الأهرام: 4/3/2009 كثيرا ما تلح علي الخاطر, علاقة السياسة بسعادة المواطن, يدفع الي هذا الإلحاح ما يلاحظ من تغييرات لحقت بالشخصية المصرية, أبرزها ظواهر عنف لم تكن من طبيعتها, وتوترات متبادلة في التعامل بين أفراد وبعضهم, أو بين جامعات وبعضها البعض, واحساس ليس هينا بالاحباط, يقابل هذه الملاحظات انشغال في دول الغرب بالعلاقة بين السياسة والسعادة, ليس فقط بين علماء النفس والاجتماع, بل يشاركهم فيه علماء السياسة. ومن ذلك دراسة أجرتها جامعة هارفارد الأمريكية استمرت عشرين عاما علي مجموعة ضمت4739 شخصا, وإعتبرت ان للسعادة أو التعاسة, خاصية العدوي, وأنها تحمل أسباب الانتشار الجماعي, بخلاف ما يعتقد من أنها ظاهرة فردية. وكانت قد سبقت هذه الدراسة قبل سنوات قليلة, دراسات في عدد من الدول الأوروبية, مجمل نتائجها أن هناك شعوبا بأكملها يطلق عليها شعوب سعيدة, وأخري توصف بأنها شعوب تعيسة. وعند معني العلاقة بين السياسة والسعادة, سبق للفيلسوف الفارابي أن حدد الهدف العام للدولة بأنه عادة تحقيق شعور يسمي السعادة. وهو نفس المفهوم الذي أخذ به بعد ذلك علماء في الغرب, بل إنه منصوص عليه في إعلان الاستقلال الأمريكي. الذي قدر حق كل مواطن في الحياة, والحرية, وطلب السعادة. وإذا كانت مرامي وأهداف السياسات التي تتبعها الحكومات المسئولة عن شعوبها, تتوجه نحو الارتقاء بحياة هذه الشعوب ومستوياتها المعيشية, ورفاهيتها, تعليميا, وصحيا, وثقافيا, وسلامتها, واستقرارها, وأمانها داخليا, وأمنها خارجيا, فإن هذه الأهداف كلها تصب في مجري واحد, تتدفق فيه أسباب توفير السعادة للمواطن. وأن أيا من هذه السياسات, ينبغي أن يخلق لدي المواطن الشعور بالرضا, تجاه الأوضاع التي تحيط به في حياته اليومية, وإلا جانب القرار السياسي الصواب, وانعزل عن الأصل من صدوره, وهو سعيه لخير المواطن. وبشكل عام طرحت في مختلف الدراسات التي تناولت هذه القضية نقاط عديدة منها: ان السعادة تأتي من تحقيق الذات لأن الانسان يسعي ويجاهد ويعمل في حياته لتحقيق ذاته, واعتراف مجتمعه له بالتفوق لو كان قادرا عليه, وشغل المكان الذي تؤهله له قدراته, دون الفصل بين القدرة وحسن الخلق, وسلامة الطوية, وطلب الخير للمجموع. * تتحقق السعادة إذا توافر للانسان شعور بأن إرادته حرة, وفي حالة شعوره بأن إرادته مقيدة, أو أنه مكره علي تقبل مالا يتقبله بإرادته الحرة, ينسحب منه الشعور بالرضا, ويتلاشي الشعور بالسعادة. * السعادة عند الفرد مثل شعلة يضيئها أمل محسوس في المستقبل, فإذا طمست معالم الأمل, أو اختنق بالإحباط, تنطفيء الشعلة. ** وعند بحث ظاهرة انتقال عدوي التعاسة, لتتحول إلي ظاهرة, حسبما أطلق عليه البعض الاكتئاب القومي, جاء إلي جانب الأسباب الاجتماعية والمنغصات المعيشية اليومية, التي تصادف المرء في رحلة ذهابه إلي عمله وعودته منه, أو في التعنت من جانب أجهزة التعامل مع الجمهور, والمختصة بالخدمات المكلفة بها, كان هناك ما يتجاوز هذه الأسباب, مما يتعلق بالوطن ذاته, والانتماء إليه, والشعور بما قد يتعرض له من مخاطر وأزمات. وهو الشعور بالانكسار النفسي, نتيجة عجز عن مواجهة تعدي قوة خارجية علي سيادة الدولة, وانتهاك كرامتها الوطنية عندئذ يصبح ذلك عنصرا أساسيا في خلق الشعور الجماعي بالإحباط, الذي يظلل المواطن بغمامة قاتمة من فقدان الإحساس بالسعادة. ولعل الدراسات الحديثة التي بدأت تلقي اهتماما كبيرا في العالم المتقدم, والتي جذبت الي المشاركة فيها, علماء السياسة, والمختصين بما يسمي علم النفس السياسي, قصدت ليس فقط, طرح نتائج هذه الدراسات, بل ان تجعل منها منارة أمام عيون صانعي القرار السياسي, حتما لا يفلت من بين أيديهم, وهم يرسمون سياساتهم كوزراء أو رؤساء قطاعات, الخيط الرفيع الذي يربط السياسة بالسعادة. وهو الخيط الذي يضمن لهذه السياسة, القبول العام, والقابلية للبقاء. ولهذا أيضا صارت استطلاعات الرأي عنصرا مهما وأساسيا, في قياس توجهات الرأي العام وردود فعله, تجاه سياسة ما, ليس فقط بعد إقرارها, بل من قبل ذلك, وفي فترة التفكير والتخطيط لمثل هذه السياسة. ذلك أن أية دولة تتحمل مسئولية مواطن, له حالة مزاجية, ليس بالضرورة أن تكون ثابتة علي مدي السنين, بل إنها عرضة للتحول والتغيير, نتيجة ما يحدث من تغيرات في الداخل, وفي العالم الخارجي, بعد أن تداخلت المؤثرات الخارجية, في كثير من جوانب الحياة, في الداخل, بسبب دخول الشعوب عصر ثورة المعلومات, وتراجع الفواصل علي الحدود, مما يؤدي إلي تغييرات هائلة, في الحالة المزاجية للشعوب, والمعايير التي تقيس بها الأشياء, والأوضاع, والأشخاص. وأيضا نتيجة اتساع دائرة المعرفة لديها, بما يجري في العالم, وبما يخصها هي من شئون, والمقارنة بين الحالتين. الارتباط قائم وأصيل بين السعادة والقرار السياسي, ومنطق التفكير فيه, وصياغته, والإلمام بجدوي تأثيره, وبنتائجه المنشودة والمحسوبة, وإذا حدث انفصال بين الاثنين فقدت السياسة أساسياتها, وما يترتب علي ذلك من تداعيات, تتخذ أشكال سلبيات تظهر في المجتمع, وتبدو غريبة عليه, مقتحمة عالمه, متصادمة مع خصائصه المعروفة والمألوفة.