شهدت انتخابات أوروبا، التي تعتبر معقل الرأسمالية، تقدم للفكر اليساري في مقابل اليمين والوسط، حيث فاز الحزب الاشتراكي في الانتخابات العامة باسبانيا بحصوله علي 44 % من الاصوات، وهو ما انسحب علي فرنسا اذ تقدم الحزب اليساري المعارض في الجولة الاولي من الانتخابات المحلية حاصدا 47 % من الاصوات، وعزز من موقف الاشتراكيين اللعب علي وتر الركود الاقتصاد وارتفاع معدلات البطالة خاصة مع تفاقم أزمة الرهن العقاري والتي ادت الي تعثر عدد من المؤسسات المالية الكبري. ففي اسبانيا، حسم الحزب الاشتراكي الحاكم الانتخابات العامة التي جرت الاحد 9/3 لصالحة، ورغم تركيزه علي الاصلاح الاقتصادي في حملته الدعائية الا انه لم يحصل على الاغلبية المطلقة التي قد تساعده على العمل بشكل اسرع للتخفيف من تباطؤ الاقتصاد. وتعهد خوسيه لويس رودريجيث ثاباتيرو رئيس الوزراء الاسباني أمام آلاف من انصاره المهللين والملوحين بالاعلام الحمراء امام مقار الحزب الاشتراكي بأن يحكم لصالح كل الشعب خاصة الفقراء الذين لا يملكون شيئا. في ظل عدم حصول ثاباتيرو علي الاغلبية المطلقة فعليه ان يقيم تحالفات دقيقة ليتمكن من الحكم على الارجح مع القوميين. وحسّن الحزب الاشتراكي الاسباني نتائجه في ختام العملية الانتخابية الاحد حاصدا 169 مقعدا نيابيا اي اكثر بخمسة مقاعد مقارنة بالعام 2004. وفشل الحزب الاشتراكي في تسجيل فارق كبير عن منافسه الرئيسي الحزب الشعبي (يميني) بزعامة ماريانو راخوي الذي زادت كتلته النيابية بخمسة نواب ايضا (153 نائبا) بنتيجة انتخابات تميزت بتزايد نظام القطبين الذي يطبع الساحة السياسية الاسبانية. ساركوزي يدلي بصوته في الانتخابات المحلية وفي فرنسا، شهد اليوم نفسه خسارة حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية بزعامة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للجولة الاولى من الانتخابات المحلية الفرنسية وبالرغم من ذلك فإن الخبراء يقولون إنه نجا من هزيمة ساحقة كانت متوقعة له علي نحو كبير. يأتي ذلك بعدما حث الزعماء اليساريون انصارهم على المشاركة بقوة في الانتخابات وتحويل المكاسب المبدئية الى فوز في صناديق الاقتراع، ووصف الزعيم الاشتراكي فرنسوا هولاند تلك الانتخابات بأنها تمثل تحذيرا للحكومة اليمينية وللرئيس ساركوزي، فيما يري أن كل الخيارات مازالت مطروحة ولم يحسم النصر بعد. من جهتها، اعتبرت سيجولين رويال، المرشحة الاشتراكية السابقة إلى الانتخابات الرئاسية التي لم يحالفها الحظ أمام ساركوزي، أن هذه الدورة من الانتخابات البلدية "عقوبة للسلطة" داعية ناخبي اليسار إلى البقاء معبئين للدورة الثانية. وتعد الانتخابات المحلية أول اختبار انتخابي رئيسي لساركوزي - الذي ينتمي ليمين الوسط- منذ وصوله الى السلطة قبل عشرة اشهر كما تأتي في وقت تراجعت فيه معدلات شعبيته. وعلى الرغم من انتخابه بناء على تعهد باصلاح الاقتصاد يشعر ناخبون كثيرون بانه لم يحمهم من تكاليف المعيشة الآخذة في الارتفاع، معللين ذلك بإنشغاله اكثر مما يجب بحياته الشخصية خاصة زواجه من نجمة البوب كارلا بروني بعد قصة حب سريعة. وفاز اليسار ب47% من الأصوات مقابل نحو 45% لليمين، وقدرت نسبة الإقبال على التصويت 61 % تقريبا مقابل 67.29 % في الدورة الاولى من الانتخابات البلدية العام 2001. وعلى المستوى الوطني حصلت الاحزاب اليسارية على 47.94 % من الاصوات الأحد واحزاب يمين الوسط على 45.49 % مع ارتفاع نسبة المشاركة الجماهيرية نسبيا حيث بلغت نحو 65 في