«مطلوب فيلا في منطقة هادئة مع حوض سباحة صغير» أو «للبيع شقة سكنية تطل على مسبح كبير» أو «لدينا أكبر تشكيلة من تصميمات المسابح للفيلات والتجمعات السكنية». هذه وغيرها صارت نصوصاً إعلانية عادية لا يستغربها المصريون في صحفهم اليومية وعبر الأثير وعلى لوحات الإعلانات الضخمة المثبتة في الميادين العامة والشوارع والطرقات التي تفرض ذاتها عليهم ذهاباً وإياباً كل يوم. صارت المسابح الخاصة سمة «شبه عادية» في حياة أعداد متزايدة من المصريين، خصوصاً بين أولئك المنتمين إلى النصف العلوي من الهرم الاجتماعي والاقتصادي. فعلى رغم شكاوى الفقر المتزايدة، فإن هناك طبقة متوسطة باتت تبحث عن رموز مصغرة تتبناها علها تنتسب من خلالها إلى طبقات تعلوها في سلّم الهرم الاجتماعي، ولعل ظاهرة المسابح المتنامية أحد أبرز مظاهر هذا الاتجاه. انتقل سليم نصر (45 سنة) قبل أشهر للسكن في إحدى المدن الجديدة على أطراف القاهرة، وتحديداً في فيلا صغيرة يسدد أقساطها على 15 عاماً. وعلى رغم أن تلك الأقساط تستقطع ما يزيد من نصف دخله الشهري، إلا أنه اضطر تحت ضغوط أسرية الى بناء مسبح صغير جداً في حديقة الفيلا الصغيرة رضوخاً لزوجته الطامحة إلى التشبه بصديقات وقريبات سبقنها إلى فيلات مزودة بأحواض سباحة، وإرضاء لأبنائه الراغبين في دعوة أصدقائهم إلى «حفلات مسبحية» كتلك التي يدعون إليها. وعلى رغم النداءات الحكومية والأهلية المتنامية والمطالبة بترشيد استخدام المياه، خصوصاً في أشهر الصيف الطويلة، وعلى رغم فواتير مياه الشرب الملتهبة والتي يشكو الجميع من ارتفاع أسعارها، فإن الاتجاه نحو المسابح يزيد ولا يقل. وأدى هذا الميل إلى تفاقم أزمات انقطاع المياه في عدد من التجمعات السكنية حيث بدأ تبادل الاتهامات بين الجهات المسؤولة عن تزويد مياه الشرب، وأصحاب البيوت المزودة بأحواض سباحة والمتهمين بإهدار المياه، وجيرانهم ممن لا يملكون أحواضاً. ولا تقف ظاهرة أحواض السباحة عند الفيلات المستقلة وفي الحدائق الخاصة، بل امتدت كذلك إلى تجمعات العمارات السكنية الجديدة التي تبنى على أطراف المدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية. وينعكس وجود حوض للسباحة بين هذه العمارات في أسعار الشقق التي تقفز بضعة آلاف من الجنيهات أعلى من مثيلاتها غير المطلة على المسابح. وعلى رغم أن الغالبية العظمى من رواد مثل هذه المسابح من الأطفال، أي أن الكبار، نساء ورجالاً، لا يتمتعون عادة بمثل هذه الرفاهية، فإن وجود المسبح صار عنصراً مفضلاً لكثيرين من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة الجديدة. هذه الطبقة أيضاً هي التي تشكل نسبة كبيرة من ملاك، أو أشباه ملاك، شاليهات وشقق منتجعات الساحل الشمالي، على اعتبار أن غالبيتها يتم تملكها بعد عقد أو عقدين من التقسيط. هذه المنتجعات تتنافس في ما بينها على نوعية أحواض السباحة التي تقدمها للرواد، واتساعها، وتزودها بألعاب مائية لأبناء الملاك الصغار. وعلى رغم أن هذه المنتجعات تطل مباشرة على البحر المتوسط، فإن البعض يتحجج بأن مياه البحر المتوسط في هذه المنطقة تتميز بأمواج عالية شديدة الخطورة، خصوصاً بالنسبة إلى الأطفال، ما يجعل أحواض السباحة من ضرورات المنتجعات الساحلية. ويَعجب عبدالله سامر (75 سنة) من تنامي هذه الظاهرة، خصوصاً في المنتجعات الساحلية، ويقول: «كنا قديماً نشد الرحال إلى ساحل البحر حتى نتمتع بالسباحة في البحر واللعب في الرمال الصفراء. أما الآن، فإن الناس تتكبد عناء السفر وتدفع آلاف، بل ملايين الجنيهات من أجل السباحة في حوض. غالب الظن أن الأمر كله يتعلق بالمكانة الاجتماعية والمادية وليس التمتع بالبحر والرمل».