الوفد : 31/1/2009 لا حياة بلا تجديد هذا قانون ثابت يسري علي الإنسان كما علي غيره من الكائنات وينطبق علي المجتمع كما علي الكون. والأفكار ليست استثناء من هذا القانون فالفكرة ينتجها العقل والعقل هو جزء من الانسان الذي تصبح حياته وموته سواء إذا لم يستطع أن يجدد في هذه الحياة. فإذا عجز عقله عن التجديد غدت الأفكار اللازمة لإضفاء الحياة علي كل ما يحيط بالانسان وإذا كنا نعاني أزمة عقيمة في مصر علي هذا الصعيد، فلسنا وحدنا في ذلك. الفلسفات والنظريات الكبري أو التي كانت كبري عجزت عن تجديد نفسها فتهاوت أو تراجعت وينطبق ذلك علي الليبرالية مثلما يسري علي الماركسية. وكان إخفاق الليبرالية في تجديد نفسها هو السبب الرئيسي وراء صعود ليبرالية جديدة ناقضتها في بعض أهم ركائزها، علي نحو يجهله الكثرة الغالبة حتي بين من يهتمون بالفكر والفلسفة. فهم لا يعرفون مثلا أن الخلاف بين الليبرالية والليبرالية الجديدة ليس محصوراً في النظام الاقتصادي والعلاقة بين الدولة والسوق. فهو ينطوي علي أبعاد معرفية أساسية بشأن الموقف تجاه التقاليد الاجتماعية والاخلاقية السابقة علي عصر الديمقراطية والرأسمالية. فلم يكن ممكناً أن يرجع الليبراليون الجدد إلي أدموند بيرك وتلاميذه وفلسفتهم المعارضة لقيم عصر الأنوار ودفاعهم عن الحكمة المتراكمة عبر العصور بدون أن يتأثروا بالنزعة المحافظة التي تدافع عن القيم الأبوية »البطريركية« والمكانة الاجتماعية والأصول الدينية وتؤكد أهميتها الفائقة لتماسك المجتمع وانسجامه. ولذلك أصبح أحد أهم معالم الليبرالية الجديدة علي هذا الصعيد هو دمج بعض تقاليد ما قبل المجتمع الحديث الصناعي ضمن قيم الحداثة. ويتعارض ذلك مع إيمان الليبرالية بالتحديث ونزعتها التقدمية التي تأبي البحث عن سعادة الانسان في الماضي واعتقاد الليبراليين في أن العصر الذهبي للبشرية لم يأت بعد مع إدراكهم أن لكل عصر محاسنه بمعيار زمنه. ولابد أن ينطوي التجديد اللازم لليبرالية علي استعادة الخط الفاصل بينها وبين الاتجاهات المحافظة التي استلهمتها الليبرالية الجديدة الآخذة في التراجع بفعل الأزمة المالية العاتية وتداعياتها التي ستقصم ظهر الاقتصاد العالمي لعامين علي الأقل، باعتبارها نتيجة احدي سياسات هذه الليبرالية الجديدة. ويوفر هذا التراجع فرصة تاريخية لليبرالية لإنجاز التجديد الذي تشتد حاجتها إليه ولذلك يتوقف مستقبلها علي حدوث هذا التجديد الذي لم تظهر بشائره في الأفق حتي الآن. فإذا لم يأت التجديد الذي يبدو مسألة حياة أو موت لليبرالية، في المدي المنظور، ربما تستعيد الليبرالية الجديدة تماسكها وتشن هجمة جديدة بعد سنوات.