واصل المخرج الإسرائيلي آفي مغربي المنتقد لسياسة إسرائيل نهجه السينمائي الساخر في فيلمه الوثائقي الجديد "زد 32" مسلطا الضوء على جوانب غير مشرفة من ممارسات الجيش الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وقدم فيلم مغربي الذي يصور فيه نفسه والذي يمزج فيه المخرج بين الفني -الروائي والواقع في تظاهرة "اوريزونتي" ضمن فعاليات مهرجان البندقية السينمائي في دورته ال 65 التي تختتم مساء السبت. واستمد آفي مغربي عنوان فيلمه "زد 32" من عنوان ملف شهادات في ارشيف حركة "كسر الصمت" الاسرائيلية التي انشأها جنود سابقون وعائلاتهم لتلقي شهادات الجنود الشباب حول تجاربهم القاسية خلال فترة خدمتهم في الاراضي الفلسطينية. ويضم أرشيف هذه الحركة عشرات الشهادات لجنود مجهولين ادلوا بها للحركة. ويروي "زد 32" بأسلوب موسيقي فني من خلال شهادة جندي كيفية قيام وحدة من سلاح النخبة في الجيش الإسرائيلي بتصفية رجلي شرطة فلسطينيين بريئين في عملية انتقامية ردا على عملية فلسطينية أدت إلى مقتل أربعة جنود. ويلعب الفيلم على الكثير من المحاور ضمن صياغة تهكمية حافلة بالسخرية السوداء التي هي لازمة تتكرر في معظم أعمال مغربي. ويتحول مغربي إلى قاص يروي الحكاية بالأغنية أحيانا ويحول صالون بيته إلى مسرح يستضيف جوقة الموسيقيين. ويعرف المخرج فيلمه بانه "وثائقي موسيقي تراجيدي" حاول عبره التوجه نحو الفن اكثر منه نحو السياسة بعد تخليه عن تعريفه لنفسه بانه مخرج افلام سياسية اثر شريطه "لاجل احدى عيني" على اعتبار انه "مهما حسنت النيات فان فيلما لن يغير بالضرورة الواقع المعقد الذي قد يكون اغرب من مضمون الفيلم". في البداية يصعب على الجندي أن ينطق بحقيقة ما جرى لكنه يقبل ويبدو مستعدا للكلام طالما طمست هويته وغطي وجهه أمام الكاميرا. وسرعان ما تتحول عملية تغطية الوجه هذه الى مصدر بحث وبالتالي الى منبع للابداع للمخرج الذي تفنن في تغطية الوجه مرة بالغباش ومرة بجعل الوجه يظهر مغطى بقناع يجعل الجندي اقرب الى بطل في تراجيديا يونانية يواجه مصيره المحتوم ولا طاقة له على تغييره. وتفنن المخرج في اعادة صياغة الوجوه باقنعة او بغير اقنعة وكان احيانا يرتدي هو نفسه القناع لاعبا على الصورة والرمز ومقربا الاسرائيلي منفذ العملية الانتقامية من الفلسطيني الذي ينفذ عملية انتحارية ويظهر مقنعا وهو يتبناها. وتكتسي عملية ارتداء الاقنعة الكثير من الاشارات والرموز فالجندي الذي يتكلم من وراء قناع كانما يتحلل مما ارتكبته يداه ليبدوا من ارتكب الجريمة شخصا آخر يقول هو حقيقته. كما تلعب الاغنية دورا تطهيريا وتنجح في كسر حدة القصة التي يرويها جندي النخبة وتغدو عملية البوح نوعا من الاحتجاج غير المباشر على توريط نخبة الشباب الاسرائيلي في الجيش بمثل هذه العمليات التي تبدو في النهاية عبثية وتحول الجندي الذي نفذها الى مجرم- ضحية عليه ان يلتزم الصمت. لكن هذا الجندي لا يبدو مجرما في نظرته لنفسه وان كان الشك قائما وهو يقول في الشريط انه لا يفكر بمن قتلهم في لحظة الفعل حين كان مدججا بالسلاح ومحاطا بشعور انه الاقوى. ويضع الفيلم برسم المشاهد اسئلة عدة من مثل: حين يعمد الجيش الاسرائيلي الى تنفيذ عمليات انتقامية ضد ابرياء الا تكون تلك العمليات ارهابية ولم لا تسمى كذلك؟ ثم الا تقضي مثل هذه الاعمال على سمعة الجيش ونخبته مستقبلا؟ حتى يقارب الواقع الفظيع لحياة الجندي الاسرائيلي عمد آفي مغربي الى الموسيقى وقبله عمد آري فولمان الى الرسوم المتحركة ليصور غزو الاسرائيليين لبيروت ومجازر صبرا وشاتيلا ما يحمل على التساؤل اذا ما كانت وظيفة الفن التخفيف من حدة الواقع الاسرائيلي وتجميله مهما كان فظيعا. آفي مغربي ولد في تل ابيب عام 1956 وانجز عددا من الافلام الوثائقية ابرزها "لاجل احدى عيني" (2005) و"آب" و"الانتظار مهنة الجندي" (2002) و"عيد ميلاد سعيد سيد مغربي" (1999) اضافة لفيلمه الشهير عن رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق ارييل شارون الغارق في غيبوبة منذ كانون الثاني/يناير 2006 اثر اصابته بجلطة في الدماغ. ا ف ب