من سخريات القدر أنه بينما يحتفل العالم خلال العام الحالي2009 بمدينة القدسالمحتلة كعاصمة للثقافة العربية فإنه ما من يوم يمر دون أن تفقد المدينة جزءا ولويسيرا من هويتها العربية حيث يزحف أخطبوط التهويد عليها من كل جانب ويقضمها بسكانها قطعة قطعة. كما اوردت جريدة القدس الفلسطيني وبرغم المحاولات المستميتة لأهلها المقدسيين من مسلمين ومسيحيين وحتي اليهود المستنيرين للدفاع عن مدينة السماء وزهرة المدائن. فإن قدراتهم أضعف من أن تجعلهم يصمدون في مواجهة حملة التهويد التي لاتعدم وسيلة للتقدم, فتارة تنزع ملكية البيوت والأراضي, وتارة تشتري البيوت بالاحتيال وبالخيانة وتارة تقوم بإضعاف أساسات البيوت بالحفر تحت الأرض خلسة لتسقط علي رأس اصحابها. وبرغم أن اسم مدينة القدس مرتبط باسم المسجد الأقصي والذي يعني عند الناس كل ما يدور حوله السور الواقع في أقصي الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها ويشمل كلا من قبة الصخرة المشرفة( ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب منه والجامع القبلي( ذوالقبة الرصاصية السوداء) والواقع أقصي جنوبه ناحية القبلة. إلا أن زهرة المدائن القدس تضم نحو200 معلم ديني وأثري آخر تقع ضمن حدود الأقصي, ما بين مساجد وكنائس ومبان وقباب وأسبلة مياه ومصاطب وأروقة ومدارس وأشجار ومحاريب ومنابر ومآذن وأبواب وآبار ومكتبات. وتبلغ مساحة المسجد الأقصي حوالي144 دونما( الدونم=1000 متر مربع), ويحتل نحوسدس مساحة القدس المسورة وهوعلي شكل مضلع غير منتظم طول ضلعه الغربي491 م والشرقي462 م والشمالي310 م, والجنوبي281 م. وأما الحائط الغربي للأقصي الذي يسيطر عليه اليهود اليوم ويسمونه حائط المبكي, فهوالحائط الوحيد الذي يحمل اسما اسلاميا منذ فجر الدعوة الاسلامية وهوحائط البراق وأن هذا الحائط هوالذي قامت من أجله ثورة شعبية في عام1929 م سميت باسمه( ثورة البراق), وأنه من أجل هذا الحائط شكلت لجنة دولية عقب هذه الثورة وخرجت بقرارات قاطعة علي انه للمسلمين وحدهم تعود ملكية هذا الحائط. وتواجه القدس عدوانا آخر يتمثل في المحاولات الدائمة لتهويدها سكانيا أيضا فبعد أن نجحت إسرائيل في محاصرة المدينة العربية القديمة بحزام من المستعمرات اليهودية فإنها لاتألوجهدا في تهويد القدسالشرقية العربية. والحقيقة أن خطة الاستيطان الصهيوني وتهجير الفلسطينيين خاصة في القدس لم تبدأ مع عدوان1967 أومع الحكومات التي تعاقبت في الحكم في اسرائيل منذ عام1948. وبعد عدوان1967 تمسكت اسرائيل بمبدأ عدم العودة الي حدود4 يونيو1967 وامتزجت الحجج الأمنية بادعاءات اقتصادية ودينية. ولتثبت التوسع الإقليمي شرعت في وجود حقائق استيطانية بشكل مكثف في بعض المناطق العربية المحتلة. وتولت زرع ما يزيد علي تسعين مستوطنة جديدة مختلفة من حيث من الحجم والنوعية( مستوطنات زراعية وقري صناعية وقري صناعية ومراكز مدنية وبلدية ومعسكرات) وذلك لإزالة حدود ما قبل1967, ووصفت سياسة الزرع هذه بسياسة الضم الزاحف للأراضي العربية. وأخذت قضية الاستيطان في القدس والمنطقة المحيطة بها منذ عام1967 أهمية رئيسية. واتفقت جميع وجهات النظر في إسرائيل علي التمسك بالقدس وعلي ان عملية الاستيطان فيها انما تهدف الي جعل القدس يهودية لتصبح العاصمة الحقيقية لدولة اسرائيل. وذلك بالإتيان بربع مليون مهاجر يهودي جديد أوأكثر الي المدينة المقدسة, وامتداد الاستيطان الي ما وراء حدود القدس الحالية لتشمل دائرة تمر بحدود رام الله وبيت لحم والخان الأحمر ويوجد في منطقة القدس حاليا26 مستوطنة يهودية يقطنها نحو ربع مليون يهودي. وحاولت اسرائيل إضفاء الشرعية علي ما تنوي تنفيذه, فقام تيدي كوليك رئيس البلدية الأسبق بتشكيل لجنة استشارية باسم اللجنة الخاصة بالقدس من42 مهندسا وخبيرا من19 دولة مختلفة, بحجة ان للقدس معني خاصا يتجاوز حدود اسرائيل.. والمناطق التي يشملها المشروع تضم الاحياء العربية التالية: حي باب العمود, حي الشيخ جراح, واجزاء من احياء المصرارة وسعد وسعيد, باب الخليل وطريق يافا, ساحة الساعة والمنشية ومأمن الله, حي جمعية الشبان, المستشفي الايطالي, المسكوبية. وهي مناطق سكنية تاريخية تشكل امدادا للمدينة ويؤدي تغييرملامحها الي تشويه كامل للمدينة القديمة نفسها مع فرض إبقائها علي حالها. ولم تتوقف عملية التهويد علي المناطق الاسلامية بالقدس بل شملت ايضا المناطق المسيحية وادي ذلك لهجرة اعداد من المسيحيين القاطنين في حي النصاري وباب الجديد وباب الخليل وحي الأرمن. اذا كانت إزالة الاحياء القديمة كما حدث لحي المغاربة وحي الشرف والحي اليهودي قد توفقت مؤقتا بشكلها الأصلي فقد تواصلت بشكل آخر تلك السياسة من خلال تنفيذ ما يسمي مشروع الحزام الأخضر. أي إزالة الأحياء القديمة والمقابر التاريخية المحيطة بسور القدس لإنشاء حدائق مكانها. و تصاعدت عمليات التهويد بحيث ان المنطقة المحيطة بسور القدس( مثل سلوان, العيزرية, باب الخليل, باب العمود وجبل الزيتون) اعتبرت مناطق خاصة لا يجوز السكن فيها. ولإحكام هذا الربط ركزت اللجان الحكومية الإسرائيلية التي اسندت لها مهام تخطيط وتنفيذ الاستيطان علي بناء مستوطنات علي منطقة الهضاب وراء حدود القدس الحالية لتشمل دائرة تمر بحدود رام الله وبيت لحم والخان الأحمروتكون هذه المستوطنات القريبة خلفية للأحياء السكنية بحيث تتحول القدس العربية بأحيائها ذات الكثافة السكانية الي جزيرة صغيرة محاصرة' ببحر يهودي'.