المزادات.. ثقافة متعددة تحقيق: د. هند بداري "مجوهرات كوكب الشرق فى مزاد علني بدبي".. خبر أثار موجة صاخبة من الجدل وعلامات الاستفهام بين عشاق أسطورة الغناء العربي حول بيع مقتنيات قيمة لا يجوز المساس بها، أو عرضها لمن يدفع أكثر ، بدلاً من وضعها فى متحف يشهد على تاريخ مطربة كبيرة رحلت منذ عام 1975 م، ولاتزال أغانيها تشجى محبيها من المحيط الى الخليج. وقد باع مزاد دبي - في 28 أبريل/ نيسان 2009 - 3 قطع من مجوهرات كوكب الشرق "أم كلثوم" بمبلغ 118 ألف دولار. وتم خلال المزاد الذي حضره عدد كبير من الأثرياء العرب والآسيويين ونظمته دار "كريستيز"، بيع بروش من اللؤلؤ - كان هدية من شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي - بمبلغ 30 ألف دولار، وساعة نسائية مرصعة باللؤلؤ والألماس بمبلغ 7 آلاف و500 دولار، وطقم مصنوع من الزمرد واللؤلؤ والألماس بمبلغ 80 ألف و500 دولار. ولم يكن هذا المزاد هو الأول من نوعه، بل أقيمت مزادات سابقة بالدول العربية خلال السنوات الأخيرة لبيع مجموعة قيمة من مقتنيات "أم كلثوم"، مثل المزاد الخيري الذي نظمته قناة ال(art) على مقتنياتها حيث تم بيع منديلها الذي تمسكه في يدها خلال حفلاتها الغنائية ونظارتها السوداء بنحو 5.5 مليون دولار. وقد أكد الخبراء والمسئولون أن المجوهرات والممتلكات المادية الخاصة بأي شخصية شهيرة كما هي لغيرها حق للورثة وتحت تصرفهم بالبيع أو التبرع أو الإهداء كيفما شاءوا. ميراث شخصى أم تراث فنى ؟ د.صلاح المليجى وقال الدكتور صلاح المليجي رئيس الإدارة المركزية للمتاحف والمعارض بوزارة الثقافة - في تصريح خاص لموقع أخبار مصر www.egynews.net - إن المجوهرات والسيارات والأنتيكات والأجهزة تعتبر من المقتنيات الخاصة التي تدخل فى نطاق الميراث الشرعي طالما لم يتم تسليمها إلى متحف كوكب الشرق واحتفظت به العائلة لأفرادها، وما يضفي الشرعية على هذا الحق أن المقتنيات المعروضة للبيع في المزاد عبارة عن مجوهرات وهدايا من رؤساء وملوك عرب، وبالتالى يمكن بيعها بهدف الربح سواء في مزاد أو لأحد التجار طالما لم تصنف رسمياً كتراث. وأشار الى أن مسألة الإشراف على المزادات بمصر تخضع إلى صندوق التنمية الثقافية المعني بالحفاظ على التراث الفني والثقافي وتخصيص عائد البيع لصالح إثراء الإنجازات الثقافية، إلا أن المزاد مقام خارج البلاد. ويتفق معه أحمد فودة المشرف على المتاحف القومية بوزارة الثقافة، الذي يرى أن المصوغات وغيرها من مقتنيات شخصية تتحول إلى ميراث مالي يمكن لأفراد الأسرة عرضه للبيع، و ليس من حق وزارة الثقافة التدخل أو فرض سيطرتها على عملية البيع طالما أنه لا يتعلق بأشياء تدخل فى نطاق التراث الفني أو الكنوز الثقافية القومية مثل التسجيلات الغنائية والأفلام والوثائق الفنية. وحتى في حالة رغبة الورثة في بيع جزء خاص من التراث الفني مثل اسطوانة موسيقية أو فيلم، فيمكنهم بيعه إلى وزارة الثقافة أو في مزاد دولي، ولهم أن يتبرعوا بنسبة من أرباح المزاد باختيارهم لصالح تجديد المتحف أو للأعمال الخيرية، فعلى سبيل المثال تولى ورثة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بيع