بينما ودع امس ملايين المصلين في المسجد الحرام والمسجد النبوي اخر جمعة في رمضان ب «دموع» الخشية و«دعاء» الرحمة، استنفرت الجهات الحكومية في العاصمة المقدسة طاقاتها البشرية والتقنية تحسباً للأعداد الكبيرة التي ستشهدها مكةالمكرمة في دعاء ختم القرآن ليلة ال27 الذي يوافق يوم أمس وال 29 بعد غد، وجندت مؤسسات حكومية مختلفة قوى بشرية ميدانية متصلةً بغرف عملياتها على مدار الساعة من أجل خدمة وراحة ضيوف الرحمن. ويأتي ذلك في وقتٍ رأت فيه آراء إسلامية أن الأماكن لا تقدس أصحابها وأن الصلاة في العشر الأواخر من رمضان ولو كانت في صحراء جرداء بإخلاص النية قد تعدل الصلاة في الأماكن المقدسة داعية الى الحرص على الطاعات والعبادات في هذه الأيام المباركة. وعلى مدار العشر الأواخر من رمضان ما أن تدق الساعة الرابعة عصراً من رمضان حتى تهب جحافل المصلين من مدينتي جدةوالطائف إضافة الى القاطنين في مكةالمكرمة منذ إطلالة الشهر الكريم للصلاة في المسجد الحرام،لتشارك تلك المدينتان جارتهما مكةالمكرمة بشكلٍ يومي في أداء الشعائر الرمضانية بشكلٍ منتظمٍ ومجدول، لسائحين أرادوا الجمع بين السياحة والعبادة وما زالوا متمركزين في هاتين المدينتين السياحيتين اللتين أضفى قربهما من مكة، خاصية جذب لقاطنيها وزوارها الراغبين في التقرب إلى الله والصلاة في المسجد الحرام. التحضيرات التي نفذتها السلطات السعودية ستستمر حتى اخر أيام شهر رمضان حيث، أوضح العقيد أحمد العتيبي مدير مرور العاصمة المقدسة ل«الشرق الأوسط» أن الإدارة العامة للعاصمة المقدسة وضعت خطة مرورية خاصة بليلتي السابع والعشرين والتاسع والعشرين لما تشهده هاتان الليلتان من ازدياد في الكثافة العددية لكل من المعتمرين والمصلين حيث تستنفر إدارة مرور العاصمة المقدسة كافة القوى البشرية والآلية لتعزيز المواقع وبصفة خاصة المواقع التي تشهد كثافة عالية لدخول مركبات المعتمرين وهي المواقع التي خارج المنطقة المركزية امتداداً لاهتمام إدارة مرور العاصمة المقدسة بشهر رمضان المبارك وما تضعه من خطط مرورية تعنى بانسيابية الحركة المرورية بالعاصمة المقدسة وبصفة خاصة المنطقة المركزية حرصاً منها على خدمة زوار بيت الله الحرام لتأدية مناسك العمرة بكل يسر وسهولة خاصة في مواقف «الرصيفة كدي الشرائع الزاهر» وأيضاً المواقف الخاصة بسيارات المصلين وهي «القشلة الجمرات». وأوضح العتيبي ان إدارة مرور العاصمة المقدسة اعتمدت في خطتها التنفيذية للشهر الفضيل على تقسيم العاصمة المقدسة إلى أربعة مربعات، يتولى كل مربع مجموعة من الضباط والأفراد والطلبة المشاركين، ويتم توزيعهم على جميع الطرق لضمان انسيابية الحركة المرورية وذلك بالقضاء على السلبيات المرورية التي يرتكبها قائدو المركبات مشيراً أنه حرصاً منها على سلامة المصلين والمعتمرين وضعت الإدارة في خطتها نقاط منع دخول المركبات لمنع دخول المركبات للمنطقة المركزية قبل وبعد الصلاة بساعة، كما انها قامت بتمركز عدد من الونشات الرسمية في المناطق الحرجة والعامة لضمان سرعة نقل وإزالة المركبات المتعطلة من مسار الطرق. التي من شأنها إعاقة الحركة المرورية. وأضاف أنه بالتنسيق مع الإدارة العامة للمرور تم تأمين أجهزة