المئة. وبعد احتفاظ الاشتراكيون بالسيطرة على ليون - ثاني اكبر مدن فرنسا- من المنتظر أن يحتفظوا بالسيطرة على العاصمة باريس بعد الجولة الثانية التي تجري في 16 مارس . وعلي الساحة الألمانية، ألقى صعود نجم حزب اليسار في الانتخابات المحلية بظلاله على المشهد السياسي، إذ اُجبر الأحزاب الأخرى على التفكير في تحالفات لم تكن متوقعه، الأمر الذي تسبب في أزمة داخل مازالت تداعياتها قائمة. يساريون يحتفلون بنصرهم فقد أسفرت نتائج الانتخابات في ثلاث ولايات ألمانية عن صعود اليسار، بعد تخطية للحد الأدنى من الأصوات الذي يمكنه من الدخول إلى البرلمان، في الوقت الذي لم تحصل الأحزاب السياسية الكبرى على الأغلبية اللازمة لتشكيل حكومة بشكل منفرد أو مع شركائها التقليدين، الأمر اجبر بعض الأحزاب، التي استبعدت بشكل قاطع التحالف مع حزب اليسار أثناء الحملات الانتخابية، إلى التراجع عن ذلك والتفكير، مما وضع تلك الأحزاب في حرج كبير أمام الناخبين وكاد الأمر أن يتحول إلى أزمة داخل تلك الأحزاب. فقد شهد الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة ميركيل الذي يتبني مبادئ يمين الوسط تراجعا ملحوظاً في حجم التأييد له في انتخابات الولايات الثلاث ، هيسن وسكسونيا السفلى وهامبورج. وفي الوقت الذي لا تحبذ فيه الأحزاب الألمانية التعاطي مع اليساريين، والنظر اليهم علي حد وصف تيم شبير، أستاذ العلوم السياسية في معهد أبحاث الأحزاب وحقوقها في جامعة دوسلدورف الألمانية، علي أنهم من بقايا ألمانياالشرقية، أو ما كان يعرف ب "جمهورية ألمانيا الديمقراطية"، استطاعت تلك الاحزاب أن تقوم بدور فاعل في عدد من دول غرب أوروبا كفرنسا وإيطاليا والسويد فقد كانت الأحزاب اليسارية في هذه البلدان جزءا من تشكيلة الحكومات ، في سبعينيات القرن الماضي كان للأحزاب الشيوعية حضور كبير في المشهد السياسي الأوروبي بشكل عام وكانت تتمتع بنجاح ملموس وقاعدة شعبية لا بأس بها مقارنة بغيرها من الأحزاب. يذكر، أن الأحزاب اليسارية في أوروبا متعددة الجذور والخلفيات والمنطلقات الأيدلوجية، ومع ذلك يمكن "وضعها في بوتقة واحدة"، كما يرى الباحث شبير، فقد كان جزء كبير من هذه الأحزاب في أصولها شيوعي، ومع انتهاء الحرب الباردة أخذت تحدث تغييرات في بنيتها السياسية وبرامج عملها لتتناسب ومتطلبات المرحلة. من ناحية أخرى نجد عددا آخر من الأحزاب اليسارية قد انفصل في وقت مبكر عن الأحزاب الشيوعية، حيث استطاعت أن تعيد تشكيل نفسها بطريقة معتدلة، تمكنها من مخاطبة قاعدة عريضة من الناس، فعلى سيبل المثال يحظي اليساريون في هولندا والسويد والدنمارك وفنلندا بتأييد كبير بين الناخبين. وعلي الجانب الآخر، يواجه اليسار في ايطاليا عثرات منذ تقديم حكومة رومانو برودى استقالتها، بعد 20 شهرا من الوصول لسدة الحكم، بسبب المشاكل الاقتصادية و ارتفاع تكاليف المعيشة، مع تجمد الرواتب، و غيرها من المشكلات الاجتماعية التى عجلت بانهيار حكومة اليسار. وتشهد الانتخابات الايطالية المقررة في 13 و14 ابريل /نيسان 2008 منافسة بين مرشح يسار الوسط وزعيم الحزب الديمقراطي فيلتروني ومرشح يمين الوسط ورئيس الوزراء الاسبق سيلفيو بيرلسكوني. نشاط الاحزاب اليسارية علي مختلف اتجاهاتها في بلدان متفرقة من القارة الاوروبية يبعث علي التأمل في قول المؤرخ الروسي بوقامولوف بأن الإشتراكية فكر مقنع في جوهرة وإذا تعثرت ستتراجع لمائة عام ثم تصحو من جديد، فهل ستقتفي أثر القارة اللاتينية التي نمي فيها اليسار ليسيطر علي مقاليد الحكم.