في عام 2800 يولد آخر ياباني. قد ينقل إلى أحد المتاحف كشاهد على أمّة اندثرت لأنها لم تتكاثر رغم أنها تمتلك كل الإمكانات المادية اللازمة ليتحوّل الأرخبيل إلى ترسانة بشرية. المشكلات كثيرة، تراجع معدل الخصوبة لضيق الوقت أو للضغط الاقتصادي، فيما الهجرة محدودة جداً إلى اليابان التي تفضّل الروبوت على اليد العاملة الأجنبية. والنتيجة الانقراض التدريجي، مع أزمة متوقعة في العلاقات مع الدول بسبب سياسة عدم فتح الأبواب. «أورينت برس« أعدّت التحقيق التالي:- توازن الأجناس:- إذا انقرض اليابانيون.. ماذا يحدث للكرة الأرضية؟ اللافت للانتباه انّ السؤال يطرحه باحثون في الانثروبولوجيا، وفي علوم حديثة أخرى، وإذا كانت نظرية «التوازن البيئي« قد شاعت في الآونة الأخيرة، فهل حقاً انه سيحدث خلل في توازن الأجناس؟ يقول الباحث السويسري «فرانك اوشتلاين« ان اليابانيين يشكلون نموذجاً فذاً داخل «الظاهرة البشرية«، فقبل ثورة الميجي عام 1867، كان يمكن أن يظلوا هكذا مثالاً لمجتمع متعدّد الطبقات، مع وجود فجوات سوسيولوجية حادّة، ومن دون أن يتفاعل مع الثورة الصناعية التي كانت قد بدأت تعطي وجهاً آخر للقارتين الأوروبية والأمريكية. لكن ديناميكية الماضي لناحية الساموراي أخذت ذلك المنحى في اتجاه القوة، إلى أن حدث ما حدث في الحرب العالمية الثانية، حتى ان «اوشتلاين« يسأل: «ماذا لو كانت هيروشيما في مكان آخر؟«. المستقبل وراءنا اليابانيون استطاعوا، وإلى حد كبير، القول «إن الماضي وراءنا«. الآن، وفي ضوء التآكل الديموغرافي ثمة مَن يتخوف من القول «إن المستقبل اضحى وراءنا «. ماذا تقول الأدمغة الالكترونية التي قد تكون أكثر دقة من الأدمغة البشرية في تحليل الأرقام واستنتاج ما يفترض استنتاجه؟ إذا بقي التراجع السكاني على ما هو عليه الآن، فإن آخر ياباني سيولد بعد 800 عام، هذا بعدما قالت أجهزة الكمبيوتر منذ نحو عام ان آخر ياباني سيولد بعد 1200 عام، أي انه لن يكون على سطح الأرخبيل في عام 3200 سوى رجل واحد قد يتنافس الكثيرون على إغرائه لحفظه في أحد المتاحف المتخصصة. الكارثة الديموغرافية منذ عام 2005، وهذا البلد الذي يضم 127 مليون نسمة يخسر، سنوياً، مليوناً من أبنائه. في عام 2050 سيكون قد خسر 37 مليون نسمة. والغرابة هنا ان هذه الكارثة الديموغرافية لن تنتج عن الأوبئة أو عن المجاعة، وإنما عن قلة الوقت لإنجاب الأولاد، والخشية من الضغط الاقتصادي. المشكلة ليست فقط في ان المنظومة السكانية ستتضاءل بل انها ستشيخ، ففي اليابان هناك الآن 11 مليون شخص تفوق أعمارهم 75 عاماً. ورئيس الوزراء الجديد «ياسورو فاكودا« يبلغ الحادية والسبعين، أي أكبر من سلفه «شينزو آبي« ب19 عاماً. وفي سبتمبر الماضي احتفل اليابانيون، بكل المظاهر اللازمة، بعيد الميلاد ال112 لعميد البشرية «توموجي تاتابي«. وتبعاً للإحصاءات، فإن الأرخبيل يضم 32 ألف شخص تعدّوا المائة، وهذا الرقم في ازدياد. بطبيعة الحال، ثمة تداعيات للخلل الديموغرافي على الدورة الاقتصادية، إذ مع حلول عام 2030، ستخسر اليابان سنوياً، نصف نقطة في معدلات النمو، وفق ما أظهرته دراسة بحثية نشرها مصرف «ميزوهو«، وهذه مسألة طبيعية، ففي حين يرتفع عدد المتقاعدين يتقهقر عدد العاملين، وهي معادلة تبدو انتحارية على المدى الطويل. معدل الخصوبة وكما هو معروف، تم رفع سن التقاعد من 60 الى 65 عاماً، وقد يتم تمديد ذلك حتى السبعين، مما حمل الحكومة على التفكير في ثلاثة اتجاهات: - السياسة العائلية التي ينبغي اعتمادها، ومكانة المرأة في دنيا العمل، والهجرة. يقول البروفيسور «اكيهيكو ماتسوتاني«، وهو أحد الباحثين في هذا المجال انه مع انخفاض عدد اليابانيات اللواتي تتراوح أعمارهن ما بين 20 و39 عاماً، فإن ازدياد عدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة لن يكون كافياً للحفاظ على المستوى الحالي للسكان، ليشير إلى أن معدل الخصوبة لدى اليابانيات هو واحد من أدنى المعدلات في العالم. إنه 1.3 وهو بعيد عن المعدل المطلوب، أي 2.1، من أجل «تجديد« الأجيال. واللافت للنظر أن يكون أحد أسباب التدني ضآلة المساعدات التي تقدمها الدولة للعائلات، فاليابان تخصص 1.1 % من الناتج المحلي الخام لذلك في مقابل 2.4% كمعدل لدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون والانماء الأوروبي، و3.6% في فرنسا التي يعتبر التكاثر فيها من أعلى المستويات في العالم. عجوز على الظهر أحد الحلول الأساسية قد يكون في رفع المعونات المختلفة للأب، لكن المشكلة في الأرخبيل هي ان المساعدات التي تقدم للمسنين المتقاعدين ضخمة جداً، بحيث يقال إن كل ياباني يعمل يحمل على ظهره عجوزاً يعوله على مدار الساعة. وكان بالإمكان الاستعاضة عن المساعدات التي يفترض أن تقدمها الدولة للعائلات بزيادة عدد النساء العاملات. العكس هو الذي يحدث، إذ ان دوام العمل (12 ساعة) يحمل العديد من النساء على التخلي عن عملهن لأنهن لا يستطعن المواءمة بين موجبات الوظيفة والمقتضيات العائلية. وقد يكون الحل بالمساواة بين المزايا التي تقدم للرجال وتلك التي تقدم للنساء. أبواب الأرخبيل شبه مقفلة أمام المهاجرين. عددهم الآن مليونان نصفهم من الكوريين الذين يقيمون هناك منذ عقود عدة، ومن دون أن ينال أبناؤهم أو أحفادهم الجنسية اليابانية. كما يوجد زهاء نصف مليون صيني. العرب ومقارنة مع الوضع في القارة الأوروبية، فإن نسبة الهجرة تعتبر محدودة. وقد تكون اللغة الصعبة، ومعها الاختلافات الثقافية، وراء عدم الحماسة للهجرة إلى اليابان التي لا تستقبل بشكل عام، إلا الأدمغة أو الأيدي الماهرة. الآخرون يظلون وراء الأبواب. حتى الأدمغة والأيدي العربية (المصرية واللبنانية والسورية والفلسطينية والمغربية والتونسية وغيرها) تبدو مجهرية. دائماً اللغة المعقدة، فضلاً عن الاختلاف الحاد في القيم وفي أساليب الحياة. يقول لبناني يعيش هناك وله 4 أولاد: «اليابانيون رائعون، وقد نتعلم منهم الكثير، ولكن في بعض الأحيان أشعر، وعائلتي، كما لو أننا نعيش في كوكب آخر «. الخبر السعيد الوحيد يرى خبراء انه في السنوات المقبلة قد تعاني اليابان مشكلة ما في العلاقات الدولية، وهي التي ترى كيف يحدث الانفتاح بين واشنطن وبكين. ويقول هؤلاء ان على طوكيو أن تشرّع أبوابها ليس أمام الرجال فحسب، بل أمام الرساميل والبضائع أيضا. حالياً، لا تمثل الاستثمارات الخارجية أكثر من 5 % من الناتج الداخلي الخام (27 % في فرنسا)، فيما التجارة الخارجية لا تتعدى نسبة 10 % من الناتج. الخبر السعيد الوحيد ان قوتين آسيويتين أخريين هما الصين وكوريا تعانيان أيضاً مشكلات ديموغرافية مهمة. الروبوت بدلاً من اللجوء إلى الخادمات الصينيات والفلبينيات، يعتمد اليابانيون أكثر فأكثر على الروبوت في التدبير المنزلي. البلد الذي يُعد الثاني، عالمياً، من حيث القوة الاقتصادية يفضّل الخدمات التكنولوجية للمسنين الذين، بالضرورة، يحتاجون إلى لمسة إنسانية أكثر من التعاطي مع آلات جامدة. المهاجرون لهم عائلاتهم، ووجودهم يؤدي إلى التنوّع الذي لايزال يبدو أمراً غريباً في الأرخبيل. دم في عروق الساموراي تقول النائبة «كونيكو اينوجوشي«، وهي وزيرة سابقة للمساواة بين الرجال والنساء، ان 99.99 في المائة من الباحثين في الأرخبيل هم يابانيون، فيما في الولاياتالمتحدة نصف الباحثين ليسوا أمريكيين. لا تحلّ المشكلة استعادة آلاف اليابانيين الذين سبق أن هاجروا إلى البرازيل، فهل يفتح الباب باستقدام مئات الممرضات من كوريا؟ هذا عدد ثانوي جداً إذا كان الهدف هو دفع دم جديد في عروق الساموراي.