ذات تقنية عالية جداً خاصة بإحصاء عدد المركبات دخولاً وخروجاً من العاصمة المقدسة وتم تركيبها على المداخل الرئيسية المؤدية إلى مكةالمكرمة ويهدف ذلك إلى معرفة الكثافة العددية للمركبات وأوقات الذروة وعلى ضوئها يتم إعداد الخطط المرورية، ونلاحظ ان خلال الفترة المنصرمة من شهر رمضان لهذا العام 1429 والذي مضى منه 26 يوماً بلغ عدد المركبات التي دخلت إلى مكةالمكرمة عبر كافة المنافذ الرئيسية أكثر من 2.8 مليون سيارة بزيادة عددية عن العام الماضي بنحو نصف مليون بنسبة 15 في المائة حيث بلغ عدد السيارات التي دخلت العاصمة المقدسة في نفس الفترة من العام الماضي1428ه نحو 2.4 مليون. وأضاف أحمد العتيبي أن إدارة مرور العاصمة المقدسة دأبت سنوياً على تنفيذ حملة مرورية توعوية تحت شعار «معاً في شهر الخير لتنظيم حركة السير» تتناول كلاً من وسائل توعوية توجيه المعتمرين تأمين وسائل السلامة لنقاط فرز المركبات. ومن الرسائل التوعوية المصاحبة لهذه الحملة هي حث المعتمرين وزوار بيت الله الحرام لاستخدام وسائل النقل العام ومنع الوقوف المزدوج في الطرقات والشوارع الرئيسية. وتوضيح أوقات المنع وتوجيه المعتمرين إلى مواقف السيارات التي تم تخصيصها لهم . واختتم أن إدارة مرور العاصمة المقدسة تنتهز هذه الفرصة إلى بث رسالة توعوية إلى كافة المعتمرين والمصلين من المواطنين والمقيمين على مختلف شرائحهم بالتقيد بالأنظمة المرورية والاهتمام بالرسائل الإعلامية والتوجيهية التي سبق الإشارة إليها مثل التوجه المبكر إلى مواقف حجز سيارات المعتمرين قبل نقاط المنع وذلك بالالتزام بالمسار الأيمن لضمان انسيابية الحركة المرورية واستخدام وسائل النقل العام التي من شأنها التقليص من عدد المركبات بالعاصمة المقدسة وخاصة المنطقة المركزية. من جانبٍ آخر أوضح بندر بارحيم، مدير الهلال الأحمر في مكةالمكرمة أن جمعية الهلال الأحمر السعودي بالعاصمة المقدسة تعتمد خطة استثنائية يوم ختم المصحف الكريم في الحرم المكي الشريف تتضمن العمل على تكثيف القوى العاملة داخل الحرم المكي الشريف للقسمين الرجالي والنسائي «بالمتطوعين طبيبات وأطباء واستشاريات وطالبات طب في المستوى الخامس وممرضات وممرضين» حيث يبلغ عدد المتطوعين 100 من الرجال والمتطوعات 240 من النساء وتكون آليات العمل على نحو وجود عشرة مواقع نسائية تعمل من الساعة الخامسة عصرا حتى الرابعة صباحا، وثمانية مواقع رجالية بالإضافة إلى فرق الانتشار حول الكعبة المشرفة والمسعى والساحات الخارجية بالتعاون مع منسوبي وزارة الصحة وتقوم هذه الفرق بتقديم العناية الطبية لضيوف بيت الله الحرام. وأضاف بندر بارحيم أن فرق الدراجات النارية عددها ثماني دراجات نارية مجهزة طبيا ويعمل عليها فنيو طب طوارئ تتمركز حول الحرم المكي الشريف مرتبطة لاسلكيا بغرفة العمليات يتم توجيهها حسب الاحتياج لتقديم الرعاية الصحية مشيراً الى أن عدد المراكز داخل العاصمة المقدسة 6 مراكز تعمل بها من فرقتين إلى ثلاث فرق مناوبة ومرتبطة لاسلكيا بغرفة العمليات، أما عدد المراكز الخارجية 8 مراكز على الطرق المؤدية إلى مكةالمكرمة يعمل بها من فرقة الى فرقتين ويبلغ عدد الفرق الجوالة 8 فرق على الطرق الرئيسية