كانت مهنة محترمة.. ومع العشوائية التي سادت كل شيء في حياتنا.. أصبحت مؤهلاتها سهلة للغاية.. وجه عبوس وعضلات مفتولة ومكان مميز لا ينافسك فيه أحد.. عندها يمكن أن تصبح "منادي سيارات" لا يزاحمك أحد وتعود لمنزلك بدخل لا يحصل عليه وكيل وزارة.. وللأسف السبب في استفحال ظاهرة "منادي السيارات الفتوة" الذي قام بخصخصة الشوارع وأماكن انتظار السيارات لحسابة الخاص هو عدم توفير أماكن انتظار في كل مكان تكون بأسعار في متناول أصحاب السيارات البسطاء. إلي جانب اختفاء "المنادي الرسمي بتاع زمان" الذي كان يتبع الحي أو المحافظة وله زي مميز ويضع شارة نحاسية تشير لمهنته ويمسك بفوطة صفراء لتلميع السيارات ثم يلقيها علي كتفيه ويرضي بما تعطيه له وينادي علي كل قادم "ورايايابية.. خليك بجوار الرصيف.. واترك فرامل اليد" فهل يعود هذا الرجل مرة أخري.. وهل يمكن أن يعود لهذه المهنة احترامها.. ويتم اتخاذ موقف من البلطجية الذين يحتلون الأماكن ويخرجون لك من تحت الأرض عندما تدير مفتاح سيارتك ويجبرونك علي دفع القيمة التي يحددونها "بالعافية" ولابد أن تدفع وإلا تجد ما لا يرضيك- "احنا" نزلنا إلي الشوارع.. التقينا بأصحاب السيارات.. وبعض المنادين القدامي الذين اجمعوا علي ان "منادي السيارات" مهنة تحتاج إلي "موقف" حاسم وحازم واعادة تنظيم وإلا سيطرت البلطجة علي شوارعنا. يقول الحاج جودة دنيا صاحب سيارة نصف نقل لتوصيل الطلبات للمنازل: تعرضت لموقف في شارع الميرغني حيث تركت سيارتي لمدة 10 دقائق لتوصيل طلب لزبون رجعت بسرعة ووجدت شابا يقف امام السيارة يطلب مني اجرة الانتظار. اعطيته نصف جنيه وفوجئت انه يلقي به في وجهي. وقال "عاوز اثنين جنيه ثمن الانتظار". رفضت فما كان إلا أنه أمطرني بوابل من الألفاظ الجارحة وفي ثوان معدودة حضر أكثر من ثلاثة أشخاص وحاولوا ضربي إلا أن الناس منعتهم. فكرت في عمل محضر بقسم الشرطة ولكن نصحني أحد المارة وقال وفر علي نفسك الوقت لانهم عصابة احتلت الشارع وكل ساعة تحدث "خناقة مع زبون" وهؤلاء لا يجدون من يردعهم فأخذت سيارتي وعدت لعملي. أما حنان الهمشري "موظفة" فتقول: في شارع جانبي من شارع الهرم تعرضت لمضايقة من احد الشبان يدعي انه حارس الشارع من اللصوص. فقد تركت سيارتي لمدة نصف ساعة لاتسوق من "المول". وعند عودتي اعطيت لهذا الحارس جنيها إلا انه رفض وقال "2 جنيه يا هانم" قلت له لم استغرق ساعة واصر علي طلبه وحرصا علي نفسي ومن معي اعطيته لاني شاهدت في وجهة علامات للغدر كما ان وجهة شبيه بأصحاب السوابق والبلطجية. وأنا اطالب بوضع حد لهذه الظاهرة التي انتشرت في الشوارع واصبح كل من هب ودب يقول انه حارس ولا ادري لماذا لا يعود "المنادي بتاع زمان" صاحب الزي المميز بعلامة النحاس المكتوب عليها اسمه ورقم ترخيصه من المحافظة التابع لها. والفوطة الصفراء التي علي كتفه حتي يطمئن المواطن الي انه يتعامل مع موظف رسمي من الحي والمحافظة وليس فريسة لأحد البلطجية. محمد فوزي موظف