يمثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة الذي يقام سنويا في الجنادرية (نحو 30 كلم شمال شرق الرياض) الترجمة السعودية للاهتمام بالثقافة وتأصيل التراث حيث تضم مناطق المملكة ذخائر هامة من ألوان التراث الوطني المتنوع في كافة المجالات المعيشية والثقافية والحرفية والإبداع الثقافي والفني والأدبي. وبعد أن تكاملت قرية الجنادرية بأجنحة تمثل مختلف المناطق السعودية بدأ الاهتمام بإشراك ثقافات عربية وإسلامية في المهرجان ترجمة للانفتاح السعودي على الخارج. صحيح أن المهرجان بدأ في الثمانينات صغيرا ومهتما بالتراث السعودي، لكنه انخرط في صيرورة نماء وتطور جعلت منه واحدا من أهم المهرجانات العربية؛ إن في القيمة الثقافية أو في الحضور والتواجد العربي، أو في التأثير الوطني والعربي. وأصبح ما غدا يعرف (مهرجان الجنادرية) واحدا من أهم معالم الخريطة الثقافية العربية. حيث تتنوع نشاطاته التراثية بين القرى الشعبية والأركان الحرفية والرقصات التراثية ونماذج الحياة القديمة. وتتنوع مناشطه الثقافية بين الندوات والمحاضرات والأمسيات الشعرية ومعارض الكتب والفن التشكيلي والوثائق والمخطوطات. إلى أجنحة تشارك فيها مصالح الدولة وتعرض فيها أولوياتها التنموية ذات البعد الثقافي والاجتماعي. وكان من أبرز مناشط المهرجان الندوات الكبرى التي يقيمها المهرجان لمعالجة قضايا فكرية وسياسية وثقافية. كما أن المهرجان درج في السنوات الأخيرة على تكريم الرموز الثقافية والوطنية. واعتنى بثقافة المرأة. وهو في كل عام يضيف قيمة جديدة إلى محتواه الحضاري. أو إلى أدواته الإبداعية والثقافية. حتى إنه تم تخصيص قناة فضائية لنقل محتواه الثري من التراث والثقافة السعوديتين إلى الخارج. وتكريسا لانفتاح المملكة على العالم يستضيف هذا العام الجمهورية التركية في فعاليات تراثية وثقافية. في تقليد جديد لضيوف شرف المهرجان من الأشخاص إلى الدول. وهو كان ومازال يحتضن مشاركات شقيقة من دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع البعد الثقافي. إن مهرجان الجنادرية منارة مضيئة للثقافة السعودية والعربية. وإن كانت كثير من المهرجانات العربية هرمت وأصابها الجمود، فإن هذا المهرجان ظل يتطور وتتسع آفاقه من المحلية إلى الخليجية ومنها إلى الدائرة الإسلامية ومن المتوقع أن تتسع للدائرة الإنسانية العالمية. الشيء الذي يدحض المقولات بانكفاء الثقافة السعودية ويجعل المملكة مركز جذب ثقافي كما هي نقطة استقطاب روحي واقتصادي وسياسي. والمأمول أن تتسع آليات المهرجان مستقبلا للغات أجنبية تمكن الآخرين من المقيمين والمتابعين في الخارج من الغوص في هذه التجربة البالغة الثراء.