الجمهورية : 27/1/2009 عبر الشعب الامريكي في حفل تنصيب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة عن شعورين متناقضين بالفرحة. فرحة انتهاء حكم بوش الذي جلب لهم جميع أنواع المشاكل وكراهية كل شعوب العالم وفرحة قدوم الفتي الأسمر الواعد باراك أوباما واضعين فيه كل أمالهم في انقاذهم من الأزمة الاقتصادية والمصالحة مع شعوب العالم. كان حفل تنصيب أوباما أبلغ رد علي ممارسات بوش الصغير وادارته وانذاراً لخليفته ليغير مسار السياسة الغبية التي انتهجها سلفه والتي جلبت لهم الكوارث والازمات الداخلية والخارجية حرص الامريكيون علي المشاركة في الحفل ولو من بعيد من خلال مشاهدة الشاشات العملاقة التي أقيمت علي امتداد الشوارع الجانبية والمؤدية إلي مبني الكابيتول "مقر الكونجرس الأمريكي" قدموا من كل حدب وصوب ليشهدوا لحظة أفول عهد مظلم ودخوله في ذمة التاريخ أو الأصح في "مزبلة التاريخ" وميلاد فجر جديد مشرق يزيح كابوس التطرف ويحيل حلم التغيير إلي حقيقة وكان الحفل علي قدر الحلم. والاعلي تكلفة منذ انطلاق هذا التقليد عام 1837 حيث تكلف الحفل أكثر من 160 مليون دولار في حين تكلف حفل تنصيب سلفه بوش 3.42 مليون دولار ورغم ان المدعوين الرسميين الذين يحملون تذاكر للجلوس حول منصة التنصيب كان عددهم 240 ألف مدعو الا ان الحضور فاق ذلك وتضاعف أكثر من 10 أمثال المدعوين الرسميين. ورغم ان أوباما كان محاطا باسرته وأخوته الا ان من صنعوا نجاحه في الحياة كانوا غائبين عن الحياة وفي مقدمتهم والده الذي مات في حادث سيارة في بلده كينيا عام 1982 بعد سلسلة من الاخفاقات والاضطهاد القبلي والسياسي رغم حصوله علي أعلي الدرجات العلمية من أعرق الجامعات العالمية "جامعة هارفارد" ورغم ذكائه المتقد وأحلامه الوطنية. وأيضاً والدته التي غيبها الموت عام 1995 بعد معاناة قصيرة مع المرض وقد ظلت لآخر أيام حياتها تدرس وتستكمل دراستها حتي حصلت علي دكتوراه في الانثروبولوجيا ومن قبلها بسنوات قليلة رحل والدها "جد اوباما" الذي كان يحمل أوباما الطفل بين يديه وعلي كتفيه في كل مكان يذهب إليه حتي علي الشاطيء. وأخيرا وقبل اعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية رحلت جدته لوالدته التي تولت رعايته منذ أن تركه والده وعمره عامان وحتي آخر لحظة في حياتها والمؤكد انه رغم بهجته وشعوره بنشوة الفوز والانتصار الا انهم كانوا الحاضرين الغائبين في عقله ووجدانه. وجاءت اللحظة الفاصلة بين عهدين عندما أدي أوباما اليمين الدستورية ليصبح رئيساً للولايات المتحدةالامريكية. وقد أدي القسم في مبني الكابيتول الذي يطل علي النصب التذكاري للرئيس الامريكي السادس عشر ابراهام لينكولن واضعا يده علي نفس نسخة الانجيل الذي أدي لينكولن القسم عليها عام ..1861 ولينكولن هو محرر عبيد الولاياتالمتحدة والذي كان يضع له أوباما صورة كبيرة في مكتبه بمجلس الشيوخ ذلك الرئيس الذي لا تقل قصة الحياته غرابة عن حياة اوباما. فقد ولد لاسرة فقيرة في كنتاكي في كوخ خشبي اقامه والده الذي كان مزارعا ونجارا وكان الوالد يريده خليفة له في قطع الاشجار والزراعة والصيد في الغابات بينما كانت الأم تريد ان يذهب ابنها إلي