الأهرام: 26/11/2008 ليس من المبالغة في شيء القول إن إعلان القاهرة عن تأجيل جلسة الحوار الفلسطيني التي كان مقررا أن تبدأ في العاشر من نوفمبر2008, قد أثار الكثير من الإحباط والقلق فيما يتصل بالأوضاع الفلسطينية والاحتمالات التي يمكن أن تسير فيها خلال الفترة المقبلة. صحيح أن الخارجية المصرية أرادت أن تبقي علي بصيص أمل في إمكان عودة الفرقاء الفلسطينيين إلي مائدة الحوار الوطني عندما تتوافر الظروف المناسبة, وذلك تحقيقا لصدمة الشارع العربي بوجه عام والفلسطيني بوجه خاص من ناحية, وإبقاء علي شعرة معاوية من ناحية ثانية, ولكن الصحيح أيضا هو أن حركتي حماس وفتح سرعان ما وسعتا دائرة الاتهامات المتبادلة بينهما بالمسئولية من عرقلة حوار القاهرة, وعلي نحو يكاد يعصف بأي آمال ويقطع كل الشعرات, خاصة مع انحدار لغة الردح بينهما إلي درجة متدنية إلي حد بعيد. علي أي حال, فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلي ما يلي: أولا: انه مع الوضع في الاعتبار أن هناك بعض الأطراف العربية والإقليمية التي قد لا تستطيع أن تخفي سعادتها بتعثر الحوار الفلسطيني, أو بمعني أدق لعدم إتمامه حتي الآن علي الأقل في القاهرة وبجهود القاهرة وذلك لأسباب وحسابات تتعلق بتلك الأطراف نفسها في المقام الأول, وربما بمحاولات بعضها عرقلة التحرك المصري بشكل مباشر وغير مباشر أملا في دور, وتحجيما وقلقا حيال دورة من دورات النشاط في التحركات المصرية, أو إبقاء علي ورقة يمكن لها أن تستخدمها في مساوماتها الإقليمية في الفترة المقبلة, إلا أن الفشل لا يمكن اعتباره مصريا, لأنه فلسطيني بالكامل. فقد تحركت مصر وأعدت علي امتداد أشهر عديدة للحوار, وأجرت اتصالات مع كل الفصائل الفلسطينية, وأعدت ورقة محددة علي ضوء حواراتها تلك, وهيأت لبدء الحوار, ومن ثم فإن النكوص تتحمل مسئوليته الأطراف التي تراجعت في اللحظات الأخيرة. ثانيا: انه مع إدراك أن مصر بثقلها التاريخي في العمل العربي المشترك, وبدورها المؤثر فيه ليست لديها أي حساسيات تجاه استضافة أي عاصمة شقيقة للحوار الفلسططيني أو أي فعاليات عربية أخري, لأنها أكبر من ألاعيب الصغار, فإنه يبدو أن البعض يريد أن يجعل من استضافته للحوار إن إمكن ومن تسهيله له إذا تحقق ورقة أو قربانا للإدارة الأمريكيةالجديدة المحاطة بحجم توقعات وآمال يفوق بكثير قدرتها العملية علي الاستجابة إليه. ولعل ذلك هو ما يفسر تهافت الحجج والأسباب التي أعلنت لتبرير عدم المشاركة في الحوار ومن ثم تأجيله. ثالثا: انه أيا كانت الأسباب الفعلية الكامنة وراء تأجيل الحوار الفلسطيني فإنه من المهم والضروري أن تواصل مصر دورها النشط الإيجابي, ليس فقط لطمأنة حركة حماس( التي لن تطمئن أبدا لأسباب تعود إليها) ولكن أيضا للتهيئة لإمكان عقد الحوار في أقرب وقت والعمل بجدية للحيلولة دون انجرار فتح وحماس إلي مواجهات مسلحة وتصفيات متبادلة تزغرد لها إسرائيل وكل المتربصين بالقضية الفلسطينية, ويدفع الشعب الفلسطيني ثمنها من أرواح أبنائه ودمائهم وحاضرهم ومستقبلهم أيضا. رابعا: انه مع الوضع في الاعتبار أن وزراء الخارجية العرب في اجتماع الدورة130 لمجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر الماضي قد أيدوا الجهود المصرية الرامية إلي تحقيق الحوار الفلسطيني واستعادة الوحدة الفلسطينية, بل إنهم لوحوا بإمكان تطبيق عقوبات ضد الفصائل الفلسطينية التي تعرقل الحوار والمصالحة, بل ضد الجميع إذا لم يتصالحوا, علي حد قول السيد عمرو موسي, الأمين العام لجامعة الدول العربية, في2008/10/9 في ختام اجتماعات وزراء الخارجية العرب, فإن دعوة حركة فتح جامعة الدول العربية إلي أن تقوم بإنهاء التقسيم الفلسطيني هي دعوة ينبغي التعامل معها بكثير من الحذر واليقظة, ليس فقط لأن جامعة الدول العربية ليست عصا يمكن استخدامها بشكل أو بآخر ضد هذا الفريق أو ذاك, حتي ولو أرادت بعض الدول أو الأطراف العربية, ولكن أيضا, لأن من الخطر أن تدخل جامعة الدول العربية إلي هذه الدائرة نظرا للشظايا الكثيرة التي يمكن أن تنطلق منها في مختلف الاتجاهات. خامسا: قد يكون مغريا لحركة فتح, أو لطرف عربي أو آخر دفع الجامعة إلي اتخاذ قرار يمس بالطرف الذي يتحمل مسئولية عرقلة الحوار وتحمل مسئولية ذلك, فإن كلا منهما ستتنصل من المسئولية وتلقيها علي الأخري, وهو ما يجعل القرار إذا صدر عائما ومعلقا في الهواء, وهو ما ينبغي تجنبه حفاظا علي جامعة الدول العربية وحماية لها من مواجهة اختبار إمكان الانقسام أو التوزع بين مؤيد لفتح أو مؤيد لحماس, بغض النظر عن الأسباب والدوافع الكامنة وراء ذلك, خاصة أن الأمر في النهاية لن يؤدي بالقطع إلي تغير ملموس في الموقف علي الصعيد الفلسطيني. وإذا كانت الدول العربية قد اعتادت في كثير من الظروف اللجوء إلي الجامعة العربية لتحميلها مسئولية ما لم تستطع الدول الأعضاء السير فيه, وبالتالي التخفف من مسئولية الفشل بوضعها علي عاتق الجامعة, فإن إدخال الجامعة كطرف في الخلاف بين فتح وحماس ليس مناسبا ولا مرغوبا لأسباب عديدة منها أن الجامعة, ومنذ إنشائها, قامت كما هو معروف بدور بالغ الأهمية في جمع وحشد الطاقات الفلسطينية, وفي تبني حركة التحرير الوطنية الفلسطينية منذ اللجنة العربية العليا, وحكومة عموم فلسطين, وحتي منظمة التحرير الفلسطينية, والوقوف وراءها باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني, يضاف إلي ذلك أن حشر جامعة الدول العربية أو محاولة الزج بها في هذه الدائرة قد يؤثر علي موقف أو مدي تعاون بعض الأطراف الفلسطينية منها أو من الأمانة العامة لها. وأمام هذا الموقف, فإن جامعة الدول العربية يمكن أن تتحرك من خلال أمينها العام أو مساعديه, أو من خلال مناقشة الموقف في اجتماعات مجلس الجامعة وبذل مساعيها الحميدة للمساعدة في جمع الأشقاء والعودة إلي مائدة الحوار.