مقتنياتهم بأنفسهم وتبرعوا بالعائد وقدره مليون و100 ألف جنيه لتطوير متحفه. وسبق أن تم تنظيم مزاد خيرى لمقتيات أم كلثوم من خلال قناة الart، وضم مقتنيات نادرة لعدد من الفنانين، منها ساعة يد عبد الحليم حافظ، وفستان ارتدته الفنانة سعاد حسني في فيلم «المتوحشة» بيع بنحو 10 آلاف جنيه. أما فيما يتعلق بالمزادات الفنية التي تنظمها وزارة الثقافة، فتعتمد على عرض نسخ مقلدة من لوحات أو صور قيمة بصالات البيع، على أن يوجه عائدها لصالح الوزراة والحفاظ على التراث الثقافي الأصيل. ويمكن لعشاق "كوكب الشرق" زيارة متحفها بقصر المانسترلي التاريخي الذي افتتحته السيدة سوازن مبارك قرينة الرئيس المصري في 28 ديسمبر/ كانون الأول 2001 م بجزيرة الروضة بالقاهرة على نهر النيل. ويضم المتحف "فتارين" لعرض مجوهرات "أم كلثوم" وأوسمتها وأوراقها الخاصة ومتعلقاتها الشخصية. ويشتمل على مكتبة سمعية بها العديد من أغانيها النادرة وتسجيلاتها فى الحفلات وأغاني الأفلام. كما تحفل مكتبة أخرى بأبحاث وكتب ثقافية واجتماعية وسياسية عن مسيرة كوكب الشرق الفنية وحياتها الشخصية، ودوريات عنها مفهرسة ومبرمجة بأحدث الوسائل العلمية لخدمة الباحثين والمهتمين بتراث الأغنية العربية. فساتين كوكب الشرق هذا غير مجموعة من شرائط لبروفات الأغاني، والمسودات الأولى للأغاني، مدون عليها تعديلات بخط يد أم كلثوم. ومن بين المقتنيات ملابسها ونظاراتها الخاصة وفساتينها وعدد من المعاطف - التي لا تزال تحتفظ بألوانها ورونقها - وأحذية فاخرة من الجلود القيمة بعضها مرصع بالأحجار الكريمة، مهداة إليها من بعض الدول العربية، وعدد كبير من من الوثائق والصور التي تشير إلى علاقتها بالكثير من الشخصيات الهامة مثل أمير الشعراء أحمد شوقي والزعيم سعد زغلول ومصطفى النحاس، وكثير من الملحنين والمطربين مثل رياض السنباطي ومحمد عبد الوهاب والقصبجي وبيرم التونسي. ويرى بعض الكتاب والمسئولين أنه كان من الأفضل تحويل فيللا أم كلثوم بشارع أبو الفدا بحي الزمالك إلى متحف، لكنها هدمت وأقيم محلها فندق وبرج سكني، بعدأان رفض ورثتها تحويلها إلى متحف خاص بها. نظارة أم كلثوم من جهته، طالب الدكتور أحمد سعد أستاذ القانون المدني بكلية الحقوق جامعة بني سويف بأن تحافظ وزارة الثقافة على التراث بجميع صوره، ويتم إصدار قرار من رئاسة الوزراء بمنع بيع المقتنيات التراثية، وتحديد الخطوط الفاصلة بين ما هو تراث وما يعد مقتنيات خاصة. وأكد د. سعد حق الورثة في التصرف بالميراث المادي البعيد عن الكنوز الفنية كالأثاث والأجهزة والإكسسوارات، بل إنهم يتمتعون بحق الأداء العلني واستغلال الإنتاج الفني لمدة 50 سنة حسب قانون الملكية الفكرية رقم 82 لعام 2002 م. ووفقا للمادة (166) من القانون، يتمتع فنانو الأداء بحق مالي في مجال أدائهم على النحو المبين في المادة (156)، وذلك لمدة 50 سنة تبدأ من تاريخ الأداء أو التسجيل، ويمتد هذا الحق إلى ورثتهم. وحسب المادة (167)، يتمتع منتجو التسجيلات الصوتية بحق مالي في مجال استغلال تسجيلاتهم على النحو المبين فى المادة (157)، وذلك لمدة 