لم تتوقف المسنة الكفيفة رضا عايش (80 عاماً) لحظة واحدة عن ترديد الآيات القرآنية التي قيل لها إنها تُردد في الحرب ووقت الأزمات والكرب، خوفاً من أي صوت يطرق مسامعها، لاسيما أصوات هدير الدبابات التي لا تبعد عنها أكثر من 500 متر، أو تحليق الطائرات التي لا تفارق سماء المنطقة الحدودية. واوردت صحيفة الأيام الفلسطينية ان المسنة عايش أو "أم هاشم" كما أحبت أن تطلق على نفسها تيمناً باسم والدها كونها لم تتزوج وتعيش مع 26 مسناً ومسنة في مركز الوفاء لرعاية المسنين بالقرب من الحدود الشرقية لمدينة غزة، وصفت حالة الرعب والخوف الشديدين التي انتابتها مع جميع المسنين أوقات الحرب والعدوان على غزة. وقالت: إنها أيام عصيبة ومن أصعب أيام حياتي لأنني لا أرى أي الأماكن أو الزوايا أكثر أمناً من غيرها، ولا أرى المكان الذي سقطت فيه القذائف، بل كنت أحس وأسمع صوت الشظايا والزجاج المتطاير وهو يسقط علي وأنا منكفئة على وجهي ومحتضنة مخدتي. أم هاشم التي التقتها "الأيام" في غرفتها بالمركز، ارتعدت خوفاً جراء سماعها صوت انفجار إطار سيارة شحن كبيرة كانت قادمة من معبر المنطار التجاري "كارني"، ظناً منها أن ذلك صوت انفجار قذيفة مدفعية أو عبوة ناسفة أو صاروخ من طائرة مروحية. وأوضحت أن حالة الرعب التي عاشتها طوال 22 يوماً جعلتها تخاف من كل صوت قوي تسمعه حتى وإن كان رعدا أو صوت إغلاق باب بقوة. ووصفت ليلة الثالث عشر من كانون الثاني الماضي، أي الليلة الثالثة عشرة للحرب على غزة، بأنها الليلة الأصعب في حياتها وحياة زميلاتها المسنات في الدار، قائلة "انتصفت تلك الليلة وأخذت قذائف الدبابات التي سمعنا هديرها على بعد أمتار قليلة منا تتساقط على المركز، فدبت الفوضى في المكان دون أن أدري ماذا سأفعل، حاولت التحرك والقيام عن سريري لكن قدمي تسمرتا وأصبحت عاجزة عن الحركة". وتابعت "حينها أسلمت أمري لله وانكفأت على وجهي واحتضنت وسادتي وبدأت أقرأ القرآن وأردد المعوذات وأدعو الله أن ينجينا مما نحن فيه، وكلما رفعت رأسي لالتقاط أنفاسي أشتم رائحة البارود ورائحة الغبار التي زكمت أنفي فأصبت بحالة اختناق شديدة، شعرت أن أجلي قد حان وأن ساعتي اقتربت". وقالت أم هاشم "رغم هذا الجو المرعب وحالة الخوف الشديدة التي ألمت بنا أحسست أن هناك من يخفف عنا مصابنا ويكفكف دموعنا، إنهن المشرفات اللاتي فضلن ترك منازلهن وأولادهن والبقاء بجوارنا طوال فترة الحرب، يجهزن لنا الطعام ويقمن على خدمتنا رغم الظروف الصعبة المحيطة بنا وبهن". وفي هذا السياق، أوضح مدير مركز الوفاء لرعاية المسنين أحمد مشتهى، أن المركز الذي تعرض للقصف المدفعي ودمر جزء كبير منه ما زال يعاني من الأضرار التي وقعت فيه، خاصة من عطل المصعد الذي حال دون نزول المسنين والمسنات القاطنين في الطابق الثالث إلى حديقة المركز في الدور الأرضي، الأمر الذي خلق لديهم انطباعاً سيئاً وعدم راحة كونهم كانوا يتجمعون على العشب ويتحدثون، أما الآن فجميعهم يرقدون على أسرتهم ولا يتحركون إلا للضرورة فقط. وأضاف مشتهى لِ "الأيام"، أن المركز أصبح خلال أيام الحرب هدفاً للجنود الإسرائيليين كونه لا يبعد عن خط التحديد الفاصل بين شرق قطاع غزة وداخل الخط الأخضر سوى 500 متر تقريباً، كما أنه كان وما زال هدفاً للدبابات والطائرات التي لا تغادر أرض أو سماء المنطقة بالرغم من أن الصليب الأحمر أبلغ الإسرائيليين أن هذا المركز للعجزة والمسنين ومحمي بقوة القانون الدولي. وبين أنه يوجد في المركز 6 مسنين معظمهم طريحو الفراش، و20 مسنة، وقد أصبحوا الآن بحاجة لرعاية أكبر، خاصة من الناحية النفسية، إذ أن ظروف الحرب خلفت لهم أزمات نفسية كبيرة، لاسيما أنهم محرومون من الأولاد أو الأقارب الذين يواسونهم في مثل هذه الحالة. وأشار مشتهى إلى أنه للتغلب على الحالة النفسية الصعبة التي ألمت بهم تم وضع برامج خاصة لذلك، يشرف على تنفيذها طاقم متخصص مكون من 22 موظفاً ومشرفاً ومتخصصاً وطبيباً، يبذلون كل ما بوسعهم من أجل التخفيف عن المسنين والترويح عنهم وجعلهم يتغلبون على الحالة النفسية التي سببتها لهم الحرب. يذكر أن مستشفى الوفاء الطبي تم تأسيسه في العام 1996 ويعمل في المستشفى نحو 230 موظفاً، بينهم متخصصون في العلاج الوظيفي والطبيعي وخدمات التأهيل الطبي، وتقدم المستشفى الدعم للمرضى الذين يعانون من الإعاقة الحركية أو العقلية الناجمة عن إصابات في العمود الفقري وبتر الأطراف والجلطة الدماغية والشلل واضطرابات العضلات والأعصاب والكسور ومشاكل المثانة.