يقول: أمام حديقة الحيوان بالجيزة تركت سيارتي ونزلت ومعي اسرتي للنزهة وبعد عدة ساعات رجعت. ووجدت شابا يسهل لي عملية الخروج واعطاني ورقة مقطوعة نصفين علي احدهما اثار لختم لم تتضح معالمه أو من أي جهة صدر وطلب مني 5 جنيهات نظير الانتظار. قلت له لأي جهة تعمل قال: اتبع حي الجيزة. سألته لماذا لا يظهر اسم الحي والختم علي الورقة رد "مش شغلك". أعطيته 2 جنيه رفض وتمسك بالحصول علي 5 جنيهات. رفضت ان اعطيه. تطاول عليّ ومد يده وقام بكسر زجاج السيارة بآلة حادة وجري بسرعة. قمت بعمل محضر في قسم الشرطة. هناك عرفت انه من البلطجية وليس له علاقة بحي الجيزة. فمن الذي تركه يمارس هذا العمل ويرهب المواطنين ويحطم سياراتهم. انني انادي المسئولين سرعة التدخل لإنهاء هذه الظاهرة الي نشاهدها يوميًا في كل شوارعنا ومراقبتهم من خلال رجال الشرطة. أما فردوس أحمد "محامية بإحدي الشركات" فتقول: لا أعتقد انني دون "المنادي" استطيع ايجاد مكان لسيارتي الأمر اصبح يحتاج معجزة في ظل الزحام الشديد. أدفع للمنادي أجرا شهريا 80 جنيها لتوفير المكان. ولكني أتعرض لمضايقات في بعض الشوارع اثناء وقوفي بالسيارة. وفي احدي المرات تركت سيارتي في شارع جانبي لا يوجد به آحد ولم يعاونني اي شخص في الوقوف ولكن عن عودتي وبمجرد فتح باب السيارة حضر ليّ شاب وأخبرني إنه الحارس قلت له وأين كنت من قبل سكت وطلب مني اجرة علي انتظار السيارة. مطلوب تحرك سريع من رؤساء الاحياء والمسئولين عن تنظيم الشوارع لانها اصبحت "موضة والمواطن مش ناقص أعباء اضافية" ألا تكفي مخالفات المرور. كفانا دفع فلوس دون خدمات. والافت للنظر أن ساحات الانتظار الرسمية سعر الساعة فيها مرتفع جدا. إلتقينا بأحد الحراس بشارع الجلاء "رفض ذكر اسمه" قال: أعمل هنا لحساب أحد الأشخاص وأخبرني انه يستأجر الشارع من المحافظة. أقوم بتنظيم وقوف السيارات وآخر اليوم اعطيه ما احصل عليه من اصحاب السيارات ويعطيني 10 جنيهات وهو رقم ضئيل جدا بالنسبة لما يحصل عليه مني. مع مرور الأيام تأكدت أنه غير مستأجر للشارع وحصل علي المكان بالبلطجة. حاولت ان استقل بنفسي وحصلت علي جزء من الشارع إلا إنني تعرضت للطرد من المنطقة بأكملها. توسلت إليه لعودتي ووافق ورضيت بما قسمه الله ليّ. في شارع قصر العيني التقينا بعم صابر البهنساوي "آخر المنادين المحترمين" كما يطلق علي نفسه ويرتدي زيًا مميزًا ويضع علي صدره لافتة نحاسية تحمل اسمه وشعار محافظة القاهرة. يقول المهنة أصبحت مأوي للبلطجية وكل من ليس لديه عمل فبعد ان كنا نرتدي زيًا موحدًا وعليه العلامة المميزة "دخلوا علينا وزاحمونا في أكل عيشنا" ونتعرض يوميًا للمشاكل معهم رغم حصولنا علي ترخيص من المحافظة. ونلجأ في أحيان كثيرة للشرطة وتحضر وتحل المشكلة وبمجرد الانصراف من المكان يرجع الحال كما كان عليه. اطالب بوضع حل لنا وحمايتنا من البلطجية ووضع شروط لعملهم وليس لدينا مانع من عملهم بجانبنا بشرط وجود ترخيص وتحديد أماكن عملهم.