اصبحت شخصية «سي السيد» التي قدمها الكاتب نجيب محفوظ في ثلاثيته الشهيرة نموذجا لشخصية الرجل المتسلط الذي تهابه الزوجة والابناء، فهو يأمر فيطاع، ويقرر فينفذ الجميع، والخروج عن طاعته إثم يستحق العقاب الشديد في رأيه. شخصية «سي السيد» تمثل بالطبع ازدواجية الرجل الشرقي في ذلك الوقت، وربما في وقتنا هذا ايضا، فهذا الرجل الصارم العابس في بيته، عابث واسير النساء ورغباته خارجه. لكن فيما يتعلق بشخصيته في بيته، هل يمكن تصور وجود نمط هذه الشخصية في العلاقات الزوجية هذه الايام؟ وهل تخلى عنها الرجل مرغما ام بملء ارادته؟ ام ان تطور المجتمع الشرقي جعل وجودها مستحيلا في بيت الزوجية اليوم؟ عادل سويد قال لجريدة القبس الكويتية ان تغير المجتمع فرض شكلا جديدا لعلاقة الرجل باسرته، وازاح ظلما عن المرأة ونشر جوا اكثر راحة وانسانية داخل الاسرة: لم يكن خضوع الست امينة لزوجها سي السيد طاعة بل اذلال لها ولانسانيتها. واعتقد ان النساء المتعلمات اليوم لن يقبلن ان يعشن مع رجل مثل سي السيد الذي ارى انه شخص دكتاتور وعبوس ويشيع جوا من الكآبة في بيته بتسلطه وظلمه. يستطيع الرجل ان يفرض اوامره على اسرته بالحب والتفاهم والعطف بدلا من التسلط والقسوة. موضة قديمة حسين ملك قال ان العادات والتقاليد التي اوجدت هذا النمط من الشخصية في السابق اصبحت موضة قديمة واضاف: علاقة سي السيد بزوجته مخالفة للعقل والضمير والانسانية، فهي مساوية له وخلقت لتكون شريكته، واعتقد ان العلاقات الزوجية في الدول الغربية التي تقدم على اساس الندّية والمساواة اكثر نجاحا في العلاقات الزوجية في المجتمعات الشرقية. الى جانب ذلك اصبح وجود شخصية مثل شخصية سي السيد مستحيلا بعد ان تعلمت المرأة واستقلت ماديا واصبح الرجال الشرقيون اكثر تحضرا من السابق. شراكة سيد عبدالسلام قال ان الديموقراطية اصبحت حديث الكل ومطلب الجميع في هذا العصر، واول مكان يجب ان تطبق فيه الديموقراطية هو المنزل: لا يمكن ان تكون العلاقة الزوجية اليوم مبنية على تسلط الرجل على المرأة، فالمرأة مساوية للرجل وشريكة له وتعمل مثله، بل انها تتحمل اعباء اكثر منه عندما تعمل خارج المنزل وتربي الابناء وتهتم ببيتها واسرتها. علاقة الشراكة هذه لم تعد تسمح للرجل بان يتعالى على المرأة أو يقمعها أو يفكر بدلا منها، وان كنت احيانا اتمنى ان يتصرف بعض الرجال مع زوجاتهم المتسلطات المتحكمات، فهذه النوعية من النساء لا يصلح معها رجل الا مثل سي السيد. صوت واحد صلاح الجيماز ابدى تحفظه على تطرف بعض الرجال من السلوك بشكل معاكس لسي السيد لدرجة الضعف امام المرأة، لكنه اكد على رفضه لشخصية الرجل المتسلط: هذه الشخصية تمثل صوتا واحدا في البيت وتغيب الصوت الآخر على الرغم من ان صوت الحكمة في كثير من البيوت يصدر عن المرأة. جميل ان يكون للرجل هيبة في بيته، لكن ما يخلق هذه الهيبة ليس السيطرة والتحكم بل احترام زوجته له وتربية ابنائها على احترام ابيهم. واعتقد ان سي السيد ما زال موجودا في بعض البيوت، اما بسبب الفهم الخاطئ لمعنى قوامة الرجل على المرأة، او لان الرجل ما زال هو «الكادود» الذي يكد ويتعب من اجل تأمين لقمة العيش لاسرته، بينما زوجته تجلس في المنزل لتربية الابناء ورعاية الاسرة. ضحية جمال موسى كان له رأي مختلف، فقد قال ان الرجل الشرقي اصبح ضحية تحضره وتخليه عن دكتاتورية وتسلط سي السيد: عندما اصبح الرجل يعامل زوجته باحترام وديموقراطية كشريكة له في اتخاذ القرارات الخاصة بالاسرة، واصبح يسمح لها بان تتصرف بحرية لم تكن تمتلكها في السابق، معتقدا انها ستقدر له ذلك وتحبه اكثر، تمادت بعضهن وتجرأن على الرجل واصبحن في بعض الاحيان وقحات وعنيدات، بل انهن اصبحن سي السيد في البيت، يردن ان تطاع اوامرهن وان ينفذ الرجل رغباتهن من دون نقاش. هذه النوعية من النساء لا يصلح معهن الا رجل مثل سي السيد للجمهن ووضع حدود لهن. عبودية يعقوب ابراهيم وصف علاقة سي السيد بزوجته بانه علاقة عبودية واضاف: علاقة التسلط هذه تعني انه هو كل شيء في البيت والغاء الزوجة والابناء. ولا اعتقد انه كان يحظى بحب زوجته لان الحب يبنى على الصراحة والاحترام لا على الخوف. اليوم لا يستطيع ان يكون الرجل سي السيد في بيته بعد ان تعلمت المرأة واصبح لديها استقلالية مادية وثقة بالنفس، بالاضافة الى ان الاحتكاك بالحضارات والثقافات الاخرى زاد من وعيها وجعلها ترفض ان تكون الست امينة، بل يجب ان نحمد الله ان النساء لم ينقلبن على الرجال حتى الآن، فلم تقبل المرأة الاستكانة لسيطرة الرجل وقلة احترامه، واحذر الرجال بانه في السنوات القادمة ستسيطر النساء! استعادة السلطة شاكر الزيات قال بأسى: والله انا اتمنى ان يعود الزمن الى الوراء وتجلس المرأة في بيتها ويستعيد الرجل سلطته على بيته، فاليوم لا يستطيع الرجل ان يفرض رأيه على ابنه الصغير، فما بالك بزوجته التي اذا قال لها كلمة ردت عليه بعشرة لانها تعمل ومستقلة ماديا؟! لكن المشكلة ان نمط الحياة واحتياجاتها تغيرا كثيرا ولم يعد بالامكان السيطرة على البيت، واعتقد انه في زمن سي السيد لم تكن هناك حالات طلاق ومشكلات زوجية كالتي نراها ونسمع عنها اليوم.