المدرسة ليتعلم كباقي التلاميذ وانتصرت الأم في البداية والتحق بمدرسة أقامها شخص ايرلندي بالمنطقة ولكن بعد وفاة والدته خرج من المدرسة ليساعد والده وهو مازال طفلا وتزوج والده بأخري وعمل ابراهام في التجارة لحساب الغير ثم بقالا فساعي بريد فمساحا للأراضي قبل ان ينتخب في مجلس ولاية الينوي لينطلق في عالم السياسة حتي وصل إلي سدة الحكم وهو نفس المجلس الذي فاز أوباما بعضويته عام 1996 لينطلق في عالم السياسة وصولا إلي رئاسة البلاد. وجاتءت اللحظة التي انتظرها الحاضرون خطاب الرئيس الجديد الذي سيعلن فيه الخطوط العريضة لسياسته المقبلة وصمت الجميع ليسمعوا رئيسهم الجديد. ولم يكن الخطاب كما كان متوقعاً بما اشتهر به أوباما من فنون الخطابة وحماسها ولكنه جاء خطابا متوسطا وان كان قد تضمن نقاطاً عديدة أثلجت صدور الامريكيين وغيرهم من المتابعين للحفل في مختلف دول العالم وطمأنتهم بأن القادم ينوي فعل شيء مميز ومفيد. أعلن أوباما في خطابه انتهاء العقيدة البالية التي خنقت السياسة الامريكية فترة طويلة وأكد ان علي بلاده ان تضطلع بدورها في احلال حقبة جديدةمن السلام العالمي وأكد انه سيعمل بلا كلل لخفض التهديد النووي ومواجهة شبح الاحتباس الحراري والارهاب. وتعهد للشعوب الفقيرة بالوقوف إلي جانبهم لتزدهر مزارعهم وتجري المياه النقية لتغذية الاجساد والعقول الجائعة. وحرص أوباما في خطابه علي مخاطبة جميع الامريكيين بلا تمييز ولا تفرقة فقال.. ندرك ان ارثنا المختلط مصدر قوة وليس مصدر ضعف. نحن أمة من المسيحيين والمسلمين والهندوس وغير المؤمنين تشكلنا من كل لغة وكل ثقافة جاءت من أي بقعة من الأرض وبما اننا ذقنا مرارة الحرب الأهلية والفصل العنصري وخرجنا منها أقوي وأكثر وحدة. كما حرص الرئيس الامريكي الجديد علي طمأنة العالم الاسلامي بانه لن يكون مثل سلفه بوش الصغير معاديا له فقال. وللعالم الاسلامي أقول اننا نسعي إلي طريق جديد للامام يعتمد علي مصلحة مشتركة واحترام متبادل. وقد كانت الجماهير تتجاوب مع كلمات أوباما علي حسب قدرها فقد كان التصفيق والهتاف يرتفع كلما كان المعني يتجه نحو المصالحة مع شعوب العالم خاصة العالم الاسلامي أو الاصلاح الداخلي في مختلف المجالات ويخف التصفيق كلما توجه الكلام إلي اتباع بعض سياسات سلفه. وكان الرئيس السابق جورج بوش ونائبه ديك تشيني الذي حضر علي كرسي متحرك مثار سخط وغضب الجماهير وجلسا غصبا عنهما استكمالا للبروتوكول ولولا ذلك ما حضرا ليشهدا كل هذه الكراهية في عيون الامريكان وجاءت اللحظة التي تمناها العالم والتي ودع فيها أوباما بوش حتي باب الطائرة إلي غير رجعاً. وقد بدأ أوباما منذ اللحظة الأولي التي تولي فيها مهام منصبه في تنفيذ البرنامج الذي وعد به وكان أولها اغلاق معتقل جوانتنامو الذي غير مفهوم الحرية لدي بلد الحرية وبدأ رحلة الاصلاح المالي والاداري في الداخل ووضع برنامج الانسحاب من العراق ونتمني ان يحقق أوباما كل ما يستطيع تحقيقه من وعوده التي وعد بها وليس كلها لاننا ندرك انه ليس ساحرا أو سوبرمان فهو انسان عادي ولكنه ذكي وأنا أثق فيه وفي قدراته وامكانياته ومواهبه ومتأكد انه سيترك بصمة كبيرة في التاريخ اذا لم يحدث له مكروه.