وتعتبر فرق إسناد لداخل العاصمة إذا دعت الحاجة. وكشف عن وجود فرق طبية متخصصة في الإشراف الميداني للتدخل السريع والإشراف والمتابعة ويبلغ عددها أربع فرق بالتناوب وبخصوص العمليات أوضح أن عدد العاملين بغرفة العمليات 25 موظفا لاستقبال البلاغات وترحيلها وأيضا تقديم التعليمات لطالبي الرعاية الطبية حتى وصول الفرقة. الدكتور فهد الجهني، الباحث الإسلامي في جامعة الطائف أوضح ل «الشرق الأوسط» أن الذين يذهبون إلى مكةالمكرمة في العشر الأواخر من رمضان يبحثون عن الأجر، لأن الصلاة فيها لا تعادلها أي صلاة، فمن هذا الباب نجد لهم عذراً شرعياً في تكبدهم عناء السفر، لافتاً في ذات السياق أنه ينبغي للإنسان أن يعلم أن الصلاة في أي مكان لها أجر عظيم، وحتى ولو أدرك المسلم ليلة القدر وهو في صحراءٍ جرداء فالأجر يلحقه، مستدركاً أن ليلة القدر غير مرتبطةٍ بإطارٍ معين أو طقوسٍ معينة. واستدل الجهني بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، في أنه وجه أصحابه في أمورٍ كثيرة في ليالي العشر ولم يلزمهم أن يصلوا معه في المسجد مبيناً أن على المرء أن لا يربط أن الأجر العظيم لا يتحقق إلا بالصلاة في الحرم فالأمر في الأول والأخير يتعلق بحسن العمل، وكما قال بعض العلماء ان الأماكن لا تقدس أصحابها، فالمؤمن الذي يحمل في دواخله النية الصادقة وصلى في صحراء جرداء يبلغ به الأجر مبلغ من صلى تحت أستار الكعبة أو يزيد لأن الأمر يتعلق بالنية واستقرار الإيمان في القلب. وفي السياق نفسه شارك أمس في أداء صلاة الجمعة في مكة نحو مليوني مصل حيث اكتظت جميع أدوار المسجد الحرام وساحاته والطرق المؤدية إليه بالمصلين الذين توافدوا منذ الصباح وقد بدأ عدد القادمين يتزايد من مختلف المناطق لأداء العمرة في هذه الليلة الأخيرة. وامتلأت أروقة وأدوار وسطح المسجد الحرام وبدرومه وساحاته بالمصلين الذين توافدوا إليه من كل حدب وصوب وامتدت صفوف المصلين الى الطرق والشوارع المؤدية الى الحرم المكي الشريف والى الأحياء المجاورة له حيث تحولت هذه الشوارع الى حشود بشرية على مد البصر. وفي تظاهرة إيمانية روحانية تسودها السكينة والخشوع وفي جو تعبدي تحفه ملائكة الرحمن ووسط منظومة من الخدمات المتكاملة التي وفرتها الدولة ورعاية شاملة من قبل القائمين على خدمتهم وراحتهم وجهود متضافرة من جميع القطاعات والأجهزة المعنية بخدمة الزوار والمعتمرين. وفي المدينةالمنورة حيث مسجد رسول الله، شهدت أروقة وساحات وسطح المسجد النبوي الشريف منذ الصباح الباكر توافد أعداد كبيرة من المصلين لأداء صلاة الجمعة الأخيرة من هذا الشهر المبارك والتشرف بالسلام على الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضوان الله عليهما. وبدأت وفود المواطنين والمقيمين والزوار منذ الصباح الباكر راكبة وراجلة قاصدة المسجد النبوي الشريف، حيث امتلأ المسجد وأروقته والساحات المحيطة به وسطح المسجد بالمصلين الذين قدرت أعدادهم بنحو نصف مليون مصل يودعون الشهر الكريم في هذه الجمعة المباركة وهم في حزن على قرب انقضاء شهر الرحمة والمغفرة رافعين اكف الضراعة إلى المولى عز وجل أن يتقبل الله منهم صيامهم وقيامهم داعين الله سبحانه وتعالى أن يعتق في هذه