50 سنة تبدأ من تاريخ التسجيل أو النشر أيهما أبعد في الحدود المنصوص عليها بالقانون. كما أن هناك كتالوجات عالمية تنظم مسألة طرح مقتنيات المشاهير للبيع في مزادات علنية، لكن المصالح تتدخل عادة. وبوجه عام، شهد العالم مزادات مماثلة لمقتنيات مشاهير مثل بيع مقتنيات من غرفة نوم نابليون بنحو 1250 جنيه استرليني في مزاد بلندن عام 2003م. وفي الصين بيع إبريق شاي من البورسلين يحمل غطاءً فضياً كان ملكاً لملكة بريطانيا الراحلة إليزابيث الأولى بأكثر من مليوني دولار في المزاد العلني الذي نظمته دار سوثبي بهونج كونج. المزادات.. ثقافة متعددة وقال فاروق عبد العزيز أحد الخبراء المثمنين في المزادات بمصر إن ثقافة المزادات صعبة ومعقدة، فهي تشكل عالما خاصاً جدا وزبائنها لهم أيضا خصوصية. ومن هنا يصعب تفسير توجهات أصحاب المقتيات الثمينة ومتى يفضلون تنظيمها بمصر أو خارجها، ولكن من المنطقي أن تؤثر التقلبات الاقتصادية على رواج المزادات، فأزمة السيولة تقلل إقبال الجمهور علي شراء التحف الثمينة، ويعتبر الإقبال على هذه المقتنيات ترمومتراً لقياس نسبة الانتعاش الاقتصادي في أية دولة. وهناك سبب آخر، هو عقدة الخواجة التي تدفع الناس لاشعوريا إلى البيع خارج بلادهم، خاصة أن دبي مدينة تجارية بها زائرون من جنسيات متعددة. والأهم أن المزاد تنظمه دار عالمية متخصصة تحقق أرباحاً طائلة وعادة ما يكون المتنافسون من المليونيرات، وهناك بعض المترددين بهدف الفرجة فقط. وتعد مزادات الفنانين ظاهرة جديدة في العالم العربي، مع أنها من الأمور العادية منذ سنوات بعيدة بالنسبة لنجوم ونجمات أمريكا وأوروبا، ولكن فارق الثقافات والعادات يجعل العادي في الغرب غير مألوف أحيانا في الشرق. وأضاف الخبير فاروق عبد العزيز أنه طبقا للقانون 100 لسنة 1957 م الذي ينظم إجراءات البيع، تعرض صالات المزادات الأشياء المنقولة المستعملة، وبالتالي تخرج من هذا النص القانوني الأشياء الجديدة والعقارات والأراضي، وتنعقد مساومات البيع تحت اشراف وزارة التموين والتجارة الداخلية، أو التضامن الاجتماعي حاليا، ولاتشرف وزارة الثقافة على المزادات إلا إذا كان بها تراث ثقافي مثل الاسطوانات والأعمال الفنية والصور التاريخية، لكن يمكن للوزارة أن تستعيد هذه المبيعات إذا رغبت من خلال شرائها مثلاً. و قد تتضمن الأشياء الموجودة في صالات المزادات تحفا مقلدة وغير حقيقية، لذا يقوم الخبير المثمن بالمزاد - إذا وجد حالة غش أو نصب - بإبلاغ مفتش الرقابة التجارية الذي يملك حق الضبطية القضائية التي تمكنه من التحفظ الفوري علي المقتنيات المزيفة. وهناك جمعية علمية مصرية للخبرة والتثمين والتصفية مشهرة برقم 1501 لسنة 1971 م. وأشار إلى أن المزاد مباراة ساخنة يديرها خبير محنك، ويدخلها أحيانا سماسرة وتجار. يذكر أن الإيطاليين هم أول من أدخلوا المزاد إلي مصر في الثلاثينيات من القرن ال20، حينما كانوا يبيعون مقتنياتهم الثمينة أمام المقاهي الشعبية في أحياء الحسين والعتبة والسيدة زينب، ولهذا فإن كل المصطلحات المستخدمة في المزادات إيطالية، ولعل أشهرها كلمة "روبابيكيا" التي تعني الشيء القديم. وتعد مصر من أوائل الدول المنظمة للمزادات، حيث يعشق شعبها التحف والمقتنيات القديمة، تليها لبنان وبعض دول الخليج. ويقترب الذوق المصري من الذوق الفرنسي طراز لويس الخامس عشر والفازات والجاليري ذات الصناعة الفرنسية. أصل كلمة تراث؟ يطلق لفظ التراث على إجمالي نتاج الحضارات السابقة التي يتم توارثها من السلف إلى الخلف، وهي محصلة تجارب الإنسان ورغباته وأحاسيسه، سواء أكانت في ميادين العلم أو الفكر أو اللغة أو الأدب، بل يمتد ليشمل جميع النواحي المادية والوجدانية للمجتمع من فلسفة ودين وفن وعمران وتراث فلكلوري واقتصادي أيضا. وكلمة تراث مشتقة من (ورث) التي تعني حصول الوارث على نصيب مادي أو معنوي ممن ورثه، حيث كان الأصل استخدام لفظ الميراث نيابة عن كلمة التراث. و مع تقدم العصور أصبحت كلمة (التراث) هي الأكثر شيوعا للتعبير عن تاريخ الأمة وحضاراتها وما وصل إلينا من الحضارات القديمة سواء أكان هذا التراث متعلق بالأدب أو العلم أو الفن. قلادة من عدة صفوف عقد من الشيخ زايد وقد أعلن ديفيد وارين رئيس قسم المجوهرات في دار كريستيز للمزادات أن أسرة كوكب الشرق قدمت المجوهرات للدار لتقيم عليها مزاداً علنياً، بعد أن باعت الدار في 2008 عقداً من اللؤلؤ أهداه الشيخ زايد آل نهيان مؤسس دولة الامارات لأم كلثوم، حيث بيع في دبي بمليون و385 ألف دولار، وهو رقم أذهل الحضور واللجنة المنظمة للمزاد، التي لم تكن تتوقع هذا الثمن الذي يعادل 10 أضعاف قيمته التقديرية التي تراوحت بين 80 ألف و120 ألف دولار أمريكي، مسجلاً أعلى سعر لمبيعات مزادات "دار كريستيز" من المجوهرات بمنطقة الشرق الأوسط. ويرجع تاريخ صنع العقد إلى عام 1880 م، ويضم عدة صفوف من اللؤلؤ ومطعم بأحجار كريمة. وبدأت المزايدة عليه بمبلغ 200 ألف دولار. وشارك فيها أثرياء من عدة دول خليجية وعربية وأوروبية وآسيوية. وأشار"وارين " إلى أن القيمة المبدئية التي ستبدأ بها المنافسة على المجوهرات تصل إلى 96 ألف دولار. وفي هذا السياق، قالت إيزابيل دو لا برير خبيرة بدار كريستيز رداً على تساؤل حول مدى ملائمة الأسعار المقدرة لمكانة "أم كلثوم" لدى الجمهور العربي إن الأسعار المقدرة للقطع تخضع لتقدير الخبير المثمن الذي يراعي في تقديراته القيمة المادية للخامات المستخدمة، أما تقدير القيمة المعنوية للقطع فيخضع لتقدير الجمهور. وأضافت أن القطع التي تعرضها الدار - بناء على تفويض من عائلة المطربة الراحلة - تستمد قيمتها من صاحبتها أكثر من المواد المصنعة منها. فعلى سبيل المثال، العقد الذي باعته الدار لكوكب الشرق عام 2008 لم تكن المجوهرات فيه من النقاوة أو الندرة التي تسمح بتحديد سعر مرتفع له، ولكن المزايدة الساخنة عليه بسبب مكانة صاحبته قفزت به إلى مبلغ مذهل. و بعيداً عن الجدل المثار حول هذا المزاد والسعر المتوقع لمجوهرات كوكب الشرق، تظل أغنيات أم كلثوم هي أروع وأغلي مقتنياتها، فكل أغنية من أغانيها تعد درة فنية. والأهم من الميراث والمجوهرات والممتلكات ما تركته من تراث فني راق مازال يطرب آذان ويثري وجدان كل الأجيال ويمتد تأثيره من مصر إلى شتى أنحاء العالم.