قبل عدوان يونيو/ حزيران 1967 مثل ممارسات الاحتلال التركي والاستعمار الفرنسي، الذي قتل وشرد العشرات من سكانها. ومنذ 1982 حصل أغلب سكان القرية على الجنسية الإسرائيلية، واعترفت إسرائيل بالقرية كمجتمع سكاني إسرائيلي في محافظة الشمال التابعة لها. وفي 2000، قررت الحكومة الإسرائيلية سحب قواتها من الجنوب اللبناني بموجب القرار 425 الصادر عن مجلس الأمن، ولهذا طلبت من الأممالمتحدة رسم الحدود الفاصلة بين أراضيها والأراضي اللبنانية بما فيها الحدود بين الجولان ولبنان، فقسمت لجنة ترسيم الحدود الدولية قرية الغجر بالخط الأزرق إلى نصفين استناداً لخرائط الانتدابين البريطاني والفرنسي عام 1923، بحيث يتبع الشطر الشمالي لبنان ويظل الشطر الجنوبي جزءا من الجولان المحتلة. ومنذ تقسيم القرية، أقامت إسرائيل حولها الأسلاك الشائكة والحواجز الحدودية، حيث أعلن الجيش الإسرائيلي أواخر أغسطس/ آب 2001 أن قرية الغجر منطقة عسكرية محظورة، بسبب ما وصفه حينئذ ب"استفزازات" حزب الله في المنطقة. ومنعت قوات الاحتلال دخول مواطني الجولان من سائرالقرى من خلال إقامة معبر حدودي دولي بين قرية الغجر وباقي الجولان المحتلة، بمن فيهم الأشخاص الذين يقدمون خدمات حيوية للقرية، وبالتالي أصبح السكان يعيشون مأساة بسبب قيود الدخول والخروج وصعوبة العمل وتأمين المستلزمات الغذائية وغيرها. القوات الاسرائيلية تحاصر القرية ثم احتل الجيش الإسرائيلى الشطر اللبناني من القرية بعد حرب يوليو/ تموز 2006، وهدم مقراً عسكرياً لحزب الله فيه، وحاصرها بسياج أمني وخندق لمنع تسلل مقاتلي الحزب إليها. مواقف أهالى القرية وأظهر أهالي القرية الكثير من المواقف الوطنية، حيث تعددت حالات المقاومة الفردية، واعتقال عدد من المواطنين وإصدار أحكام مختلفة عليهم. وكان سكان الغجر قد احتجوا على الخط الأزرق الذي رسمته الأممالمتحدة بعد الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان في مايو/ أيار 2000، واعتصموا في خيام نصبوها على مدخل القرية لمدة 5 أشهر متتالية لمنع ترسيم الخط. وجاء موقف أهالي الغجر متسقاً مع المواقف الرسمية لسوريا، والرافضة للمخطط الإسرائيلي لإعادة نصف القرية الشمالي إلى لبنان، حيث أكد نجيب خطيب الناطق الرسمي بلسان أهالي الغجر إجماع السكان على رفض ذلك لأنه يزيد من معاناتهم ويمس بالسيادة السورية لأن قرية الغجر كانت سورية قبل عام 1967. كما أن تراخيص بناء المنازل في "الغجر" صادرة عن وزارة الداخلية السورية - محافظة القنيطرة، التي كانت قبل 1967 المركز الإداري والتجاري لمنطقة الجولان. ويثبت الطابو التركي (سند الملكية) الذي صدر قبل 100 سنة أنها قرية عربية سورية كانت تابعة لمحافظة حوران قضاء القنيطرة بسوريا. ومنذ عام 1922 بدأت سوريا إجراء التعداد الإحصائى للسكان بسجل وثائقى يسمى "النفوس" في "القنيطرة". كما أن رخص البناء والمستندات الرسمية لسداد الضرائب على الأراضي والممتلكات منذ عام 1941 مختومة بالختم السوري، بل كانت جميع المعاملات والسجلات الرسمية تتم في دمشقوالقنيطرة. وكان شبابها يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش العربي السوري، منذ فرض التجنيد الإجباري حتى عام 1967. ويعيش حاليا أهالي قرية الغجر حالة قلق من المستقبل المجهول ولا يمانعون في إعادة القرية للسيادة اللبنانية مؤقتاً، شريطة أن تعاد بكامل أراضيها بدلا من تمزيقها بين دولتين، إلا أن الأممالمتحدة تتجاهل مواقف السكان حيال مخطط تقسيم "الغجر". وحتى الآن يترقب العرب بوجه عام وأهالي القرية بوجه خاص نتائج المفاوضات بين قادة "اليونيفيل" وكل من إسرائيل ولبنان من أجل حسم مصير أهالي هذه القرية العربية.