الأيام المباركة رقابهم من النار. كما شهدت الطرق المؤدية إلى المسجد النبوي الشريف كثافة كبيرة في أعداد المصلين الذين توافدوا إلى أبواب المسجد الموزعة على مختلف أرجاء المسجد سيرا على الأقدام وبمختلف المركبات للوصول إلى المسجد النبوي عبر الطرق التي شهدت انسيابية في حركة السير رغم الكثافة العددية في المركبات لتوفر المواقف الموزعة على مختلف الجهات المحيطة بالمسجد والساحات الملحقة به مع توافر كامل الخدمات الأمنية والمرورية والصحية. وأدى المصلون صلاة الجمعة في جو مفعم بالطمأنينة والأمن والأمان والدعاء المتواصل بأن يعيد أيام هذا الشهر الكريم أعواما عديدة على المسلمين بالخير واليمن والبركات داعين الله عز وجل أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ويمده بعونه وتوفيقه على ما قام به ويقوم به لخدمة الحرمين الشريفين وخدمة أبناء العالم الإسلامي من خلال هذه التوسعة الكبرى لمسجد نبيه عليه السلام والتي وفرت الراحة والطمأنينة للحجاج والزوار والعمار. وعقب الصلاة انتشر المصلون لزيارة سيد الأنام عليه السلام وقراءة القرآن والاستماع إلى بعض المواعظ والدروس من المشايخ الموجودين للرد على أسئلة الزوار حول آداب زيارة المسجد وعن بعض أمور رمضان الدينية، وينتظر المصلون داخل المسجد وأروقته للصلوات والإفطار وليشهدوا صلاة التراويح والتهجد وبخاصة في هذه الليلة المباركة ليلة 27 من شهر رمضان والتي يتحرى فيها المسلمون في هذه الليالي ليلة أفضل من ألف شهر رافعين اكفهم لله عز وجل أن يعيد هذا الشهر الكريم على المسلمين أعواما عديدة باليمن والبركات. وعبر احمد محمد حسنين من جمهورية مصر العربية الذي يزور المملكة للمرة الثانية في حديث بثته وكالة الأنباء السعودية مع زوار للمدينة المنورة، عن إعجابه الشديد بما شاهده من توسعة وعمارة المسجد النبوي الشريف وعد هذه التوسعة من المشروعات التي تؤكد عمق حب قيادة وشعب هذا الوطن لخدمة المسلمين الذين يتوافدون على مدار العام على هذه البقاع الطاهرة وتوفير كل ما من شأنه راحتهم وطمأنينتهم مشيرا الى أن هذه التوسعة اتخذت الطابع الإسلامي المعاصر. في حين قال مصطفى حمود أبو العبد القادم من سوريا إن زيارته لبلد الحرمين الشريفين حققت له ولله الحمد المقاصد الإسلامية النبيلة من خلال ما وفرته حكومة هذه البلاد من مشروعات عملاقة وتطويرية في بلد المصطفى صلى الله عليه وسلم ولم تأت هذه المشروعات من فراغ بل برغبة أكيدة وإصرار على أن الشغل الشاغل لحكومة هذه البلاد هو خدمة أبناء العالم الإسلامي من حجاج وزوار وعمار والشواهد على ذلك تملأ السمع والبصر، فنحن نقدم شكرنا الخالص وتقديرنا لحكومة هذه البلاد وندعو الله أن يحفظ عليها أمنها وأمانها وتواصل خدماتها لأبناء المسلمين أينما كانوا. وأثنى الزائر محجوب الزبير من السودان ويعمل طبيبا على العناية والرعاية التي يستقبل بها الزائر في هذه البلاد منذ وصوله وحتى مغادرته مؤكدا أن هذه العناية والرعاية يحثنا عليها ديننا الإسلامي، وحكومة المملكة العربية السعودية تعمل طوال العام الخطط والبرامج لخدمة الحجاج والزوار والعمار لكونها تنطلق من ثوابت إسلامية ثابتة في جل شؤون حياتها العلمية والعملية.